بقلم : د. عاطف نوار
سلوك جاف تسلكه الكنيسة تجاه أبنائها الذين إلتجأوا إليها لحل مشاكلهم .. و الكنيسة تعرف و تستطيع أن تقوم بهذه الخدمات " ومن يعرف ان يعمل حسنا ولا يعمل فذلك خطية له " ( يع 4 : 17 ) .. و دائما نسمع من الكنيسة فى مثل هذه الظروف "الكنيسة ملهاش دعوه" .. سلوك غريب عجيب من الكنيسة المنوطة بإقامة العدل و البذل من أجل أبنائها دون تمييز .. لهذا رأيت أن أوضح دور الكنيسة مُذكرا الكهنة الأفاضل بأساسات الخدمة و الرعاية التى وضعها السيد المسيح .... عندما أرسل الله خدام الكنيسة لخدمة إسمه فى العالم أوصاهم .. لا أن يعلموا و لايرشدوا و لا يبنوا أبنية و لا يقيموا مشاريعا .. و لا يجمعوا تبرعات.. بل أن يرعوا و يبذلوا بعدل .. و الرعاية هى الإهتمام بكل شئ فى حياة أولاد البيعة " ايها الحبيب في كل شيء اروم ان تكون ناجحا وصحيحا كما ان نفسك ناجحة"٣ يو ١:٢
و عندما دعا السيد المسيح المتعبين ليأتوا إليه ناداهم قائلا " تعالوا ياجميع " و ليس " يا بعض المتعبين " .. إن السيد المسيح دعا الجمبع بلا تمييز ليريحهم من كل متاعبهم و ليس البعض منها ..
.... و البذل هو خدمة الميل الثانى و الرداء أيضا .. فكان رب الكنيسة يجول يصنع خيرا ( أع 10 : 38 ) باذلا نفسه و جسده إلى حد أنه لم يجد أين يسند رأسه ( مت 8 : 20 )( لو 8 : 59 ) ..كان يشفى الناس .. يُطعم الناس .. يحل مشاكل الناس .. يقيم موتاهم .. يفرحهم .. يفتقدهم .. يحنو عليهم .. يساعدهم .. دون تمييز بين أحد .. لقد تدخل السيد المسيح فى كل شئ بقلب الراعى المحب .. و حين قال للشخص الذى دعاه للتدخل لدى أخيه ليقاسمه الميراث " يا انسان من اقامني عليكما قاضيا" ( لو 12 :14 ) لم يقل هذا تنصلا من الخدمة بل أكمل عمله الرعوى قائلا " انظروا وتحفظوا من الطمع.فانه متى كان لاحد كثير فليست حياته من امواله" ( لو 12 : 14 ) .. معلنا أنه ضد الطمع و الجشع و السرقة و الإغتصاب .. بل وصف الغنى الطماع بالغبى
( لو 12 : 20 ).. و لم .."يكتف بهذا بل أكد برسوله بولس "ولا سارقون ولا طماعون ولا سكيرون ولا شتامون ..ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (1كو6 : 10 ..
لم يترك زكا ينهب الناس و يستغلهم .. لم يتنصل من عمله الرعوى بل ذهب إليه ودخل بيته وقدم له الرعاية ..
لو 19: 8
فوقف زكا وقال للرب ها انا يا رب اعطي نصف اموالي للمساكين وان كنت قد وشيت باحد ارد اربعة اضعاف.
و قديما لم يتنصل الله من إدانة جريمة قتل نابوت اليزرعيلى و سرقة كرمه .. لم يقل الله أن الكنيسة " ملهاش دعوة ده بزنس ".. فإذا تخطى البزنس حدوده إلى القتل أو السرقة .. يأتى دور الكنيسة فى إدانة و ردع الخطية و رد الحق لصاحبه.. أرسل الله نبيه إيليا إلى آخاب .
1 مل 21: 19
وكلمه قائلا هكذا قال الرب هل قتلت وورثت ايضا.ثم كلمه قائلا هكذا قال الرب.في المكان الذي لحست فيه الكلاب دم نابوت تلحس الكلاب دمك انت ايضا.
لم يتنصل إيليا من الخدمة قائلا " مليش دعوة ده شغل القضاء".. بل ذهب حاملا رسالة الله و عدله موبخا آخاب و إمراته..
إن شفاء المرضى هو من عمل الطبيب و لكن لأن الله يتعامل معنا بقلب الراعى تدخل حتى فى شفاء المرضى و أسس سر مسحة المرضى فى الكنيسة تكملة لعملها الرعوى ..
لم يتنصل السيد المسيح من مسئوليته كراعى .. فلم يرد أن يصرف الجموع جوعى وامر تلاميذه:
" لا حاجة لهم ان يمضوا.اعطوهم انتم لياكلوا" (مت 14 :16 ) " و لم يتركهم إلا بعد أن أطعمهم .. ولم يقل " دى مش مسئوليتى "..هذه هى الرعاية الحقيقية الباذلة .
.. لقد ضرب السيد المسيح مثل السامرى الصالح لكى يعلمنا الفرق بين المعلمين و الآباء .. بين الرعاة و الدعاة .. فالكاهن و اللاوى تجاهلا رعاية الإنسان .. ". ولكن سامريا مسافرا جاء اليه ولما رآه تحنن " ( لو 10: 33 ) .. و أخذه و قدم له خدمة راعية كاملة .. لم يتنصل السامرى بل برغم أنه كان مسافرا .. غير مساره و ذهب إليه من أجل أن يرعى و يبذل ..
إن الله هو ضابط الكل ورب الكل (اع 10: 36) .. و لهذا فهو يرعى الكل و يبذل من أجل الكل فى كل أمورهم و خاصة وقت الضيق حيث قال
مز 50: 15
وادعني في يوم الضيق انقذك فتمجدني
.. و أوصى الكنيسة أن تكون صورته و رائحته ( 2 كو 2: 15) فى الرعاية و البذل عن الكل .
إن العمامة السوداء التى تلبسها الكنيسة فوق رأسها هى ليست تاجا ملكيا للكرامة و السلطة و المديح .. بل هى إكليلا من شوك لتبذل نفسها متألمة من أجل أولادها.. إن سر الإفخارستيا الذى يقدمه الكاهن ليس شعائرا ولا طقوسا تمارس لأجل إراحة الضمير و كسب المديح و غيره من المكاسب.. بل إنه إعلان يومى و تعهد دائم بإنتهاجه نهج سيده فى الرعاية والبذل .. لقد أ ُطلق على الكنيسة لقب
" امنا الكنيسة " و على الكهنة " أباء الكنيسة " .. فهل يتخلى الأب و الآم عن أبنائهما فى أمر إلتجأوا فيه لهما؟ أم هذه الألقاب جاءت فى سياق العظات الرنانة والإيمان الميت العديم الأعمال ؟ .. و إذا كانت الكنيسة ترفض الدخول فى أمور ترد الحق فيها لصاحبه بحجة أنه " بزنس لادخل لها به " .. فلماذا إذن تدخل فى البزنس و تحل مشاكله مع فئة من أولادها المُختارين لدى قلوب أباء الكنيسة تحت شعار " صناعة السلام " ؟.. إذن الأمر تنصلا من مسئولية و خدمة شخص ليس من مختارى اباء البيعة المقدسة .. و فى هذا اصبحت الخدمة بزنسا و مصالحا .. و هذا مرفوض و غير مقبول من راعى إئتمنه الله على رعيته ..
و فى نفس السياق .. لماذا تشتغل الكنيسة فى أمور نهى الله عنها "فلا تهتموا للغد" لأنها من عمله هو فقط .. فنرى أن أباء الكنيسة منصرفين إلى طلب العشور بلجاجة .. فى حين أن الله اوصاهم بالرعاية و لم يوصهم بجمع العشور .. و إذا كان الرد أن جمع العشور هو جزء من الرعاية لتدبير أمور الخدمة .. لماذا إذن يُطلب تكاليف كل خدمة تُقدم فى الكنيسة .. و لماذا لا تثق الكنيسة بوعود الله و هى مبنية على الإيمان ..فقد وعدها الله
مت 6 : 34 فلا تهتموا للغد.لان الغد يهتم بما لنفسه.يكفي اليوم شره
مت 6: 33
لكن اطلبوا اولا ملكوت الله وبره وهذه كلها تزاد لكم
فإذا كان الله يهتم بأمور الناس العادية و يزيدها لهم بلا طلب .. فكم وكم أمور الخدمة فى كنيسته .. فلماذا إذن الإصرار على طلب العشور الدائم على المنابر فى كل وقت حتى فى أسبوع آلام المخلص؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
إن الكنيسة فى الأونة الأخيرة انصرفت إلى أعمال ليس من عملها .. و انصرفت عن أعمال هى أساس عملها .. و النتيجة إصابتها بمرض عضال هو قساوة القلب و جفاف المحبة الباذلة .. وصلت إلى تجاهل خدمة الفئة الغير مختارة للرعاية برغم أن أباء الكنيسة من الأساقفة و الكهنة يعلمون و يعرفون إحتياجات هؤلاء الفئة .. و الوبال الأعظم أن نشأ نطاحن و حرب ضروس بين الأباء بعضهم ضد البعض .. إن الرسالة التى أرسلتها الكنيسة فى عبارتها موضوع المقال هى موجهة لغير مُختارى الكهنة .. بألا يزعجونهم و يعكرون صفو حياتهم .. حياتهم التى تعهدوا أمام الله بتكريسها للرعاية الباذلة بالحق و العدل .. شكرا للكنيسة و كهنتها و أساقفتها الأفاضل .