الأقباط متحدون - ماذا لو لم تنجح حركة ضباط الجيش 1952 ؟
أخر تحديث ٠٤:٠٠ | الثلاثاء ٢٩ يوليو ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢٢ | العدد ٣٢٧٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ماذا لو لم تنجح حركة ضباط الجيش 1952 ؟

بقلم - فاروق عطية
في صباح 26 يوليو 1952 بمجرد نجاح حركة الضباط, وجهت القوات المسلحة
بقيادة اللواء محمد نجيب بيانا شديد اللهجة للملك فاروق ملك مصر والسودان وهذا نصه:
“نظرًا لما لاقته البلاد فى العهد الأخير من فوضى شاملة عمت جميع المرافق نتيجة سوء تصرفكم وعبثكم بالدستور وامتهانكم لإرادة الشعب حتى أصبح كل فرد من أفراده لا يطمئن على حياته أو ماله أو كرامته.

ولقد ساءت سمعة مصر بين شعوب العالم من تماديكم فى هذا المسلك حتى أصبح الخونة والمرتشون يجدون فى ظلكم الحماية والأمن والثراء الفاحش والإسراف الماجن على حساب الشعب الجائع الفقير

ولقد ظهرت فى حرب فلسطين وما تبعها من فضائح الأسلحة الفاسدة وما ترتب عليها من محاكمات تعرضت لتدخلكم السافر مما أفسد الحقائق وزعزع الثقة فى العدالة وساعد الخونة على ترسم هذا الخطأ فأثرى من أثرى وفجر من فجر وكيف لا والناس على دين ملوكهم. لذلك قد فوضنا الجيش الممثل لقوة الشعب أن أطلب من جلالتكم التنازل عن العرش لسمو ولى عهدكم الأمير أحمد فؤاد على أن يتم ذلك فى موعد غايته الساعة الثانية عشرة من ظهر اليوم السبت الموافق 26 يوليو 1952 والرابع من ذى القعدة سنة 1371 ومغادرة البلاد قبل الساعة السادسة من مساء اليوم نفسه، والجيش يحمل جلالتكم كل ما يترتب على عدم النزول على رغبة الشعب من نتائج”.

 ولو لم يكن جلالته وفيا لشعبه محبا له كان بأمكانه باتصال تليغوني بقيدة الجيش الإنجليزي المرابط بالقنال أن يقضي علي التمرد العسكري, ولكنه وقتها اجتمع مع قيادات القصر وأعلن موافقته على الوثيقة العسكرية حقنا لدماء المصريين، وطلب من على ماهر باشا كتابة وثيقة ملكية توضح أنه نزولا على إرادة الشعب يوافق على التنازل عن عرش مصر.

وكان له مطلب وحيد بأن يحافظ على كرامته فى وثيقة التنازل عن العرش، فطمأنه على ماهر باشا، وأعلن فاروق ملك مصر نزوله عن عرش المملكة المصرية، وتنازله له لولى عهده الأمير أحمد فؤاد في الوثيقة التالية:
 “لما كنا نتطلب الخير دائما لامتنا، ونبتغى سعادتها ورقيها، ولما كنا نرغب رغبة أكيدة فى تجنيب البلاد المصاعب التى تواجهها فى هذه الظروف الدقيقة، ونزولا على إرادة الشعب قررنا النزول عن العرش لولدنا الأمير أحمد فؤاد وأصدرنا أمرنا بذلك إلى حضرة صاحب المقام الرفيع على ماهر باشا رئيس مجلس الوزراء للعمل بمقتضاه”

وفى 26 يوليو سنة 1952، غادر الملك فاروق مصر مستقلا اليخت الملكى المحروسة متجها إلى منفاه،
   ماذا لو استعان الملك بالانجليز وأخمد التمرد وفشلت حركة الضباط ؟ سؤال لم يتطرق إليه أحد. بالطبع لا يمكن إيقاف حركة التاريخ أو إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، ولكن من الناحية الفلسفية النظرية البحتة يمكننا إستقراء الأحداث من الماضى قبيل قيام حركة الجيش لتخيل سيناريو ما كان قد يحدث لو لم تقم أو فشلت هذه الحركة.

1- تأزمت الأوضاع بعد إلغاء حزب الوفد لاتفاقية 1936 ، حيث توهجت الحركة الوطنية التى لم تكن ضد الانجليز وحدهم، إنما أيضا ضد الملك ومؤيديه، واشتعلت منطقة القنال، ووقعت مذبحة الإسماعيلية قى 25 يباير 1952 ، وفى اليوم التالى احرق الأخوان المسلمين القاهرة، وازداد الموقف سوءا بإقالة الوفد فى 27 يناير، وتعاقبت على مصر أربعة وزارات فى فترة وجيزة، آخرها وزارة نجيب الهلالى باشا صبيحة قيام الحركة.

2- كانت هناك إرهاصات لتصحيح الأوضاع  والسير قدما فى طريق ايجاد مخرج لما وصل إليه الحال قبل التمرد، فقد انشغلت القوى السياسية الجادة فى مصر إهتماما بدعوة النبيل عباس حلمى لجماهير الشعب المصرى للاتفاق على الجلاء والوحدة العربية، داعيا جميع الأحزاب للاتحاد فى كتلة واحدة، وكانت هذه الصيغة كفيلة بحل الأزمة الداخلية حلا طبيعيا، وهى صيغة تعبئة قومية كالتى حدثت عامى 1919 ، 1935 . وقد تمخضت اتصالاته واستشاراته على وضع خطوط رئيسية لمشروع ميتاق وطنى أهم بنوده إلغاء الأحكام العرفية، واجتماع البرلمان فى الموعد الدستورى، واعتراف بريطانيا بمطالب مصر فى الجلاء والوحدة المصرية السودانية.

3- يمكننا بالخيال البحت استنباط ما كان قد يحدث، ذلك بمتابعة ما جرى من تطورات لدول وشعوب أخرى كانت لها ظروف مشابهة لظروفنا فى تلك الأيام. على سبيل المثال حالة الهند التى كانت لها حركة وطنية تناضل من أجل الاستقلال عن بريطانيا العظمى بقيادة حزب المؤتمر، برمزه الروحى المهاتما غاندى، وعقله المدبر جواهر لال نهرو. كانت الهند تقتدى وتتبع خطوات مصر فى حركتها الوطنية بداية من 1919 بقيادة زعيم الأمة سعد زغلول باشا الذى كانت تربطه بنهرو وغاندى مراسلات وصداقة. وقد وفقت مصر بفضل الترابط بين المسلمين والأقباط أن تحصل على نوع من الاستقلال فى تصريح 28 فبراير 1922 ، وتمت صياغة الدستور 1923

وأجريت انتخابات ديموقراطية نزيهة وكان التطلع لنضج هذه التجربة أمل كل مصرى. وتكونت أحزاب مصرية حقيقية نابعة من الواقع والظروف المصرية الوطنية. فلو استمرت مصر فى طريقها الوطنى دون قيام أو نجاح حركة الضباط 1952، لكانت مصر الآن فى حالة مشابهة لحد كبير لحالة الهند الآن وما كنا وصلنا لما نحن فيه الآن من تردي.

4- أدرك الانجليز حاجة مصر للإستقلال بعد أن نضجت ثقافيا واقتصاديا، وبعد أن اشتدت حدة المقاومة ضد الاحتلال وامتناع كل الموردين المصريين عن توريد المواد الغذائية للقاعدة البريطانية بالقنال، وكانت العقبة الكأداء لتحقيق الاستقلال هى إصرار الحركة الوطنية الواعية على أن يكون الاستقلال مشمولا بالوحدة المصرية السودانية المصيرية، الأمر الذى عرقل توقيع اتفاق صدقى- بيفن عام 1046

ويمكننا بفليل من الخيال أن نتصور لو استمرت الحركة الوطنية فى مطالبها ورضوخ المستعمر دون قيام حركة الضباط، لكان الاتفاق شاملا الجلاء ووحدة وادى النيل، دون الحاجة لوحدة رومانسية تمت بين مصر وسوريا دون دراسة ، بدأت 1958 وانتهت بانفصال مأساوى 1961 عطل مسار القومية العربية المنشودة، وأدى إلى تعقيدات ومسارات غير منطقية تم من خلالها اصطياد مصر والعرب فى هزيمة 5 يونيو 1967 وما زلنا نعانى من آثارها حتى اليوم.

إن الوحدة بين شطرى وادى النيل كانت ستؤمن زيادة الموارد الطبيعية واستثمارها لصاح الشعب الواحد مع تيسير هجرة الأيدى العاملة، أيضا كانت ستمكن من تحاشى الصراع الحادث بين شمال السودان وجنوبه والتي أدت لانغصالهما، وكانت رياح الديموقراطية السمحة ستهب من جنوب الوادى إلى شماله. وسوف يؤدى لتشكيل نواة  وبزوغ كيان أو عمود فقرى جغرافى حول مجرى نهر النيل مكونا كيانا عربيا أفريقيا يتسع مع الزمن مكونا صرحا قويا لدولة أفروعربية تشمل مصر بشطريها مع ليبيا والصومال وغيرها. ولو شطح بنا الخيال أكثر لتصورنا هذه الوحدة الأفروعربية نواة لوحدة كل الدول العربية من المحيط ألى الخليج.

   وبحلول العام الثاني والستين لحركة الضباط التي تحولت إلي ثورة، لا يسعني إلا تهنئة الشعب المصرى بهذه المناسبة متمنيا الاستغادة بانجازاتها وتعميقها، وتمنياتني بدراسة سلبياتها ومحاولة تلافيها, والسير قدما فى طريق ثورتنا الجديدة"ثورة التصحيح" وإكمال خارطة الطريق بانتخابات برلمانية شفافة والسير الحسيس في طريق الديموقراطية الحقيقية التى تتيح تبادل السلطة بين الأحزاب الوطنية المدنية والتخلص من الأحزاب التي قامت علي أساس ديني مخالفة للدستور والقانون, حتي تعود مصر كما كانت قيل حركة الضباط دولة علمانية قوية ذات حكومة مدنية ويكون الجيش فى سكناته حاميا لها ولا دخل له بالسياسة.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter