الأقباط متحدون - التاريخ واللغة والدراما
أخر تحديث ٠٧:٥٦ | السبت ٩ اغسطس ٢٠١٤ | مسرى ١٧٣٠ ش ٣ | العدد ٣٢٨٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

التاريخ واللغة والدراما

بقلم : د.ماجد عزت إسرائيل   

       التاريخ حسب ما ذكره الفيلسوف هيجل  Hegel "عمليَّة عقليَّة منظَّمة وخلاَّقة لظهور قيم جديدة، لكنَّ التَّاريخ هــو ليس الماضي والحاضر فقــــط، بل إنَّه المستقبل أيضًا، مستقبل الإنسانيَّة الحرَّة "، بينما يعرفه فرناند بروديل Fernand Braudel "هو علم للإنسان، لكن شريطـــة أن تكون علـــــوم الإنسان بِجــــواره، والتَّاريخ أداة لمعرفة الإنسان في الزَّمان عبر المكان" بينما يؤكد بروديل Braudel على أن الاهتِمام بالتاريخ في شموليَّته؛ أي: علاقة التَّاريخ مع ما يُحيط به من سياسة ومُجتمع، واقتصاد وأفكار،خلاصة القول التَّاريخ: هو ذلك الفرع من المعرفة الإنسانيَّة، الذي يستهدف جَمْع المعلومات عن الماضي وتَحقيقها، وتسجيلها وتفسيرها، فهو يسجِّل أحداثَ الماضي في تسلْسُلها وتعاقُبها تارةً، وتزامُنها تارة أُخرى، لكنَّه لا يقف عند حد تسجيل هذه الأحداث؛ بل يفسِّر التطوُّر الذي طرأ على حياة الأمم والمجتمعات والحضارات المختلِفة، ويبيِّن كيف حدث هذا التطوُّر، ولماذا حدث.
 
  أما اللغة  فهى مجموع الألفاظ والمفردات والقواعد التي تتعلّق بوظيفة التخاطب والتفاهم بين جماعة من الناس، وهي تعبِّر عن الفئة الناطقة بها، وهى التى تميِّز جماعة بشرية معيّنة عن جماعة آخرى،كما بواسطتها يتم يتبادل الأفكار والتقارب وفهم الحضارات بين الشعوب،وكتابتها إما بالعامية وهى التى يتحدثها عامة الناس دون استخدام قواعد النحو،أو كتابتها بالفصحى وهى غالباً ما تكون اللغة الرسمية للدولة. واللغة تشتمل على عدّة لهجات لكلّ منها ما يميّزها، وجميع هذه اللهجات تشترك في مجموعة من الصفات اللغوية والعادات الكلامية التي تؤلّف لغة مستقلة عن غيرها من اللغات،ونذكر هنا على سبيل  المثال فى مصر اللهجة البحيرى ويتحدثها سكان الوجة البحرى،واللهجة الصعيدى ويتحدثها سكان الوجة القبلى، كما فى ألمانيا يختلف نطق اللغة الألمانية ما بين منطقة بفاريا وبعض المناطق الآخرى.
 
    أما الدِّراما فهى حكايةٌ لجانبٍ من الحياة الإنسانية يعرضُها ممثِّلون يقلَّدون الأشخاص الأَصليين في لباسهم وأقوالهم وأفعالهم، وهى رواية تعد للتمثيل على المسرح أو فيلم سينمائى، و غالباً ما تهتم بالتفاعل الإنساني. وتنــــقسم  في المفهوم الإغــــريقي إلى ثـلاثة أجزاء وهى الكوميديا، والتراجيديا، أما الجـزء الثالث فهو نوع خاص من الدراما يقع بين الإثنين ويعرف بالتراجيكوميديا. و قد أصبحت الدراما في وقتنا هذا وسيلة فعالة من وسائل التربية و التعلــــيم تستخدم نشاطات مختلفة محورها النشاط التمثيلي من أجل هـــدف تعليمي محدد،كما أنهــــا تساعد على تعـــلم اللغات واللهجات والعادات والتقاليد المختلفة، وبها يحدث التقارب بين الحضارات.
 
    والآن لجاءت المدرسة الحديثة فى كتابة التاريخ بالاعتماد على الدراما التاريخية كمصدر من مصادر دراسة التاريخ،ونذكر هنا ما كتبه الأديب الراحل"نجيب محفوظ" فى روايته مثل الثلاثية أو ثلاثية القاهـرة وهى بين القصرين 1956م، قصر الشوق 1957م، السكرية 1957م، وهى تدور جميعها حول الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية التى كانت تمر بها مصر فى ذات الفترة، على حين أن رواية رد قلبى  للكاتب "يوسف السباعى"1957م فأحداثها مرتبطة بظروف قيام ثورة 23 يوليو 1952م،كما نجح الكاتب "فايز غالى" فى كتابة قصة فيلم "الطريق إلى إيلات" وتدور الأحداث إبان حرب الاستنزاف عام 1969 قبل حرب أكتوبر، بالتحديد في شهر يوليو، ويتناول الفيلم الغارات المصرية على ميناء إيلات الإسرائيلي، وهي العمليات التي نفذتها مجموعة من الضفادع البشرية التابعة لسلاح البحرية المصري، حين هاجموا ميناء إيلات الحربى وتمكنوا من تدمير سفينتين حربيتين هما بيت شيفع، وبات يم، والرصيف الحربي.
 
   وهناك العديد من الأعمال الدرامية التاريخية التى تتناول قصص مشاهير السياسية والفنون ونذكر هنا على سبيل المثال الرئيس الراحل "أنور السادات"(1970-1981م) حيث قدمت له السينما المصرية فيلم "أيام السادات قصة أمة" اعتمد كاتب السيناريو "أحمد بهجت" على قصة حياة السادات التى كتبها بنفسه "البحث عن الذات"، وقدم الكاتب "وحيد حامد" تاريخ جماعة الإخوان المسلمون بمصر ،من خلال أشهر فنانى الكوميديا "عادل أمام "فى فيلمه "الإرهاب والكباب". أما الكاتب الكبير "محفوظ عبد الرحمن" فقدم لنا قصة حياة كوكب الشرق "أم كلثوم" (1898-1975م) فى مسلسل درامياً تناول سيرتها الذاتية وقصة صعودها إلى النجاح والشهرة وما عانته من صعوبات وعوائق وضعت في طريقها، كما إنه يتناول جانباً من الحياة السياسية السائده في تلك الفترة وخاصة موقفها الوطنى من  جهادها لدعم المجهود الحربى المصرى، و حصلت أسرة المسلسل على الكثير من الجوائز من جميع أنحاء الوطن العربى على حبكته التاريخية الدرامية،ولدوره فى بعث الوجدان والوحدة العربية بين الشعوب من جديد.
 
     ولكن لا أحد ينكر ان هناك درامة تاريخية مزيفة للواقع التاريخى قدمت فى يوليو 2014م، ربما تعبر عن خيال كاتبها وهى مسلسل "سرايا عابدين" التى كتبت قصته الكـــــاتبة الكويتية  "هبـــــة مشاري حمـــــادة" وتدور أحداثه عن حياة الخديوي إسماعيل(1863-1879م) وحياته الاجتماعية بعد تسلمه العرش،ولكن الكاتبة وقعت فى العديد من الأخطاء التاريخية منها أن الساعة الكوراتز لم تخترع زمن الأحداث، ولكن بعدها بنصف قرن، كما أن "إسماعيل" لم يحصل على لقب خديوى إلا عام (1866م)،كما أن قصر عابدين لم ينته بنائه وتشييده إلا فى عام 1872م، بينما الكاتبة بدأت قصتها بعيد ميلاد "إسمــــاعيل" عام (1860م) ،وأظهرته كــــزير نساء،وهذا يخالف ما قدمه الخديوى إسماعيل لمصر من إنشاء للطرق وحفر الترع وتشيد الكبارى و إنشاء المدارس والقصور ومنها "قــــصر عابدين ذاته" وأحياء عـــديدة لا تزال تحمل سيرته واسمه. وأيضا مسلسل "صديق العمر" لمؤلفه "ممدوح الليثى" وتدور أحداثه حـول العلاقة بين الرئيس الراحـل "جمال عبد الناصر"  والمشير "عبد الحكيم عامر" ما بين (1960-1967م)،وتعرض هذا العمل للعديد من الانتقادات من أسرة "عبد الناصر" نفسه، كل ذلك لابد لكاتب التاريخ ومن يعمل به ملاحظته،وهذا كله يقع تحت ما يسمى بـ "اللغط التاريخى" أو "العبث بالتاريخ".
 
  خلاصة القول: إن الدراما التاريخية أصبحت الآن من أهم مصادر معرفة التاريخ لغير المتخصصين، ومن هنا خطورة تقديمها دون استناد إلى المصادر الثابتة، كما أنها المرآة التى تنقل حياة المجتمع فى شتى النواحى وتسهم فى التواصل بين الأجيال فى الحفاظ على بعض العادات والتقاليد التى ترتبط بذات المجتمع، مع حفاظها على خصوصياته، وأيضًا تلعب دور رئيسى فى تعلم اللغات واللهجات بمجتمع ما،وربما تكون عامل من عوامل تعلم اللغات.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter