الأقباط متحدون - حين تمنع السلطة التنفيذية عملا فنيا «١»
أخر تحديث ١١:٤٩ | الاثنين ٢٨ يوليو ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢١ | العدد ٣٢٧٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

حين تمنع السلطة التنفيذية عملا فنيا «١»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم   كريمة كمال
حينما تقدم السلطة التنفيذية، ممثلة فى الحكومة، على منع عمل فنى بدعاوى أخلاقية فإن الأمر لا يجب أن يمر مرور الكرام لأن الحكومة فى هذه الحالة تتصرف بمنطق الوصى على المجتمع وليس من يدير أموره وهو ليس دورها لا بموجب الدستور ولا بموجب القوانين الوضعية.. والأهم من هذا هو اللحظة السياسية التى يمر بها المجتمع لأنها تشكل عاملا لا يمكن إغفاله فى محاولة الحكومة انتزاع هذا الدور فى مواجهة المجتمع.

نحن هنا لسنا بصدد الشكل التقليدى للمنع حين يتدخل الحاكم فى حرية الفن والإبداع.. لكننا أمام حالة أكثر خطورة وهى تصور الحاكم أن هذا هو دوره وأن هذا التصور يأتى من كونه يحكم فى ظل وضع سياسى معقد يتمثل فى كون البلاد تواجه إرهابا وعنفا ترتكبه تيارات إسلامية فيصبح على الحاكم الذى يواجه عنفا بعنف أن يثبت أنه ليس أقل منها إسلاما وليس أقل منها حفاظا على الأخلاق...خطورة هذا تكمن فى أننا كمجتمع مررنا بذلك من قبل ولم يسفر عن شىء سوى عن تغلغل الخطاب المتشدد أكثر وأكثر فى المجتمع حيث تصورت الدولة أن هذا هو دورها وحدها دون بقية تيارات ومؤسسات المجتمع وبالذات الأحزاب والمؤسسات والجمعيات الأهلية فواجهت العنف بالعنف ومنعت الآخرين من التصدى فهل نعيد الكرة مرة أخرى؟

إن كثيرا من المؤشرات تشير إلى أن السلطة تتصرف بنفس الأسلوب الذى مارسته فى التسعينيات فى مواجهة الإرهاب وهو أنها تواجه العنف بالعنف وحدها ولكنها تريد أن تثبت أنها ليست اقل إسلاما ولا محافظة على الأخلاق وها هى تثبت ذلك بالمنع والمصادرة.

الأمر لم يتوقف عند منع فيلم «حلاوة روح» أو إعادته للرقابة مرة أخرى للنظر فى قرارها السابق بإجازته ولكن الأمر امتد بعد ذلك ليشمل تصرفات أخرى، فقد بدأت المحاضر التى حررت ضد المفطرين فى نهار رمضان تثير الجدل وبعيدا عما تم وضعه على بعض المواقع من أحداث تعود لسنوات مضت فإن الواقعة الحديثة هى التى حدثت فى الدخيلة بالإسكندرية حيث قامت مباحث الدخيلة بتحطيم أربعة مقاهى لفتحها بنهار رمضان رغم أن أصحاب المقاهى كانوا قد وضعوا ستائر فى خارجها..

وعندما سأل المسؤولين فى الداخلية قالوا إنها تشكل جنحة بينما قال أزهرى تعليقا على هذه الإجراءات أنها تخلق مجتمعا منافقا يعبد الله خوفا من الحكومة كما تم القبض على عدد من المفطرين بأحد مقاهى الإسكندرية وقد دفعت مثل هذه التصرفات من الداخلية إلى جانب تصرفات أخرى سابقة مثل التعرض فى كمائن بطريق العين السخنة لمن عثروا معهم على زجاجات خمر وقيامهم بتكسيرها لطرح تساؤلات حول هل تأخذ الداخلية دور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؟ قال رئيس مباحث قسم شرطة الدخيلة إن الجهر بالإفطار جنحة يعاقب عليها القانون وهم يقومون بتطبيق القانون والسؤال الذى يفرض نفسه هو لماذا لا يحدث هذا سوى الآن فى ظل مواجهة الإرهاب تماما كما حدث من قبل؟

كانت هناك حالة من الخوف لدى كل المؤمنين بمدنية الدولة ازدادت بالذات مع صعود الإخوان فى الانتخابات البرلمانية ٢٠٠٥.. كان هذا الخوف أو التخوف غريبا فى ذلك الوقت وكأننا كنا ننعم بدولة مدنية تساوى بين المواطنين ولا تمارس التمييز وتحافظ على مسافة ما بين أجهزة الدولة والمؤسسة الدينية بل والفكر الدينى ثم حدث ما حدث وكأننا نواجه انقلابا عاصفا مع أن الواقع أن الانقلاب كان قد بدأ يحدث منذ سنوات لكنه كان انقلابا هادئا جرى مجرى المياه فى المجتمع وكانت قمته أن الدولة نفسها قد تحولت فى العقدين الأخيرين قبل ذلك إلى محاولة تأكيد ارتباطها بالدين من ناحية واستخدامها للمؤسسة الدينية من ناحية أخرى وأحد أسباب ذلك كان أن الدولة فى ذلك الوقت كان عليها

كما هى الآن- أن تواجه جماعات العنف للإسلام السياسى وهى فى سبيلها إلى ذلك تمسكت بصورة الدولة التى تستخدم الدين لتأكيد هويتها الإسلامية والتى تضرب التيارات المتطرفة دون أن يوجه إليها الاتهام بأنها معادية للدين من هنا بدأ الخلط بين الدولة من ناحية والدين من ناحية أخرى ولم تعد الدولة المصرية دولة مدنية ذات تاريخ حضارى تستند إلى القوانين والتشريعات المنبثقة من الدستور والغريب أن الدولة قررت أن تقف وحدها فى حربها ضد الإرهاب فواجهت عنف الإرهاب بعنف الدولة ولم تدرك أن هناك دورا للمثقفين والقوى التقدمية والمستنيرة للدفاع عن الدولة المدنية بل الواقع أن الدولة نفسها هى التى حجبت فى ذلك الوقت مشاركة هؤلاء فى الدفاع عن الدولة المدنية بل إنها بديل عن هذا فتحت الباب لاتباع الفكر الدينى المذهبى الوافد فى أخطر أجهزتها الإعلامية وهو التليفزيون وفى صحفها القومية

وفى مقابل ذلك قامت بتحجيم دور أحزاب المعارضة والنقابات المهنية والجمعيات الأهلية فى لعب دورها فى الدفاع عن الحريات حتى لا تعطى فرصة لظهور قوى جديدة فى مواجهتها وتصورت أنها يمكن أن تخوض حربها بالعنف والمزايدة الدينية وباستخدام المؤسسة الدينية وتصورت الدولة أنها بقضائها على العنف والعمليات الإرهابية قد قضت على تسلل التيار المتشدد داخل المجتمع المصرى لكن الدولة المصرية التى عانت من العنف منذ اغتيال السادات ووزراء الداخلية والإعلام ورئيس الوزراء ثم المفكرين والكتاب وعلى رأسهم اغتيال فرج فودة ومحاولة اغتيال نجيب محفوظ ومحاولات ضرب السياحة وعلى رأسها مذبحة الدير البحرى.. على قدر العنف والدماء فى هذه الضربات كان التسلل بهدوء إلى الشارع المصرى هو المؤثر بحق فى الوصول إلى الناس فلم تترك الدولة خطابا سوى الخطاب الدينى يمكن استخدامه وكان الآخرون أمهر استخداما له.

هدأت العمليات الإرهابية وهدأت معها مخاوف الدولة من العنف المرتدى لعباءة الإسلام وأعلنت الدولة فوزها فى حربها ضد الإرهاب بل إنها كانت تتباهى بتجربتها الفريدة فى هذا المجال فى القضاء على الإرهاب لكن ما غفلت عنه أنه كانت هناك عملية انقلاب سلمى تحدث داخل المجتمع لصبغ كل شىء بالصبغة الدينية فقد أغرقت الأسواق بالمطبوعات والشرائط الدينية وتم اختراق المؤسسات الإعلامية الرسمية

كما تم اختراق المؤسسة التعليمية بل حدث اختراق لكل مؤسسات الدولة وليس الإعلام والتعليم فقط ومن هذا تحولت المؤسسة الدينية ممثلة فى الأزهر الى سلطة تملك حق مصادرة الكتب فقد حدث أن صادرت إدارة البحوث والتأليف بالأزهر ثمانية كتب عام ١٩٩٢ من قلب معرض القاهرة الدولى للكتاب بل إن قسمى الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ودورهما استشارى قد تدخلا فى ذلك الوقت فى المعارك الفكرية والثقافية باعتبار الإبداع الفكرى والفنى شأنا إسلاميا يجب أن يخضع لرقابة المؤسسة الدينية وهكذا انهال سيل من الدعاوى التى رفعت ضد الفنانين والكتاب وتمت ملاحقة الإبداع قضائيا من الأفلام للأغنيات الى المقالات والروايات وكتب التراث والبحث العلمى..

كل هذه الدعاوى كانت تطالب بتطبيق المعايير الدينية على الأعمال الابداعية وعلى رأس هذه الدعاوى، جاء الحكم بحبس مؤلف وطابع وموزع ثمانى سنوات لكل منهم بسبب رواية «مسافة فى عقل رجل» للمؤلف علاء حامد.. سمحت الدولة بكل ذلك من أجل أن تثبت «إيمانها» بل وحاولت أن تثبت أنها أكثر تشددا فيما يخص الأخلاق وربما يتذكر العديد منا قضية «عبدة الشيطان» التى ألفتها الداخلية من أجل أن تقول إن الدولة تضرب الانحلال، كما تضرب التطرف.. ما يبدو لى واضحا الآن أن السلطة تنحو نفس المنحى مع اختلاف وحيد هذه المرة وهو أن السلطة التنفيذية نفسها ممثلة فى رئاسة الوزراء هى التى تريد أن تلعب هذا الدور ومعها وزارة الداخلية التى يبدو أنها تسقط فى نفس حالة الابتزاز وتتعرض لنفس المزايدة

وتتصرف بنفس رد الفعل فبالرغم من خوضها حربا صعبة ضد الإرهاب من اغتيالات لرجالها وتفجيرات هنا وهناك ومظاهرات واشتباكات إلا أنها فى نفس الوقت تطارد المفطرين ومن قبلها تحاسب من يحمل خمورا دون سند من قانون ولكن تورطا فى نفس حالة الابتزاز التى تدفع رئيس الوزراء إلى تخطى صلاحياته وتدفع ضباط الشرطة إلى فرض الإيمان فى خلط شديد فى مفهوم دور الدولة، فالعناية بخلاص النفوس ليست من مهام الحاكم أو الدولة والأسوأ من ذلك أن هذا يتم فى سياق حالة مجتمعية مشجعة على هذا حيث يرى الكثيرون أنه يجب فرض الأخلاق بالقوة ومنع كل ما يعدونه خارجا متناسين أن هذه المعركة قد حسمت منذ زمن بفعل التطور التكنولوجى الذى قضى تماما على فكرة المنع والمصادرة ولم يبق سوى تشكيل العقول بديلا.

نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع