الجمعة ٢٥ يوليو ٢٠١٤ -
١٤:
٠٩ م +02:00 EET
نجيب محفوظ
بقلم : مدحت بشاي
فى زمن ما بعد نكسة 5 يونيو 1967، كان للكاتب الروائى نجيب محفوظ مجموعة قصصية «تحت المظلة» اعتمد فيها على الرمز والإطار الغامض نسبيا (حيث النكسة المظلة وجميعنا تحتها نخشى البلل، رغم ثقتنا بأنه بلل غير قاتل)! والآن،
يبدو أننا نعيش من جديد حالة ذلك «الكيان المحفوظى» المرعوب من الخروج من تحت مظلة الحماية من البلل الخطير وفق خيالات وتهويمات ورؤى عبثية يتبناها كتبة النقد الانطباعى والوصفى والانتقائى،
يخيفون الناس بفزاعات كاذبة تؤكد أن الحال قد وصل بمجتمعاتنا فى الريف والحضر إلى درجة مرعبة من الانحلال الأخلاقى والانفلات القيمى بسبب فنون الزمن الأغبر ومخرجاتها البشعة التى فاضت من وجهة نظرهم المريضة بغثاء الكلمة واللحن والدراما،
وإذ فجأة بتنا وكأننا ما قمنا بثورة ضد جماعة غاشمة غشيمة جاهلة مستبدة اعتلت كرسى السلطة، فأسست لتلك المفاهيم عن الفن النظيف الحلال المتغطى المتكلفت المصون برعاية وإشراف أهل الدين والفضيلة، فبالإضافة لاعتمادهم «الكذب أسلوب حياة»، كان لابد ــ فى زمانهم الأسود ــ للفنون وجميع الأنشطة الإبداعية والثقافية ومناهج التعليم أن تتبع جميعها النهج الفكرى الإخوانى الظلامى ليرتدوا بها وبنا إلى قرون التراجع الحضارى!
واعتدنا كل فترة أن تسرى فى البلد هوجة.. موسم للهجوم على ثورة يوليو وناصر، وموسم للفتاوى والتصريحات الطائفية، وموسم «نافعة- أبوالمجد إخوان » للمصالحات، والآن موسم الهجوم على صناع الدراما التليفزيونية.. هوه موسم «الفضيلة التى تنتحب»..
نعم، هناك بعض الألفاظ والمشاهد غير الائقة، ولكن مش لدرجة إن حُراس القيم والأخلاق يُعلنوها ثورة على مسلسلات الفجور اللفظى والدعارة الدرامية والانفلات ال..اللى قالوه كتير واكتر من أى موسم درامى.
لكن الكتير، هوه اللى قاله وكتبه فاروق جويدة الكاتب الكبير والشاعر الرومانسى الرقيق اللى دوخ بناتك يا مصر فى أبيات قصايده.. قال «كان عبئا ثقيلا على قلبى وأعصابى وقدرتى على الاحتمال أن أجلس أمام الشاشة لكى أشاهد هذا المستنقع الذى طفح علينا طوال الشهر المبارك.. أن أخطر ما فى هذه الكارثة أنها جمعت نجوم السينما والدراما فى مهزلة واحدة..
كنا نتصور أن النجوم العائدين من بركان ثورة هزت العالم سوف يقدمون شيئا جديدا رائعا ومختلفا ولكن للأسف كانت هذه المشاهد هى بعض ما رأينا فى مستنقع الدراما».
وأنا أيضاً يا شاعرنا الكبير بدورى أتعجب أنه بعد انفجار بركان تلك الثورة، تخصص أعرق جريدة ما يقارب صفحة كاملة لشاعر كبير ليقول لنا فى موعظة على جبل الفضيلة إن هناك مؤامرة على الفن المصرى، محملاً الدراما أحداث التحرش وكل البلاوى السوده حدانا، والطريف أو الغريب اتفاقه فى الرأى بالضبط مع شاب اسمه «عمرو مصطفى»!
فعلاً، دراما رمضان السنة دى كانت مؤامرة على الفكر النمطى.. مؤامرة لبيان تحالف الجهل والدجل والشعوذة والتدين الشكلى بتركيبات وبرؤى جديدة ومهنية ورسالة مهمة فى وطن يعيش حالة حرب مع كل تلك الظواهر، وكان مطلوب المزيد من التعبئة الوطنية وكشف تجار الزيف والأديان.. هناك أعمال رائعة قدمت مالم تقدمه دراما مصرية قبل كده.. هناك أعمال أتقن من أبدعوها فى إنتاجها، هوه الاتقان مش فضيلة ننشدها فى زمن الهمبكة؟!
دعونا ننشد النهج العلمى فى النقد يا سادة، وبدلاً من المحاولات الخايبة لإسكات المطر، اخرجوا من تحت المظلة، فالبلل لا يميت والشجاعة ضرورة يا ثوار.. والأمل موجود بعد توسط «محلب» لعودة «البرهامى» للخطابة!.
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع