بقلم : نبيل المقدس
عندما اسير في شوارع القاهرة فقط ... لا أجد إلا شباب ضائع لا يعرفون الأوضاع الخطيرة والتي قد تقترب في يوما ما إلي طوفان , لا نستطيع أن نقف أمامه , وكل ما نستطيع عمله هو الجري هنا وهناك هروبا من هؤلاء الذين يلقيهم علينا هذا الطوفان ممن يدعون الإسلام ويجاهدون ويكفرون كل من لا يلتزم بما هو مكتوب في كتبهم .. شباب بالملايين علي مستوي الجمهورية لم يدركوا حالة مصر وجميع باقي الدول العربية الإسلامية . شباب كل إهتماماته هو الجري وراء الفتيات ومعاكستهن ... شباب يسيرون متمنطقين البنطلونات الضيقة والذي تصل عراوي أحزمتها إلي اسفل الفخدين ... شباب لا يعتبرون انفسهم شبابا إلا وبين أصبعيه سيجارة تلو الأخري والتي وصل ثمن العلبة الواحدة منها علي الأقل 10جنيهات ... وياليت التوقف عن التدخين فقط بل يوجد هناك ما هو أخطر مثل تعاطي المخدرات بجميع انواعها ... أجد شبابا يتزاحمون امام فترينات محلات الموبايلات .. وهم علي معرفة وخبرة تامة لجميع الماركات العالمية والحديث منها .. وفي منتهي البجاحة يشترونها بكل فخر .. بدون حساب حال البلد الآن اقتصاديا ...
كل هذا ربما يقل في الأهمية قليلا ... لكن الورطة الكبري بل المصيبة العظمي أنهم لا يعلمون أن هناك وبهذه الطريقه الهشة التي يعيشون بها يومهم , عدوا يحيط بمصر من جميع جهاتها منتظرا ساعة الصفر لكي يدخلوا ارضنا ليهدموها ويكسروا هيبة وهوية المصري التي يحتفظ بها منذ عشرة ألاف سنة , بلد شامخة لها موقعها ومكانتها السياسية بين الأمم , مهما وصلت من الفقر لكنها تُعتبر أم الدنيا , فلا يعيبها فقرها لأن العالم كله يعرف تماما قوة وصلابة هذا الشعب الملتحم دائما بجيشه ... لكن بعد يوم 25 يناير 2011 والذي اعتبره اليوم المشئوم علي حال مصر , جذبها الكارهون لها من أعالي الجبال إلي اسفل مستويات الأرض.
لم أستشف من بعض الشباب اي نوع من الرجولة او الإحساس بالوطنية .. والفضيحة الكبري أن نسبة هؤلاء الشباب ربما تصل أكثر من 25 % من المجموع الكلي , 15 % شباب سلفي وغيره , اما الباقي الـ 10 % فهم شباب ملتزم جدا في اخلاقياته وثقافاته وتعليمه لكن 5 % سلبييون والباقي ايجابيون ... وهذه النسبة كتبتها إجتهاديا من ملاحظاتي للشباب الذين يمرون أمامي , واعرفهم واحد واحد .
الآن قوات داعش بدأت توسع نشاطها بإكتساح لبنان متمنية انها سوف تكون المحطة الأخيرة لها .. لكي تتفرغ لمصر بعد ذلك ... انا لست اقلل من قدرة مصر وشأنها .. فهم بالنسبة لها اطفال .. لكن أنسيتم ان هذه الحركة الإرهابية تمتلك المال وتساندها الدول الكبيرة صاحبة الفكرة الأصلية ( امريكا ) و الجماعات الإسلامية بجميع انواعها , لدغدغة ولزعزعزة الشرق الأوسط وعلي رأسها مصر .؟؟؟؟؟
تذكرت وانا صبي في المرحلة الثانوية في منتصف الخمسينات من القرن الماضي أن الحكومة أدخلت علينا ولأول مرة في تاريخ وزارة المعارف وقتها مادة جديدة إسمها " مادة التربية العسكرية " .. وعلي ما اتذكر تم إضافة هذه المادة قبل حرب 56 بسنة أو في اثنائها ... وتم تعيين ظابط برتبة ملازم ثان اي حديث التخرج مسئولا عن هذه المادة وكا يساعده في هذه المهمة مساعد شاويش تعليم كما كان يسمونه . في أول الأمر لم نتقبل هذه المادة .. لكن حصة بعد حصة وخصوصا بعد ما استلمنا الزي العسكري كاملا بدأنا نقتنع بها اقتناعا شديدا .. وسوف لا أستطيع أن اوصف مكوّنات المنهج من شدة عظمة أسلوب وضعه , وطرق التدريبات علي جميع الأسلحة ومنها البندقية التي كانت تُعرف بإسم " لي أن فيلد " .
عشقنا هذه المادة وكان علي كل 4 فصول ان تخرج مرة في الشهر لكي نستعرض امام جمهور الشعب " الأسيوطي " .. هذه المادة العسكرية جعلت فينا مملوئين دائما شجاعة وفتونة حقيقية وحماسة والأهم من كل هذه الصفات فقد علمتنا عدم التعصب واننا الكل واحد في الوطن الواحد . نعم ... كانت هذه الحصة بمثابة مصدر تربوي عالي لجميع الطلبة .. تعلمنا منها الإخلاقيات واساليب التعامل مع المدرسين وكيفية التعامل مع بعضنا البعض. وكنا نذهب يوما بعد امتحانات نصف السنة وآخر السنة إلي معسكر في منقباد لكي نتدرب علي الأسلحة الحية ... وكنا نعيش وقتها وكأننا فعلا موجودين في ساحة معركة .. وكل طالب مننا يتخيل نفسه أحد الممثلين الأجانب يعتز به في دور له من الأفلام التي خرجت علينا بكثرة في دور السينما بعد الحرب العالمية الثانية , والتي كانت تحكي عن بطولات ايجابية لجيش المحور .
كان تدريس حب الوطن والواجبات نحو الوطن وحقوقنا من قبل الوطن تُدرس علينا من مختصين ظباط كانوا ياتون الينا خصيصا مرة كل شهر للمدرسة كلها . تعلمنا العمل العسكري وتكتيكات العملية لحصار او الهروب من العدو ... جميعنا كنا أصحاء و وفي نفس الوقت تعلمنا اخلاقيات التي تنادي بها الأديان بطريقة غير مباشرة لكنها مؤثرة .
وفي سنة 56 قامت الحرب والهجوم علي بورسعيد وتم احتلالها .. فتجمعنا حوالي 200 طالب لابسين الزي العسكري بالكامل نطالب السفر إلي بور سعيد لكي ندافع عنها .. وأصرينا علي الذهاب .. فوجدنا ظابط المدرسة والمسئول عن التربية العسكرية .. جرينا إليه لكي نسأله الذهاب إلي ارض المعركة .. لكن في منتهي الأدب والأخلاقيات أمرنا ان نقف في طابور .. وبعد ان قام بالتمام علينا ... وجدناه يخرج ورقة من بين الدوسيه الذي كان يحمله شاويش التعليم ويقرأه لنا :
علي السرية صف اولي اول ... والسرية صف ثاني اول .. والسرية صف ثالث اولي .. الذهاب فورا خارج المدرسة سوف تكون ارض المعركة هي الخدمة والحراسة لجميع البيوت التي تحيط شرق المدرسة ... وهكذا وزع باقي الطلبة . اعتبرناها نحن شرف كبير وذهبنا طبعا من غير اسلحة ووزعنا انفسنا علي الشوارع , وتقابلنا مع الطلبة من المدارس الأخري ووزعنا العمل فيما بيننا لمدة ما بعد انتهاء الحرب في بورسعيد .. كل هذا ولم يخطر علي بالنا أن الحرب والمعارك بعيدة كل البعد عن اسيوط .
ولكي لا انسي .. فقد تم تطبيق المادة العسكرية علي مدارس البنات وكن يتعلمن فن مهنة التمريض , وكان لهن زي خاص ايضا , ويخرجن استعراضا اسبوعيا تطوف شوارع اسيوط بين زغاريد النساء وتصفيق الرجال.
فكرة اضافة مادة التربية العسكرية في المدارس الثانوي والإعدادي هي اكثر اهمية من حصص الدين , فالديانات مكان تعليمها في الجوامع والكنائس ... اما العسكرية فهي تطبيق عملي لمناهج الأديان ... كما هي السلاح الوحيد ضد التشتت والتفرق , ووأد الفتن والتعصبات بين القبائل والفصائل والتي تملأ الصعيد شراسة وشدة.
اهلا بكم يا داغش فلدينا شباب يأكلوا الزلط ولا يهربون ولا يبكون ولا يخافون بل سوف يكونون مشحونين وطنية "ولو غريب مس يادوب هدب ثوبك يامصر سوف يمحوه ابنائك من وجه الأرض ".
اشياء قديمة ياحكومة عليكي مراجعتها والأستفادة منها في سبيل حفظ كرامة مصر وكيان مصر .
نعم والف نعم حصص التربية العسكرية افيّد واعظم واكثر تأثيرا علي أخلاقيات الشباب دينيا ووطنيا .......!!!!!