الأقباط متحدون - في قبضة الأرق!
أخر تحديث ٠٧:٥٨ | الاربعاء ٣٠ يوليو ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢٣ | العدد ٣٢٧٥ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

في قبضة الأرق!

بقلم: عـادل عطيـة
 
ما أن أستوي على فراشي؛ حتى يتملكني الأرق ـ وكأنه ما صدق ـ، ويمنعني من أن يأخذني النوم اللذيذ إلى عالمه الفريد!
الأرق، بالنسبة لي، هو الرد على التحدي الصعب لفكرة موضوع من الموضوعات، التي تريد الأنفلات من رأسي!
ولذلك، فأنا دائماً مستعد لهذا اللقاء مع الأرق على مائدة السرير المستديرة؛ فتجدني أضع على الطاولة الملاصقة لوسادتي: ورّاقة وقلم رصاص (رغم كل أنواع الأقلام المستحدثة، وكأن على كل إنسان أن يقاتل بطريقته الخاصة: بقلم رصاص، أو طلقة رصاص)!
فكل بضع دقائق، تدفع فكرة ما برأسي؛ فأرفعها، واتحسس في الظلام الورّاقة والقلم، وأدوّن بعض الكلمات التي قد تكون نواة للبنية التحتية لكتاباتي، أو بعض الأقوال المأثورة التي تدعم فكرتي!
 
ولأن هذه الكلمات اكتبها على عجل، قبل أن تطير على جناح الألزهايمر، واكتبها على ضوء الظلام ( يبدو أن الظلام من قدر الكلمة التي نكتبها؛ فهي تخرج من ظلام جمجمتنا إلى ظلام حجرتنا، وتظهر في حروف سوداء)؛ فحين أقرأها في النهار، أجد في تداخل حروفها، وأنقلاب بعضها رأساً على عقب، ما يجعلني أبتسم، أو أضع يدي على قلبي.. فعلى سبيل المثال، كانت بعض الكلمات تبدو هكذا:
.. أنا أكتب اذن أنا "موءود" أقصد: "موجود"!
 
.. كل الطرق تؤدي إلى "روءا" أقصد: "روما"!
و "روءا" هذه، ويا للمصادفة (أرجو ألا تحسبوا ذلك من قبيل مخارج عقلي الباطن)، هو اسم الدلع لجارة لنا. ولو وقعت هذه الكلمات في قبضة فضول زوجتي؛ لقدمتني إلى محكمتها المتشددة، التي شعارها: "الغيرة أساس الحكم"!
قال الكاتب الأمريكي ديل كارنيجي: "دع القلق وابدأ الحياة".. فقلت لنفسي، متحدياً الأرق: "دع الأرق وابدأ الكتابة"، كنوع من الفذلكة، ومحاولة الامساك ـ كطفل ـ بتلابيب هذا الكاتب العبقري!
 
فالكتابة، كما تقول مقولة فرعونية، هي: "حاسة مقدسة يهبها الإله للكاتب؛ فيرى ويسمع ما لايراه أو يسمعه غيره"! 
وهنا حضرني تمثال "الكاتب المصري"، الجالس القرفصاء.. ربما لأنني كنت جالساً القرفصاء على سريري، وربما لأنني جئت بسيرة اجدادي الفراعين، الذين كادوا أن يعلنوا لنا عن نظريتهم المدهشة: "أن الأفكار أصلها قرد"، قبل أن يبوح عالم التاريخ الطبيعي البريطاني تشارلز داروين، بنظريته المثيرة للجدل، والتي تقول: "أن الإنسان أصله قرد"!
 
فالاديب، وكاتب المعرفة، والحكمة ـ عند الفراعنة ـ، رمزوا له بالكاتب الجالس، وقد استوى على كتفيه قرد، وهو ـ أي القرد ـ يرمز للإله تحوت أو توت إله الحكمة والكتابة والوحي، معتقدين أن القرد هو الذي يبتدع الكلمات، ويلقن الإنسان: وحي الفكر، والمعرفة، والحكمة!
لا أعرف كيف تمكنت أخيراً من النوم، بعد أن كنت أتنطط ،كالقرد، من على فراشي؛ لأكتب كلمة أو كلمتين. ولكني، على كل حال، غير نادم على أفكار مبعثرة، بدأت من الأرق وانتهت بالقرفصة، تماماً كتمثال الكاتب المصري القديم!...

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter