بقلم: فيفيان فايز
فى الرابع عشر من أغسطس من العام الماضى تم فض إعتصام رابعة. وقد سمى بهذا الإسم لمرابضة المعتصمين عند التقاطع الذى يقع على أحد نواصيه جامع رابعة العدوية فى حى مدينة نصر بالقاهرة.

فما هو أول ما نفكر فيه عند سماع كلمة "رابعة"؟ وما هى الصورالتى نراها بعيون أذهاننا عند نطق ذلك الإسم؟ إن سماع ذلك الإسم الأن بات يطلق فى أذهاننا صور التهديد والخطف والقتل والتعذيب والدم  والتنكيل والإرهاب. هذه هى الصور والأخبار التى نتذكرها ونراها بعيون أذهاننا كلما جاء ذكر كلمة "رابعة". ليس هذا فقط بل صار لكلمة "رابعة" علامة وكأنها ماركة مسجلة وإنتشرت هذه العلامة حول العالم من مصر الى قطر وتركيا وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية. لا أدرى من أين جاءت هذه العلامة بلونها الأصفر المميز ولكنها صارت علامة "رابعة".

ونسينا جميعا "رابعة". أقصد رابعة العدوية، تلك الشخصية الصوفية الزاهدة الناسكة التى عاشت فى البصرة فى القرن الثانى الهجرى والتى كرست حياتها بعد توبتها لعبادة الله عز وجل وقضت كل وقتها فى الصوم والصلاة حتى لقبت ب "شهيدة العشق الإلهى". إن نظرة سريعة إلى حياة رابعة العدوية الروحية وقيم الزهد والتصوف التى عاشتهما تكشف لنا حجم بشاعة ربط إسمها بتلك الأحداث والمعانى التى صارت مربتطة بإسمها.

يؤكد الشاعر والفيلسوف د.عبد الرحمن بدوى فى كتابه "شهيدة العشق الإلهى رابعة العدوية" فى طبعته الثانية التى صدرت عام 1962  عن دارنشر مكتبة النهضة المصرية ، أقول يؤكد أن "رابعة العدوية" هى أول من أدخلت فكرة الحب الإلهى فى التصوف الإسلامى. لقد كانت تعتبر علاقتها بالله تعالى علاقة المحبين فقالت من بين الكثير مما قالت، "إلهى، أنارت النجوم، ونامت العيون، وغلقت الملوك أبوابها، وخلا كل حبيب بحبيبه، وهذا مقامى بين يديك!"

وقد نتج عن ذلك الحب زهدا ونسكا حتى أنها لم تكن تطلب شيئا من الله لنفسها على الإطلاق. جائها رجلا وقال لها "سلينى حاجتك". فقالت "إنى لأستحى أن أسأل من يملكها، فكيف أسألها من لا يملكها؟!" حتى أنها فى عبادتها لله صرحت أنها لا تعبد الله خوفا من النار أو إبتغاء دخول الجنة وناجت ربها قائلة: "إلهى، إن كنت عبدتك خوف النار فأحرقنى بالنار، أو طمعا فى الجنة فحرمها على. وإن كنت لا أعبدك إلا من أجلك، فلا تحرمنى من مشاهدة وجهك".

لقد كرست رابعة حياتها كله لله ورفضت الزواج وحين سألها معاصرها حسن البصرى "هل تتزوجين؟" كان ردها: "الزواج ضرورى لمن له الخيار، أما أنا فلا خيار لى فى نفسى، إنى لربى وفى ظل أوامره، ولا قيمة لشخصى" .

أختم الكلام عن رابعة بتلك الأبيات التى خاطبت به حبيبها الله قائلة:
يا سرورى ومنيتى وعمادى             وأنيسى وعدتى ومرادى
أنت روح الفؤاد أنت رجائى            أنت لى مؤنسى وشوقك زادى
إن تكن راضيا على فإنى            يا منى القلب! قد بدا إسعادى

هذا قليل من كثير مما قالته رابعة العدوية عشقا فى الله تعالى.

هل يليق إذا أن نربط اسم تلك الإنسانة التى جعلتها محبة الله تمتلىء بهذه المشاعر والسلوكيات الراقية بكل تلك الأحداث الدامية والعدوانية والعنيفة؟

ألم يحن الوقت لمحو المعانى السلبية التى التصقت بهذا الإسم من عقولنا وإعادة القيم الروحية السامية الى الأذهان عند سماع كلمة "رابعة"؟

حقيقى "آسفين يا رابعة!"