بقلم : القس رفعت فكري سعيد
يهدف الإعلام الراقي المستنير إلى إرشاد أفراد المجتمع للتمسك بالقيم السليمة، كالحرص على التواصل والحب والائتلاف وكذلك يرفض الإعلام الواعي أي ترويج للقيم الهدامة، كنشر الكراهية والبغضاء والخرافة بين الناس, ويتبنى الإعلام هذا المنهج من خلال عرض نماذج عاقلة وواعية لذلك، بحيث يلتمس المتلقون السبل الراقية التي تؤكد احترام إنسانية الفرد، وتقدير حسه الاجتماعي تقديراً واعياً، كذلك يسعى الإعلام الراقي إلى الارتقاء بجميع مجالات المعرفة، لأن ذلك يعتبر ضرورة لمواكبة مسيرة الحضارة العالمية في عصر أصبح الصراع فيه بين الأمم صراعاً حضارياً وفكرياً وعلمياً.
أما عن إعلامنا العربي فحدث ولا حرج , فبين الحين والآخر يطل علينا من خلال بعض الفضائيات العربية , سواء كانت دينية أو غير دينية , بعض المتطرفين فكرياً والمتعصبين دينياً بوجوههم الكالحة الكئيبة وبقلوبهم السوداء الحاقدة , ليبثوا علينا سمومهم الفكرية من خلال أفكارهم السلفية المستوردة من بعض دول النفط , فتارة نسمع أحد الموتورين وهو يقول "أرفض بناء الكنائس بشكل مطلق" , وتارة أخرى يقول متطرف آخر "المسيحية ديانة وثنية" , وهناك من المتطرفين من يهاجم الأعياد إما لأنها غربية وإما لأنها فرعونية, وفي تقديري إن الإعلام المرئي هو الأخطر لأنه هو الأكثر تأثيراً على المشاهدين , فمشاهدو الفضائيات يفوقون كثيرا في عددهم من يستخدمون الكمبيوتر والإنترنت, نظراً لارتفاع الأمية الأبجدية والثقافية والإلكترونية في عالمنا العربي.
والإعلام السلفي يلعب أضراراً جسيمة من شأنها أن تضر بالصالح العام , فمن ناحية الحفاظ على أمن الوطن وسلامه, نحن اليوم أحوج ما نكون إلى الاستماع لصوت العقلاء الذين يتمتعون برحابة فكرية وثقافية, من أجل الترويج لثقافة الحب والتسامح وقبول الآخر الديني المغاير أياً كان دينه سماوياً أو وضعياً وأيا كانت معتقداته وأفكاره .
أما ظهور المتطرفين فكرياً على الفضائيات فهو أمر من شأنه أن يؤدي إلى حرق الوطن في وقت نحن فيه أحوج مانكون إلى لم الشمل ورأب الصدع , ولعل أحداث قرية الشورانية وما حدث فيها من اعتداءات على المواطنين المصريين البهائيين بعد التحريض ضدهم على إحدى فضائيات النايل سات يؤكد مدى خطورة الإعلام, وإلى أي مدى يمكن أن يفعل بنا السلفيون والمتطرفون .
وعندما يقول شخص متعصب دينياً إنه يرفض بناء الكنائس بشكل مطلق , ويقول ذلك ليس في جلسة خاصة ولكن في الفضاء عبر الأقمار الصناعية , هذا الكلام من شأنه أن يُحدث بلبلة فكرية أكثر مما هي حادثة بالفعل, ومن شأنه أن يجعل المتطرفين والغوغاء والعوام من التصدي للمسيحيين والاعتداء عليهم عند شروعهم في بناء كنيسة , أو حتى عند مجرد تفكيرهم في ترميم إحدى دورات المياه الملحقة بإحدى الكنائس !!
وتكمن خطورة الإعلام السلفي , ليس فقط في إثارة الفتن والنعرات الدينية بين أبناء الوطن الواحد , ولكن تكمن الخطورة أيضاً في الترويج للأفكار وللفتاوى التي تتنافى مع العلم ومع المنطق ومع المتعارف عليه بين معظم المسلمين المستنيرين , الأمر الذي يُحدث بلبلة فكرية بين جموع البسطاء من مشاهدي التليفزيون , هذا فضلاً عن الترويج للخرافات ورفض استخدام المنهج العلمي في التفكير مما يترتب عليه تراكم وتزايد مساحة التخلف والتأخر وتقلص مساحة النمو والتقدم.
إن للإعلام رسالة , وهذه الرسالة من المحتم أن تنطلق بنا للأمام لا أن تعود بنا إلى الخلف , ولكن بالإصرار على الاستمرار في مثل هذه المنهجية الرافضة للعلم والناشرة للتعصب والكراهية , من المؤكد أننا سنتقهقر إلى الخلف , هذا فضلاً عن إنه في ظل الإعلام السلفي سيكون أي كلام عن الوحدة الوطنية وتلاحم أبناء الوطن هباءً منثوراً !!
إن الأمر يحتاج لوقفة جادة من القائمين على أمر الإعلام ولا سيما في منطقتنا العربية , فالجو بطيعته مشحون ومتوتر وغير مستقر , ونحن اليوم لسنا في حاجة لمن يزيدون من مساحة التوتر والهياج الشعبي , إننا نحتاج لمن ينشرون الحب لا لمن يزرعون الكراهية , إننا في مسيس الحاجة لمن يجمعون لا لمن يُفرقون , إننا في أشد الحاجة لمن يروجون لفكر التقدم لا لمن يهللون للفكر السلفي , باختصار أتمنى أن يطل علينا من خلال فضائياتنا العربية, العقلاء لا الجهلاء, الحمائم لا ............ !!
راعي الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا
refaatfikry@hotmail.com