قصة: عـادل عطيـة
كثير منا قرأ عن "صائم الدهر"، فقد كان من كبار علماء الشافعية في تهامة اليمن. وقد قيل في سبب تلقيبه صائم الدهر؛ أنه كان يمسك عن ثدي أمه جميع النهار، ويقبل عليه في الليل!
ويبدو أن التاريخ يعيد نفسه في شخص جار لي في السكن. أطلقنا عليه ـ نحن المجايلون له ـ لقب: "صائم السنين"!
اسمه في الولادة: "صيام"؛ ربما لأنه ولد في شهر الصيام، أو تعبيراً عن أمنية من والديه، أو لنبوءة عنهما لما سيحدث له في المستقبل!
صيام هذا لم يكن يصوم البتة، وكأن اسمه ينوب عنه في الصيام!
وكان دائماً يسوق لنا الاعذار عن عدم صيامه، أخطرها على الاطلاق، وأكثرها هشاشة: أنه لا يستطيع الاستغناء عن التدخين؛ فالسيجارة في نظره هي طعامه، وشرابه، وإلهامه!
ومن خلفيه وظيفته كأستاذ للفلسفة، كان يطلق علينا أطروحاته من كل حدب وصوب؛ لنسمع منه مثل هذه الأقوال:
"ماذا فعل المتصوف صائم الدهر، سوى الامتناع عن الطعام والشراب لفتره، ولكنه لم يصم عن الأذيّة.. ألم يتهمه المقريزي بأنه حاول تهشيم تمثال أبو الهول، إلا أنه لم يتمكن إلا من جدع أنفه؟!...".
" قبل أن نصوم عن كل ما يدخل جوفنا، لنصم عن أعمالنا الدنيئة، لتصم عيوننا عن رؤية كل ما هو باطل، ليصم لساننا عن الكلام البذئ، وعن تشويه سمعة الآخرين...".
وجاء يوم يحمل له، وهو في مقتبل عمره، ما لم يكن يتوقعه!
لقد سقط فجأة على الأرض، وحذّره الطبيب، قائلاً:
"في اللحظة التي يدخل فيها دخان أول سيجارة من الآن؛ فان هذا الدخان، سيكون قادراً، وبقسوة، على طرد قلبك من الحياة بلا رجعة!".
وتكاثر هذا اليوم، بأيام كثيرة، حملت له كل ما هو قاس، ومؤلم:
فقد تمكن ضغط الدم المرتفع من شرايينه!
وابتدأ داء السكري، يحطم، بلا هوادة، اسنانه الواحدة تلو الأخرى!
وأصبح الذي لم يكن، يوماً، من الصائمين، حاملاً لقب: "صائم السنين".. ليس بأمر الشرع، هذه المرة، ولكن بأمر الطبيب!...