الأقباط متحدون - السيسي ليس عبد الناصر
أخر تحديث ٠٤:٥٠ | الأحد ٢٧ يوليو ٢٠١٤ | أبيب ١٧٣٠ ش ٢٠ | العدد ٣٢٧٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

السيسي ليس عبد الناصر

بقلم - المهندس عزمي إبراهيم

السيسي ليس عبد الناصر...!!!
ولا أقصد بذلك أن السيسي أقل كفاءة ومقدرة وشجاعة ووطنية من عبد الناصر.

هناك تشابه كبير بين هذين العملاقين الذين ظهرا على المسرح السياسي في الستين عاما الماضية من تاريخ مصر الحديثة : جمال عبد الناصر وعبد الفتاح السيسي. فكلاهما من خلفية عسكرية، من قلب المؤسسة الوطنية المصرية التى تحمي حمى هذا الوطن العظيم وتأبي التبعية لأي قوى خارجية. وكلاهما له ماضٍ مشرِّف وشخصية غير مَشُوبة أخلاقياً، وكلاهما يمتلك الكاريزما والشخصية القوية الواثقة واكتساب الشعبية في وطنه والقبول في العالم العربي ومعظم دول العالم. وكلاهما له معاداة ومعاناة من كل من أمريكا والأخوان المسلمين وأذنابهما.

كثيرون من المصريين يرسمون اليوم وتوقعاتهم للمستقبل المأمول في صورة بالآمال المتفائلة المُرساة على معالم التشابه بينهما. ولكن هناك اختلافات جذرية في ألوان الصورة وظلالها. أدرج هنا أهم اختلافين:

أول الاختلافات هو اختلاف في كيفية ظهور كل منهما على المسرح السياسي بمصر. فقد جاء عبد الناصر لحكم مصر في انقلاب عسكري من 12 من ضباط الجيش. ليس فقط دون مشاركة الشعب وقياداته السياسية والشعبية، بل ودون أن يكون للشعب ولا للعالم سابق معرفة به. جاء بانقلاب عسكري مفاجئ مُدَبَّر ومدعم بآليات الجيش، هادف لامتلاك رئاسة الحكم بمصر. واعتلى البكباشي عبد الناصر كرسي الرئاسة دون أن يتخلى عن الحلة العسكرية.

أما السيسي فقد جاء لحكم مصر باختيار الشعب الذي عانى ثلاث سنوات عجافٍ من فساد وخراب وارهاب وقبلها ثلاثين عاماً من تهاون وتراخي. جاء السيسي بعد ضغط الجماهير عليه كي يستجيب لذلك الاختيار. فاستجاب بعد طول تأني وتفكير وتقدير وبعد أن خلع حلته العسكرية متنازلاً عن منصبه كمشير في الجيش قبل أن يرشح نفسه للرئاسة ويفوز فيها بنسبة 93 في المئة، في انتخابات نزيهة شفافة مفتوحة للآخرين في جو مدني حر لم تشهد مصر مثله منذ عقود.

أما ثاني الاختلافات فهو اختلاف في المناخ السياسي والساحة المجتمعية بمصر قبل ظهور كل منهما. برغم اعترافنا وتقديرنا لإنجازات عبد الناصر الجزيلة وخاصة في مجال التصنيع والأمن الداخلي، وبغض النظر عن أخطائه الطموحية ونتائجها السلبية والفاشلة، فالحقيقة أنه عندما اعتلى كرسي الرئاسة بمصر، وَرَثَ وطناً منتعشاً مستقلاً مستقراً، تحت دستورً وفي ظل ديموقراطية تكاد تكون مثالية. حيث كانت مصر ناضجة رائعة سياسةً وقضاءًا وجيشاً وأمناً وفكراً وعلماً وأدباً وفناً وتعليماً وعملا وإنتاجاً وخلقاً ودينا. كانت مصر دولة مدنية وضع أساسها محمد علي باشا وعائلته من بعده، وأصقلها سعد زغلول وصَحبه، ثم مصطفي النحاس وجيله.

امتطى عبد الناصر حكم مصر حين كانت في أزهى عصورها الاقتصادية والحضارية، حيث كان الجنيه يعادل ثمانية جنيهات إسترليني. وكان طمي النيل هو غذاء أرض مصر منتجة الخيرات من قمح وذرة وسكر ولحوم وأسماك وغيرها ما يكفيها ويفيض عنها. وكان القطن المصري"الذهب الأبيض" أفضل الأقطان بالعالم ومصدر دخل لها.

وللأسف.. ذلك الطمي والثروة السمكية والقطن وباقي منتجات مصر الزراعية، وكلها عصب الاقتصاد المصري، تم القضاء عليهم بإنشاء السد العالي، الذي كان من الأفضل بناؤه عند منخفض القطارة، كما أثبتت كافة الدراسات الهندسية والجغرافية والاقتصادية حينئذ، والبحوث العالمية بعد ذلك. مما أدَّى إلى أن اقتصاد مصر يضمحل ورصيدها من الذهب  لأول مرة في تاريخها يتلاشى، وتصير مصر مَدينة لمن كانت تقرضهم.

لم يكن عبد الناصر في بدء عصره بحاجة لأن يدفع الشعب للعمل والانتاج والإبداع. فنجاح برامجه التنموية في السنوات الأولى من حُكمه، يرجع لما كان في شعب مصر حينئذ من طاقة حَيَّة، ذاتية الدفع (Momentum) فكانت جهود الشعب وتفانيه في العمل والانتاج والإبداع استمراراً تلقائياً لمسيرة منتجة جادة نحو التفوق من قبل وصول عبد الناصر للحكم. كانت مصر والمصريين بين يدي عبد الناصر حينئذ قوة رائعة. ولو كان أحسن استعمالها بالتركيز على صالح مصر وشعبها لتبوأت مصر مكاناً مرموقاً بين الدول المتقدمة في العالم. وكان عبد الناصر قديراً على ذلك لولا تركيزه على طموحاته الإقليمية الفاشلة.

فقد بدأت تلك الطاقة الذاتية الدافعة في نفوس المصريين تنخفض وتتقلص حتى تعرقلت عند "عَربَنـة" مصر، أي عندما اتجهت أطماع عبد الناصر وطموحاته نحو العروبة الجوفاء والمُخذلة. وبدفع جيش مصر في حروب ليس لمصر فيها ناقة ولا جمل في الجزائر واليمن وغيرها. علاوة على التأميمات التي كانت السبب في إضعاف الاقتصاد المصري، الذي خارت قواه على يد أنور السادات وحسني مبارك، ولفظ أنفاسه الأخيرة على يد محمد مرسي.

خلاصة ذلك أن عبد الناصر استلم مصر وهي دولة متقدمة مستقرة يحترمها ويحبها العالم أجمع، شرقه وغربه على السواء. حيث كانت في أزهى عصورها الاقتصادية والحضارية. أما السيسي فقد وَرَثَ دولة مُفكَّكة مُدمَّرة مُتهاوية سياسيا واقتصاديا وعلمياً وحضارياً ونفسيا واجتماعياً وأخلاقياً، بل ودينيـاً. دولة تتنازعها وتنهش أوصالها قوى شريرة متربصة بها من الداخل ومن الخارج. قوي اغتصابية استعمارية لا يهمها صالح مصر من قريب أو بعيد، ولا تضمر لها ولا لشعبها أو جيشها خيراً.

يقال أن عبد الناصر قاد ثورة يوليو 1952ضد الفساد. وما كانت تلك بثورة شعب بل كانت انقلاباً عسكرياً بحتاً، وما كان بمصر "فساد" بل كانت عيوب وكان في الإمكان تداركها دونما انقلاب. بينما السيسي، على النقيض من عبد الناصر، استدعاه شعب مصر الثائر الغاضب ليقود ثورة يونيو 2013، وهي ثورة شعب ضد فساد وخيانات وتآمر وصفقات مشبوهة.

فالرحلة التي يواجهها القبطان السيسي للوصول بالسفينة المصرية إلى ما يصبو إليه هو وأبناؤها الأحرار الأوفياء من أمان واستقرار وازدهار، هي رحلة وعرة، بل هي معركة  قاسية مُجْهِدة. فالفارق كبير وشاسع بين ما بحرت فيه سفينة عبد الناصر وما نتوقع أن تبحر فيه سفينة السيسي. وهذا هو هدف المقال.

التحديات التي يقابلها السيسي اليوم داخلياً وخارجياً لم يقابل عُشرها عبد الناصر. فالشعب اليوم خائر القوي. أضنته عوامل الفقر والجوع والمرض والرعب والفوضى والبطالة والأسعار الباهظة حتى لأهم الضروريات الحياتية. علاوة على احتياجه إلى رفع معنوياته وتنمية اعتزازه بهويته المصرية الفرعونية، وخروجه من التبعية العربية.

من التحديات الداخلية التي تواجه السيسي مجموعة من الملفات الهامة، وفي قمتها ضرورة تدعيم الجيش للشرطة لضبط الأمن داخلياً والقضاء على الفوضى والعنف والإرهاب وضمان الاستقرار في الشارع المصري. وتنشيط السياحة باعتبارها ضرورة لنمو الاقتصاد. وضرورة حسم أزمة المياه مع أثيوبيا التي تهدد الحياة بمصر. وأيضاً ملف التعليم والتثقيف وتنقية بل تجديد برامج التعليم في جميع مراحله من ابتدائي حتى الجامعي والديني الأزهري وإزالة الشوائب التطرفية المنبعثة من كتب صفراء سلفية متطرفة متخلفة عفا عليها الزمن ولا تتماشى مع روح العصر، وتمزق نسيج الوطن ووحدته.

كذلك ملف تنشيط البحث العلمي والطاقة والبترول والتصنيع والانتاج الزراعي وتمكين الشباب وتمويل المشروعات والقضاء على البيروقراطية، والنظر في ملف الحريات وحقوق الإنسان الدولي. والرقي بالملف القضائي لتطبيق العدالة الانسانية أي عدالة القانون. لا عدالة القبيلة ولا عدالة الدين التي تُمَيِّز طائفة من المواطنين دون الأديان والطوائف الآخرى حتى من نفس الدين.

وعلى جبهات مصر الحدودية، ها هي سيناء، الخط الدفاعي الأول لمصر من الجبهة الشرقية، أصبحت ومثلها الجبهتان الغربية والجنوبية منفذاً وملاذا للتنظيمات الإرهابية كالقاعدة وحماس الإخوان وجماعات غيرهم. والهدف لديهم واحد مهما اختلفت مسمياتهم مما مكنهم من اقامة بنية تحتية إرهابية يجب القضاء عليها بحزم وبلا تأني. ومن الناحية الإقليمية، يجب الوقوف بحزم ضد الأعمال الارهابية والتدميرية والـلا إنسانية الجارية في ليبيا وسوريا والعراق وضد من يدعمونهم ويمولونهم من السعودية ودول الخليج وتركيا وإيران وأمريكا.

من أصدق ما قيل عن الوضع الحالي بمصر: "إن الوضع الحالي في مصر قادر على التأثير بالسلب على أي شخصية تتولى الحكم في ظل المشاكل العديدة التي تواجهها مصر اليوم. أن مصر تحتاج لجهود كبيرة من أجل إخراجها من هذا المأزق الذي هي فيه في الوقت الحالي والتي من الممكن أن تؤثر على شعبية أي قائد في العالم"

إن مصر في أمس الحاجة لقائد مخلص قدير كعبد الفتاح السيسي. ولكنه في حاجة ماسة إلى شعب يعمل معه في مواجهة التحديات العظمي والعديدة التي ذكرنا بعضاً منها. وذلك من أجل أن تحصل مصر على نهضة حضارية مدنية كتلك التي عاشتها في النصف الأول من القرن الماضي. فلابد لشعب مصر أن يحمل نصيبه من المسئولية والجهاد البنائي والحضاري مع قائده نحو حياة أفضل.

مرة أخرى، السيسي ليس عبد الناصر...!!!
ولا أقصد بذلك أن السيسي أقل كفاءة ومقدرة وشجاعة ووطنية من عبد الناصر.
بل أقصد أن البساط الأخضر، أي مصر المدنية العاملة المنتجة المبدعة المتحضرة الراقية، الذي وجده عبد الناصر مفروشاً تحت قدميه عندما اقتنص الحكم بانقلاب عسكري، هذا البساط الأخضر ليس متاحاً للسيسي عندما استدعاهِ شعب مصر ليحكمها!!  فمصر بحاجة ماسة إلى كل مصري يعشق هذا الوطن أن يساعد قائدها ويدعمه ويعمل معه على طول الطريق الوعر!!
وذاك هو ملخص مقالي وجوهره.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter