«تركى»: مدرستان رفضتا ابنتى والثالثة قبلتها على مسئوليتنا
عندما وصل عمره إلى 18 شهراً ألمّت بالرضيع وعكة صحية، بكاء وصراخ متواصل، وتشخيصات طبية مختلفة، ولأمر ما أصابه خلل جينى انتهى بتوقف البنكرياس عن العمل لينضم بعدها إلى قائمة مرضى السكر فى مصر، رحلة من الألم عاشها الأبوان مع طفلهما الأكبر «سليم»، بمرور الوقت تغلبا على الصدمة، وبالخبرة صارا أكثر ذكاءً فى حساب تعادلات نسبة السكر فى الدم، ليعيش الصغير بعدها حياة طبيعية باستثناء تناوله جرعات الأنسولين بانتظام، وإجراء تحاليل يومية للاطمئنان على نسبة السكر فى الدم.
يقول أمير درويش، والد الطفل: «بعد إصابة طفلى بالمرض أدركت أن هناك أطفالاً كثيرين مصابين بالمرض ولم يعد الأمر مرضاً كما يحسبه البعض»، الأزمة التى عاشها «أمير» مع صغيره كانت هينة فى مواجهة الأزمة الأكبر، بعدما اقترب موعد التقديم للمدرسة، إذ فوجئ الأب برفض المدرسة التى تبعد عدة أمتار عن بيته بمنطقة المعراج فى المعادى استقبال صغيره فى المراحل التعليمية المختلفة.
تابع الأب: إحدى المدارس الخاصة فتحت أبواب التقديم منذ رمضان الماضى، وقدمت أوراق ابنى لاعتماده بمرحلة «الكى جى»، ولكنى فوجئت برفضهم انضمامه لها لمجرد أنه مريض بالسكر.. صدمة كبيرة لم يتمكن الأب من تجاوزها، فصغيره الذى لا يعانى من أمراض معدية ولا يعانى من عجز ما، أو تخلف عقلى يواجه مصيراً غير معروف فى ظل تعنت مدارس خاصة فى استقبال الأطفال المصابين بمرض السكر، وعدم رغبتهم فى تحمل مسئوليته حالة تعرضه لوعكة صحية.. مدارس أخرى سلكت السلوك نفسه مع أطفال مصابين بالمرض نفسه، وهى النتيجة التى توصل لها الأب بمجرد إعلانه الشكوى على صفحات التواصل الاجتماعى ليكتشف بعدها عدداً لا بأس به من الآباء يواجهون نفس المصير مع مدارس وضعت شروطاً غير قانونية وتمييزاً غير مبرر مع هؤلاء الصغار، لم ييأس أمير من الأزمة التى مر بها وقرر التقدم بشكوى لخط نجدة الطفل وللمجلس القومى للأمومة والطفولة لتحمل شكواه التى لم ينظر فى أمرها بعد، الرقم 104359 لسنة 2014.
المدرسة لم تكف عن هذا الإجراء رغم الشكوى السابقة إذ حرمت الطفل محمد عبدالله، من الانضمام إليها فى الصف الأول للسبب نفسه، وأخبرت والدته بالأمر، وهو ما تسبب فى صدمة كبيرة للأم التى لم تصدق عقلها، وتساءلت فى غضب شديد: «ماذا لو اكتشفت إصابة ابنى بالسكر بعد التحاقه بالمدرسة هل ستفصله منها؟».. سؤال لم تجد له الأم جواباً، خصوصاً أنها قررت نقله من المدرسة التى تلقى فيها تعليم «الكى جى» إلى المدرسة الجديدة بعد أن سمعت عن وجود طبيب مقيم بها وممرضة وهو ما تمنت أن تجده لطفلها فى المدرسة حرصاً منها على سلامته فى حال تعرض لأزمة صحية لكنها فوجئت برد المدرسة؛ إذ وضعت المدرسة شروطها فى وجه كل طفل مصاب بالسكر وهو ما أثار غضبها خصوصاً أن اكتشافها لإصابة ابنها بالمرض لم يتجاوز الأشهر القليلة.
باختلاف المكان تختلف التجربة لكن النتيجة واحدة، فقبل أربع سنوات من الآن تعرضت الطفلة لينا محمد تركى لأزمة صحية بدأت بنزلة برد عادية ولخلل ما فى جهاز المناعة هاجم جهاز البنكرياس لتنضم «لينا» بعدها إلى ملايين الأطفال المصابين بمرض السكر، ولأن العلاج كله يتوقف على أخذ جرعات أنسولين بانتظام وتنظيم غذائى محدد، أصبحت عبارة «السكر مش مرض» أساسية فى الحديث عن أزمة مرضى السكر، حتى إن الأطباء يرفعون شعار «السكر صديق للإنسان وليس مرضاً بالمعنى المعروف» لتخفف الكلمات من وطأة الصدمة على الأبوين وهو ما استطاع محمد تركى استيعابه وصار بالتجربة والخبرة أكثر دراية فى التعامل مع صغيرته من بعض الأطباء الذين يعجزون عن تقديم حلول لها فى أبسط الأمور التى تواجهها.
ليكشف «محمد» عن أن صدمته الحقيقية لم تكن فى إصابة ابنته بقدر اكتشافه لتعامل المجتمع مع المصابين بالسكر وخاصة المدارس الخاصة التى صدمته إحداها فى منطقة الهرم برفضها لابنته نظراً لإصابتها بالسكر ولأنهم لا يستطيعون تحمل مسئوليتها بالرغم من احتواء المدرسة على عيادة طبية يفترض بها التعامل مع تلك الحالات وغيرها، وبعد رفض من مدرستين قبلتها ثالثة على مسئولية والدها.
بعض المدارس الخاصة وضعت مرضى السكر فى قائمة المرفوضين وإن لم تعلن ذلك صراحة، ففى الإسكندرية وتحديداً فى ميامى واجهت دعاء على، والدة الطفلة سما، المصير نفسه، فبعد اكتشافها لإصابة ابنتها قبل عامين من دخولها المدرسة لم تكن تتوقع أن تواجه الصغيرة مستقبلاً مظلماً فى ظل تمييز يفرض عليها دون سبب واضح، ففى الوقت المحدد لفتح باب القبول فى إحدى المدارس الخاصة بمنطقة ميامى ذهبت الأم ومعها صغيرتها إلى المدرسة لتملأ استمارة مطولة مدون فى بعض بياناتها الاستفسار عن حالته الصحية فتضع الأم إصابتها بالسكر ظناً منها أنها بذلك تدفع المدرسة لتقديم اهتمام أكبر للصغيرة وحرص مستمر على متابعة حالتها الصحية، لكن المفاجأة كانت فى رفض المدرسة للصغيرة لنفس السبب.