الأقباط متحدون - الإسلام دين.. وليس دولة!
أخر تحديث ٠١:٣٩ | الجمعة ١ اغسطس ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢٥ | العدد ٣٢٧٧ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الإسلام دين.. وليس دولة!

صورة تعبرية
صورة تعبرية
بقلم   أحمد عبدالمعطى حجازى
 
هذه المسألة إذا لم تحسم الآن بصورة قاطعة ونهائية فسوف نعرض أنفسنا لأخطار ماحقة نواجهها الآن بالفعل ونتعرض لما هو أقسى منها وأشد.
 
ونحن نعلم علم اليقين أن الإسلام من حيث هو عقائد ونصوص ثابتة لا يعرف الدولة الدينية، ولا يفرض على من يعتنقونه نظاماً سياسياً خاصاً، وليس فيه ما يمنعنا من اختيار النظام الذى تتحقق به مصالحنا وتتأكد حقوقنا التى هى حقوق البشر أجمعين، هذا هو الإسلام من حيث هو عقائد ونصوص، لكن الإسلام من حيث هو تاريخ لم يعرف إلا الدولة الدينية ليس لأنها ركن من أركانه، بل لأنها كانت النظام السياسى السائد فى العصور الوسطى.
 
هكذا يجب أن نفهم المسألة، فالإسلام شىء والتاريخ الإسلامى شىء آخر، الإسلام دين، لكن التاريخ الإسلامى كان خلافة أو سلطنة قامت على الدين حين كان الدين فى العصور الماضية هو الرابطة الأساسية التى تجمع بين البشر، وقد تطورت المجتمعات الإنسانية فتعددت الديانات واختلفت المذاهب فى الوقت الذى نشأت فيه القوميات، وجمعت فيه المصالح المشتركة بين المواطنين على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم وحلت الدولة الوطنية بالتالى محل الدولة الدينية، وهنا صار الدين ديناً فحسب، أى علاقة بين الإنسان وربه، وأصبحت الدولة دولة فحسب أى إطاراً أو كياناً ينظم العلاقة بين المواطن والمواطن.
 
هذه الحقائق وهذه البديهيات فقدت عندنا مصداقيتها فى العقود الأخيرة التى منينا فيها بهزائم ساحقة متلاحقة شككتنا فى ثقافة العصور الحديثة وفى نظمها وقيمها وردتنا إلى العصور الوسطى نتعزى بأمجادها الوهمية ونلتمس فيها الراحة والنسيان، وانفسح المجال أمام جماعات الإسلام السياسى ومن يقفون وراءها فى الداخل والخارج وعاد الإسلام كما كان عند الأمويين والعباسيين والمماليك والأتراك ديناً ودولة، ووقفنا نحن المدافعين عن الدولة المدنية والنظام الديمقراطى مترددين متلعثمين نلف وندور، ونحاول التوفيق بين الأطراف المتناقضة، ونلجأ للتحايل والتلفيق، ونتأرجح بين الإثبات والنفى، ونقول وننقض ما نقول، غافلين عما يحيط بنا من أخطار ماحقة تعصف بحاضرنا وتهدد مستقبلنا وتفرض علينا أن نحسم هذه المسألة بصورة قاطعة ونهائية، فالإسلام دين، وليس دينا ودولة كما تدعى الجماعات الإرهابية وتجد من يمالئها حتى بين رجال الأزهر.
 
■ ■ ■
 
تحديد العلاقة بين الدين والدولة أساس لابد منه لتحديد الروابط التى تؤلف بين أفراد الجماعة التى تمثلها هذه الدولة، إذا كان الدين هو الرابطة التى تؤلف بين أفراد هذه الجماعة فهى جماعة دينية أو ملة ربما كانت مؤلفة من أجناس مختلفة، وربما كانت تتحدث عدة لغات كما كانت الحال فى الإمبراطوريات والخلافات- جمع خلافة- التى قامت على أساس المسيحية والإسلام فى العصور الماضية أما الجماعة التى يربط بينها التاريخ واللغة القومية والمصالح المشتركة التى تفرض عليها أن تتضامن وتتعاون وتنظم حياتها فى كيان عضوى واحد فهذه هى الأمة بالمعنى الذى نفهمه من كلمة الأمة فى هذا العصر الحديث.
 
ولقد كنا نحن المصريين إلى أوائل القرن العشرين عثمانيين ننتسب للحاكم الذى كان يملك رقابنا، وكانت مصر ولاية فى سلطنة آل عثمان الذين استولوا على بلادنا وحكمونا باسم الإسلام حتى إذا حصلنا على استقلالنا الداخلى، والفضل لمحمد على وأسرته، تحررنا شيئاً فشيئاً من الحكم العثمانى ثم من الاحتلال البريطانى وأصبحنا مصريين، أى أمة واحدة، أى جماعة وطنية.
 
إذا خلطنا بين الدين والدولة كما نفعل فى هذه الأيام انقسمنا على أنفسنا وتحولنا إلى جماعتين منفصلتين: أغلبية من المسلمين الذين ينتمون لدين الدولة ويتمتعون نظرياً فقط بحقوق المواطن، وأقلية من الذميين الذين يعاملون كأنهم جالية أجنبية وأحياناً كأنهم جماعة من الأعداء!
 
■ ■ ■
 
وتحديد العلاقة بين الدين والدولة أساس لابد منه لتحديد طبيعة النظام السياسى الذى نخضع له. النظام فى الدولة الدينية استبداد مطلق والمواطنون رقيق أرض أو رعايا. والحاكم نصف إله أو فى أحسن الأحوال راع يهش على غنمه بعصاه المقدسة وليس أمام القطيع إلا أن يسمع للراعى ويطيع.
 
لكننا لم نحسم هذه المسألة حتى الآن، ولم نضع الحدود الفاصلة بين نشاطنا الدينى وهو فى جوهره ومعظمه نشاط فردى وشخصى ونشاطنا الوطنى، بين ما يجب علينا لله وما يجب علينا لأنفسنا. ولأننا نخلط بين الدين والدولة فنحن نخلط بين أى شىء وأى شىء، بين ما يجب على الحاكم وما يجب على المحكوم، بين الديمقراطية والطغيان بين الأسطورة والتاريخ، بين العلم والسحر، بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة.
 
■ ■ ■
 
نحن فى الدستور نقول إن الأمة هى مصدر السلطات. لكننا نجعل الشريعة الإسلامية «المصدر الرئيسى للتشريع» بهذه الصياغة التى تفيد الحصر والتحديد. معنى هذا أن القانون انتقل من ساحة البرلمان أى من سلطة الأمة إلى سلطة الجماعات الإرهابية ومن يؤيدونها من رجال الدين. لم يعد القانون اجتهاداً بشرياً يلبى ما تفرضه علينا مصالحنا الوطنية، وإنما أصبح يلبى ما يفرضه علينا الحكام الطغاة وحلفاؤهم من الإرهابيين المتأهبين لاختطاف السلطة وترزية القوانين وقراء الكتب الصفراء وتجار الفتاوى المستعملة!
 
ونحن نعرف أن هذا النص الخاص بالشريعة الإسلامية فرضته بهذه الصياغة جماعة الإخوان على الدستور المصرى فى أواخر أيام السادات مقابل تأييدها للنص على حقه فى تولى السلطة مرات غير محدودة، وهى صفقة رخيصة تكشف لنا طبيعة العلاقة بين الحاكم الطاغية والمتاجرين بالدين.
 
السادات لم يتنازل عن شىء حين قبل تعديل النص الدستورى الذى كانت فيه الشريعة مصدراً واحداً من مصادر متعددة للتشريع، لأن التشريع ليس حقاً للحاكم، وإنما هو حق الأمة، فإن تنازل عنه الحاكم فقد ربح المقابل وخسرت الأمة حقها الذى لا تستطيع أن تمارسه إلا إذا كانت مصلحتها هى المرجع الذى يملى عليها أن تختار التشريع الذى يحقق لها المصلحة فى وقت معين، وأن تعدله وتغيره كما تشاء، وهذا لا يمكن أن يتحقق إلا إذا تعددت المصادر التى يسمح لنا تعددها بحركة واسعة حرة ننظم بها نشاطنا العام والخاص فى المجالات والميادين التى فتحتها لنا العصور الحديثة.
 
ونحن نعرف أننا أبطأنا قروناً فى الوصول إلى هذه العصور، ثم دخلناها بواسطة غيرنا لأننا لم نكن نستطيع أن نعيش كما يعيش البشر بعيداً عنها، ولم نكن نستطيع من ناحية أخرى أن نصل إليها بوسائلنا الخاصة. فإذا كنا قد أصبحنا جزءاً لا ينفصل عن هذا العالم الذى أصبح قرية كونية، فنحن لا نستطيع أن نتصل به فى السياسة والاقتصاد والاجتماع والعلم والفن ثم ننعزل عنه فى التشريع والقانون.
 
لكن هذه الاعتبارات لا تهم الطغاة ولا تعنى لهم شيئاً، ولهذا تنازل السادات عن حق المصريين فى التشريع لأنفسهم ليظل رئيساً مدى الحياة.
 
وكما ربح السادات أو ظن أنه ربح وخسرت الأمة بالنص على أن تكون الشريعة المصدر الرئيسى للقوانين ربحت الجماعات الإرهابية بهذا النص الذى يمكنها من اختطاف السلطة، كما ربحت من تعديل النص الخاص بمدد الرئاسة لأنه يمكنها من الانفراد بالسلطة حين تصل إليها والبقاء فيها إلى الأبد!
 
وقد وصل الإخوان بالفعل إلى السلطة، فإذا كنا قد أسقطناهم فالباب لا يزال مفتوحاً أمامهم للعودة، خاصة بعد أن نجح السلفيون ومندوبو الأزهر فى نفى مدنية الدولة من الدستور المعدل. ومصر إذن لا تزال مهددة بأن تتحول إلى دولة دينية وهناك أكثر من دليل على ذلك، ليس فقط فى نصوص الدستور وخطب السلفيين وتصريحاتهم، بل أيضاً فى فهم مؤسسات الدولة لما يجب عليها نحو الدين ونحو الدنيا!
 
نقلا عن المصرى اليوم
 
 
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع