تصور قضية الفرنسي مهدي نموش، المتهم بقتل أربعة أشخاص في هجوم نفذه على المتحف اليهودي في بروكسل، والذي كان أحد خاطفي رهينة فرنسي سابق، التهديد الذي يمثله الجهاديون الأوروبيون، الذين ينضمون إلى صفوف داعش بالنسبة إلى أوروبا. لذا تسعى الدول الأوروبية إلى تعزيز ترسانتها القضائية لمنع رحيل المرشحين للجهاد، ولا سيما في فرنسا وبريطانيا.
باريس: قال جان شارل بريزار، خبير المسائل المرتبطة بالارهاب، إن الهجوم الذي ادى الى قتل اربعة اشخاص في 24 ايار/مايو في المتحف اليهودي في بروكسل، والذي اوقف نموش الفرنسي الجزائري الاصل بشأنه في بلجيكا، هو "اول عمل ارهابي ناجح على الاراضي الاوروبية مصدره الشبكات السورية".
على غرار نموش، هناك مئات الاوروبيين العائدين من سوريا، حيث انضموا الى الجهاديين، فيما يواصل مئات المرشحين الآخرين الانضمام الى صفوف "الدولة الاسلامية" أو "جبهة النصرة"، الفرع السوري لتنظيم القاعدة. ويبعث تدفق المرشحين للجهاد مخاوف لدى المسؤولين السياسيين واجهزة الاستخبارات الاوروبية من أن يفلت بعضهم من رادارات المراقبة وينفذون اعمالًا ارهابية لدى عودتهم الى بلادهم.
وحش يكبر
وقال لوي كابريولي مسؤول مكافحة الارهاب في مديرية مراقبة الاراضي بين 1998 و2004 "إنها ظاهرة جماعية تتخذ حجمًا متزايداً". وقدر جان شارل بريزار عدد الاوروبيين، الذين زاروا سوريا والعراق أو الذين ما زالوا موجودين في هذين البلدين، بـ3200.
في بريطانيا، افاد رئيس الوزراء ديفيد كاميرون أن هناك "ما لا يقل عن 500" غادروا الى سوريا والعراق، عاد منهم 250. اما في فرنسا، فهناك 950 شخصًا ضالعون في الشبكات السورية، ما بين جهاديين يقاتلون حالياً (350) أو في طريقهم (150) أو عادوا الى بلادهم (180) أو يسعون الى الرحيل (220)، بحسب تعداد أعده مقرر مشروع قانون حول تعزيز مكافحة الارهاب في منتصف اب/اغسطس. كما تم توقيف اشخاص يسعون الى تجنيد مرشحين للجهاد في كل من المانيا وهولندا.
وقال جان شارل بريزار إنه على ضوء هذه الاعداد، فإن مخاطر وقوع اعتداء جديد في اوروبا "تتخطى مجرد الاحتمال"، مشيرًا الى أن "الاجهزة على يقين بأن الامر لم يعد سوى مسألة وقت".
خطر الشبكات
وقال الخبير إن "هذا يمكن أن يحصل بطريقتين: هناك حالات الافراد الذين سيحاولون لدى عودتهم القيام بعمليات من دون تلقي تعليمات، لمجرد أنهم اصبحوا عنيفين، وهذا ما ينطبق على ما يبدو على نموش". لكنه اضاف أن "الخطر الحقيقي هو أنه بوسع الدولة الاسلامية الاستناد الى آلاف الجهاديين الاجانب في صفوفها للقيام بعمليات محددة الاهداف ومنسقة، تكون وطأتها اشد بكثير مما يمكن أن يحققه جهادي وحيد". ورأى ماثيو اولسن احد مسؤولي مكافحة الارهاب الاميركيين أن "التهديد لاوروبا داهم نسبيًا".
في مواجهة هذه المخاطر، تسعى الدول الاوروبية الى تعزيز ترسانتها القضائية لمنع رحيل المرشحين للجهاد، ولا سيما في فرنسا وبريطانيا، اللتين تستعدان لإقرار تشريعات تجيز منع الاشخاص، الذين يشتبه في سعيهم الى التوجه الى أرض جهاد من مغادرة الاراضي الوطنية. وشدد شارل بريزار على أن "المهم هو منعهم من الرحيل، هذه هي الاولوية. لأنهم حين يرحلون، فقد فات الاوان".
اما الذين يعودون، فإن اجهزة مكافحة الارهاب لا تملك الوسائل الكافية لفرض مراقبة متواصلة عليهم، فتعمد الى وضع لوائح تصنفهم فيها بحسب درجة خطورتهم. واوضح خبير في هذا الملف أن "فرض مراقبة على مدار الساعة على مشتبه فيه واحد، لا سيما وأنه يستخدم في غالب الاحيان ثلاثة او اربعة ارقام هاتفية مختلفة، يتطلب ثلاثين شرطياً. كيف يمكن القيام بذلك؟".
كسر الروادع
وفي فرنسا رأى لوي كابريولي أن المديرية العامة للامن الداخلي مع عملائها الـ3300 تقوم بـ"عمل ممتاز، لكنها تعاني من نقص في عديدها. وتعزيزها المزمع بـ300 الى 400 عنصر لا يشكل ردًا بمستوى التحدي".
وقال جان شارل بريزار: "نعلم من التجارب الماضية، في افغانستان أو الشيشان، أن شخصًا من اصل تسعة عائدين انخرط في اعمال عنيفة أو ارهابية". وما يزيد من حدة المخاطر بنظره أن "هؤلاء الاشخاص يعودون، وقد تخلصوا تمامًا من أي رادع معنوي بالنسبة الى العنف"، وهو ما ينطبق على ما يبدو على مهدي نموش. وقال لوي كابريولي "إنه كان جانحًا من الحق العام، عرف السجن، لكنه صعّد عنفه وشرعه في صفوف الدولة الاسلامية".