الأقباط متحدون - الكاتبة رفيقة العمر «٤»
أخر تحديث ٠٢:٥٤ | الاثنين ٢٨ يوليو ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢١ | العدد ٣٢٧٣ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

الكاتبة رفيقة العمر «٤»

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

بقلم   د. نوال السعداوى
الحكومة الأمريكية، بعد المذابح، لا تطالب إسرائيل بنزع سلاحها، لأن إسرائيل فى نظرها تدافع عن حقها فى القتل، وإنما تطالب القتلى بأن ينزعوا سلاحهم.

منطق القوة الغاشم المزدوج يحكم العالم منذ نشوء النظام العبودى الطبقى الأبوى،

القراء والقارئات يريدون منى مواصلة قصة الكاتبة وفتى أحلامها غير المسبوق فى التاريخ، لكن بعضهم يرون أن لا وقت للحب أيام الحرب، والجيش الأمريكى الإسرائيلى المتوحش، تمتد أذنابه فى الخارج والداخل، بأسماء متعددة ودقون ولحى مختلفة الأشكال، وبيانات الأمم المتحدة فقاعات هواء، وكانت الكاتبة جالسة على شاطئ البحر وهى ترشف قهوة الصبح، وأنا أزعق بالغضب:

الأبرياء يقتلون والمجرمون يكافأون وأنت ترشفين القهوة؟

تسألنى بعينيها الناريتين: هل يتوقف الظلم لأنك لا تشربين قهوتك؟

كنت أحملق فى صحف ٢٦ يوليو ٢٠١٤، وتصورت أن التوقف عن شرب قهوتى نوع من المقاومة على الأقل، مطت شفتها السفلى كعادتها حين تشعر بالاشمئناط: تخدعين نفسك بفنجان قهوة ليستريح ضميرك؟

كانت فى كوخها بقرية الرحمانية، عند الحدود الصحراوية الغربية العريقة فى التاريخ المصرى القديم، تتمتع فيها المرأة بالاحترام والكرامة، لا يوجد تحرش ذكور ولا عمليات ختان ولا تحجيب ولا رجم بالحجارة، يمتد الساحل شمال أفريقيا غربا الى « البوليساريو » تقوم المرأة الصحراوية بالأدوار الرئيسية وتتخذ القرارات المهمة، يقوم الرجال بالمراسيم الشكلية، الأمهات صاحبات القرار فى الزواج والطلاق والعمل والحكم، تمشى المرأة ممشوقة مرفوعة الرأس، تثبت عينيها فى عينى من يحدثها، تنظم العروض الفنية للأداء الشعبى والرقص والتمثيل والإبداع،

أجمل الحفلات الفنية تقام فى مناسبات الطلاق، التى تفوق غيرها فى الموسيقى والغناء والرقص، يدعى إلى الحفل كل سكان القرية، ترتدى المرأة الصحراوية أجمل ملابسها وتتلقى التهانى من الجميع، تغنى النساء مع الرجال ويرددون الأهازيج ويعلنون «المرأة أصبحت حرة» يتنافس الرجال الأذكياء على الزواج من المرأة التى سبق لها الزواج أكثر من مرة

يرونها ذات خبرة ووعى بالحياة، يرونها جميلة فالجمال هو الوعى والمعرفة، لم يكن بقرية الرحمانية إلا عدد قليل من الأكواخ المصنوعة من الخشب، أصبحت تسمى شاليهات بلغة السياح والسائحات، لكن الكاتبة تفضل كلمة «كوخ»، وتقول الكوخ يوحى بالعش والحميمية والحب، أما «الشاليه» فهى كلمة لا معنى لها، إلا منزل على البحر، يؤجره الرجال فى الصيف لعشيقاتهم بعيدا عن عيون الزوجات، وقلت: ألا يكون فتى أحلامك واحدا من الرجال؟

قالت: لم يكن رجلا

اندهشت: كان امرأة؟

قالت: لا امرأة ولا رجل

قلت: عصى على التصنيف مثل سعادتك؟

قالت: نعم يا حمارة

بدأت تشرح لى الفرق بين الرجل والإنسان، وبين المرأة والإنسانة، هذه النظرية عن الهوية الإنسانية شرحتها لى من قبل مرارا وتكرارا، لكن عقلى كان جامدا يعجز عن نسيان ما رسخ فى الوجدان الطفولى عن صفات الرجولة والأنوثة، كانت السعادة تغمرها وهى تشرح لى نظرياتها الفلسفية فى الحياة والموت والحب والكره، تتصور نفسها الأستاذة العظيمة وأنا التلميذة الصغيرة التى لا تفهم، رغم أن التكرار يعلم الحمار كما تقول، طلبت منها أن تسمح لى بإلقاء نظرة واحدة على فتى أحلامها غير المسبوق فى التاريخ البشرى، ربما أتعرف على نوع جديد من الرجال، قالت: سيأتى غدا لزيارتى ويمكنك رؤيته إذا شاء.

لم أنم ليلتها أتخيل هذا الذى ليس له مثيل فى عالم الرجال، راح خيالى يرسم له صورا كثيرة، بعضها نجوم السينما العالمية وبعضها القمم من الفلاسفة والعلماء أو العباقرة الذين اكتشفوا علم الكون أو الكمبيوتر أو الأقمار الصناعية، أو على الأقل ذبذبات الصوت واللاسلكى، لم أتصور أنه لم يدخل المدارس العليا ولم يحصل على الدكتوراه بامتياز من جامعة هارفارد أو أكسفورد أو السوربون على الأقل.

نقلآ عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع