بقلم مينا ثابت
 
فى مثل هذا اليوم من العام الماضى، استيقظت فى الصباح الباكر على نباء فض اعتصامي رابعة العدوية و النهضة، فانتابتنى لحظات من خوف شديد من المجهول الذى لم يستمر مجهولاً لفترة طويلة. فبالتزامن من عملية فض الاعتصامين اندلعت اعمال عنف طائفى فى ثمان محافظات من بينها الجيزة، الفيوم، المنيا، اسيوط، سوهاج و السويس.

للحظات بدأت اتذكر الخطابات التحريضية ضد المسيحيين التى كانت تبثها جماعات الاسلام السياسى من اعلى منصة رابعة، تذكرت منشورات التهديد التى كانت توزع فى محافظات الصعيد كالمنيا، وإذ بى اتدارك ان التهديدات بدأت تتحقق بالفعل. ظللت طوال اليوم اتابع استغاثات المسيحيين من مختلف المحافظات، لم انام طيلت الثلاث ليالى من 14 و حتى 17 اغسطس 2013، فكنت اتابع التطوات مع فريق العمال الذى تكون من مجموعة ابطال اخذوا على عاتقهم توثيق هذا المشهد القبيح حتى يخلد فى التاريخ كدليل على فاشية و عنف واجرام تيار الاسلام السياسى. بعد التوقف النسبى لاحداث الانتهاكات اسرعت فى زيارة بعض المحافظات التى تضررت فبدأت بالفيوم فى يوم 20 ثم المنيا فى 24 اغسطس، استوقفتنى العديد من الشهادات التى عايشت من خلالها وقائع الارهاب الممنهج الذى واجهه الاقباط، ولكن لم تستوقفنى شهادة بقدر الشهادات التى استمعت اليها عن ماحدث للمواطن المسيحى " اسكندر طوس " من محافظة المنيا، مركز ديرمواس، قرية دلجا. دعونا نعيش مع عائلة اسكندر تلك اللحظات العصيبة.
 
يجلس فى المنزل ليتناول طعام الغداء مع زوجتة و زوجة ابنه، كهل فى عقده السادس من العمر يعمل " حلاق " و لدية ثلاث ابناء، لم يبالى بالصيحات" الله اكبر الله اكبر" فى الشوارع ، " حى على الجهاد حى على الجهاد" ، او صيحات منابر المساجد " قتلوا اخوتنا فى السجود " - التى كانت كلمة السر لانطلاق التعديات فى اغلب المحافظات - بل جلس ليتناول الطعام وقال لزوجة ابنة " ملناش دعوة يا بنتى ". لحظات بسيطة، ينقطع التيار الكهربائى و يعلوا الصوت ويقترب، تشتم زوجة الابن رائحة حريق " بيحرقوا الدكان يابا ( دكان الحلاقة فى نفس المنزل) "، يحاول الرجل النزول ليرى ما الذى يجرى فتطاله رصاصة الغدر فى صدرة ليسقط على السلم و هو يلفظ انفاسة الاخيرة.

يقول فى صوت متقطع لزوجة ابنه " اجرى .. استخبى .. "، تهرع زوجة الابن لتبحث عن مكان لتختبئ، فى حين تختبئ زوجة اسكندر فى حمام الدور الارضى. حاولت زوجة الابن الاسراع للطابق الاعلى ولكنه تحول الى كتلة ملتهبة بعد القاء الملتوف علية، اقتحم الغوغاء المنزل و استولوا على كل شيئ، تخرج الزوجه المسنة لترى جثة زوجها و هو ينازع تحت اقدام الارهابيين، وقد انتابتها الصدمة الشديدة فعجزت عن النطق بينما يتجازبها المقتحمين بينهم وتخطوا فوق الزجاج المكسور بقدميها الحافيتين لتواجة مصير مجهول، فبين دعوات لقتلها من البعض و البعض الاخر يرفض ذلك، عاشت لحظات من الرعب حتى يمسك يدها احدهم ليوصلها الى منزل مجاور لتشاهد سحل جثمان زوجها بينما تعجز عن فعل شيئ. يتناوب الارهابيين على سحل جثمان " اسكندر " بينما تهرب زوجة الابن مبتعدة عن المشهد القبيح، يخلع احدهم وشاحاً لا ليغطى وجه الضحية، او يستر جسده المليئ بالدماء، بل ليربط قدمية فى جرار زراعى حتى يطوف بالجثمان شوارع القرية فى مشهد من البدائة والهمجية. بعد ان اشبعوا غريزتهم الحيوانية و و طافوا بالجثمان فى شوارع القرية القوا به فى مكب للنفايات ( مقلب زبالة )، فحاول بعض من تبقى لديهم هامش من الانسانية دفن الجثمان فوضعوه فى احدى المقابر حتى بدون تغسيل او صلاة. فما كان من مجموعة الارهابيين الا ان اخرجوا جثمانة و قاموا بالتمثيل به مرة اخرى ليتركوه بعد ان اشبعوا غريزتهم الحيوانية، يأتى مرة اخرى البعض ليدفنوه، فيعود هؤلا ايضاً ليخرجوا الجثمان و يمثلوا به مرة اخرى، و تكرر ذلك المشهد لاكثر من 5 مرات حتى تحلل جسد الشهيد ودب فيه " العفن" فلم يطيقوا اخراجة فتركوا القبر مفتوحاً ليكن " اسكندر طوس " هو شاهد على داعش الاخوان فى مصر.
 
لكل من يرى فى تيار الاسلام السياسى وعلى رأسة جماعة الاخوان المسلمين معارضة سياسية، عليك ان تراجع نفسك جيداً لان هذا التيار لا يفرق كثيراً عن داعش، و ان كنت تشمئز من مشاهد التمثيل بالجثث فى التلفاز و المذابح التى ارتكبتها داعش فى العراق و سوريا، فإعلم ان اتباع هذا التيار و انصارهم فعلوها فى الصعيد حينما أتتهم الفرصة، اما ان كنت لا ترتهب و لا ينتابك الاشمئزاز او الرفض لتلك الافعال، فلا حرج عليك و لتمضى فى الطريق الى داعش.