الأقباط متحدون - قلبٌ فى مرآة
أخر تحديث ٠٥:٢١ | الخميس ٢١ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ١٥ | العدد ٣٢٩٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

قلبٌ فى مرآة

بقلبم: مرقس كمال
فى قلق شديد ذهاباً وأياباً بالممر الخاص بالدور الثانى بمستشفى القلب وتحديداً أمام غرفة العناية ، كنت ارتحل ويداى تحكم إحداهما القبض على معصم الاخرى خلف ظهرى ورأسى لأعلى وعقلى شارد يفكر بالامر منتظراً طمانته ، عقارب الساعة تعلن استقبالها للثانية بعد منتصف الليل ولافتة على الباب مفادها ممنوع الدخول ، وليس من سبيل لتهدئة روعى سوى اطلالتى المتكررة كل بضع دقائق من شباك زجاجى اعاود بعدها ارتحالى فى الممر واكرر .

خلف الزجاج أراه على السرير نائماً منهك القوى مغيباً عن الحياة وأجهزة متصلة بكل جزء فيه ، لم يكن أحد أفراد بنى أدم نعم لم يكن سوى قلب مفترش السرير ، ولانه لا يمتلك لسانا كالبشر يعبر به عن وجعه فكانت الاجهزة جاهدة قدر استطاعتها لترجمة نبضاته أداته الوحيدة للتعبير لتعلن أولاً بأول عبر شاشاتها ما تتوصل اليه من ترجمة ، موجوع اكاد اتوقف احمل عناء فى الحياة مع قلوب أخرى تنبض حنقا وغضبا واخرى تذمر وغيرها كراهية وغيرها عدم رضا وغيرها وغيرها ،وانا اسعى للحياة للفرح للحب للسلام لا أبالى بكرامتى او ذاتى لا أستطيع ان احمل لهم كراهية ولكن احمل حسرة على ما آلوا اليه مما ازعج ابنية علاقاتنا وهددها بالانهيار ، ورغم اننى لا أزعم انى أستطعت تحقيق مساعىً إلا انى لا ولن اكف عن السعى مهما أخفقت طالما لى عمر ولازال فىً نبض .

موجوع هذه وما يتبعها تقرأها عيناى صارخة محملة بآنين يهتز معه كيانى ويوقظ دموعى النائمة هرباً ويفشل كل مساعيها للاختباء خلف اجفانى لتتساقط منهمرة رغماً عنى لاجدنى اغمض عيناى سارحاً بدموعى مستدعياً منظر هذا القلب وهو يلهو فرحاً أشبه بطفل برئ نبضاته مرفرفة بأجنحة البهجة كفراشة جميلة تطوف حديقة تجمع بين نقاوة وصفاء جوها ومتعة الوانها خضرة وورود وطيور ذاك القلب الطلق ينساب منه الحب كطاقة لم يسع لامتلاكها بل منحت له واغرفته ولم يستصعب خروجها فقد فاضت منه رغما عنه لتنساب ملهبة ومشبعة كل من استقبلها وفتح لها قلبه ، وفى لحظة اجدنى افتح عيناى مرة اخرى لتختفى الوان الخيال ويبقى سرير الواقع بمكانه خلف الزجاج

وفجأة توجهت أنظارى نحو حركة أمام الباب لأجد من يقترب ويفتحه أليس ممنوعاً هذا؟ أدهشنى أيضاً دخوله بسهوله بلا استئذان كمن يفتح باب بيته فليس من يمنعه من طاقم التمريض الذين قد ارتسمت على وجوههم ابتسامات الارتياح فور رؤيتهم له مستحسنين فعلته كأنهم هم من طلبوا زيارته واستدعوه وارادوه بعد ان فشلت مساعيهم فى العلاج واصبحوا بانتظار معجزة ، وازداد أندهاشى بظهور علامات التحسن فور اقترابه من طريح الفراش ومكوثه لثوان لتزداد نبضات القلب التى كادت ان تختفى لتترجمها الشاشات بلغة غالبها الفرح تلك المرة الكلمات سريعة والنبض يزداد اين أنت يا صديقى لماذا تأخرت يا رفيق العمر اشكر الهى انه ارسلك لى سريعاً لتنقذنى ففى وجعى وشبه موتى انتظرك لانك لم تفارقنى طيلة حياتى نعم بصبر كنت أنتظرك ، كلمات ازداد مع قرائتها فضولى لمعرفة ذاك الشخص ترى من هو؟ حدقت النظر بعد انتزاع دموع عينى بيدى لأجده الأمل بابتسامته المعهودة المريحة للنفس يجدد ذاته ويوطد علاقته بالقلب كلما دهسته معاناه نعم يهرول مسرعاً فور علمه بان القلب فى محنة ليشدده ويقيمه مرة أخرى ويرسم له احلاماً ــ سريعاً ما يصدقها القلب كأنها واقع يراه فقط بعيون ايمانه ــ مرثباً على اكتافه ومحتضنه بحرارة بكل حنو عجزت الاجهزة عن ترجمتها فلا كلام يستطيع صياغتها انها مشاعر صادقة افاض بها صديق عمر حقيقى وقت المحن .

الغريب فى الامر ان الامل لم يكن اخر الذين حضروا بل أولهم ليتبعه ويتوافد خلفه كثيرين رأيت من بينهم رجاء فرح سلام حب هدوء طول أناة اتضاع وأخرين على شاكلتهم لا استطيع حصرهم وجوههم كلها بشاشة مدوا جميعهم ايديهم وأقاموه ففى لحظات انقلبت اجواء حجرة الآلم من الاعياء للصحة ومن الحزن للفرح ومن الكأبة والوجع للشكر والتعزية وهموا بنزع الاجهزة التى اصبحت بلا جدوى فور اعلان شاشاتها فرحان مسنود اقوى لى جناحات ترفرف احب الحياة وسأظل وتحول صراخ الانين الموجع لضحكات رجت كل أرجاء واركان الحجرة كل هذا حدث ولم يتغير ما هو خارج الحجرة بل كان العلاج والتغيير من الداخل فور زيارة هؤلاء الرائعين .

وفى افاقة اكتشف ان الشباك الزجاجى لم يكن سوى مرآة وقفت امامها ولم اكتفى برؤية مايراه الناس فى انفسهم امام مرآتهم بل فى لحظات اخذنى الغوص فى اعماقى لارى متاعبها وأفهم كيف تتداوى لتعود بقوة أعظم لمواجهة ومقاومة موت دهس وتملك من الواقع بحياتها المستمرة المتجددة غير منتظره منه أن يتغير نعم أنها مجرد لحظات تأملت فيها قلبى فى المرآة


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter