بعد محاكاة خيوط العنكبوت لإنتاج خيوط مرنة أقوى من الحديد، تعد خيوط مماثلة باجتياح سوق عمليات تكبير الثدي بدلًا من السيليكون، ويعد منتجو خيوط العنكبوت النساء الراغبات بتكبير أثدائهن بكرات من خيوط العنكبوت خفيفة ومرنة وناعمة، يمكن مدها 4 مرات أكثر من طولها من دون أن تنقطع. هذه الخيوط رخيصة الثمن، ويتقبلها جسم الإنسان أكثر مما يتقبل السيليكون.
ضد الالتهاب والحريق
الحديث يجري عن خيوط عنكبوت شبه طبيعية أقوى من الحديد بأربع مرات، تعجز البكتيريا والفطريات عن النمو فيها. ولهذا، كان الاقدمون يضعونها على الجروح لمنع التهابها. وهي مقاومة للنار، ويمكن لمن تزرعها تحت صدرها أن تقتحم النيران من دون خوف الفضيحة، بل يمكن لهذه المرأة أن تخوض المعارك بجرأة نادرة إذا ما نجحت الشركات في إنتاج صدريات مضادة للرصاص من هذه الخيوط.
وكانت شركة آمسيلك الألمانية، وبالتعاون مع جامعة لودفيغ ماكسيمليان، أعلنت عن توصلها إلى إنتاج مثل هذه الخيوط في العام الماضي. وكان العلماء يفكرون في استخدامها لبناء المركبات الفضائية والطائرات، لقوتها وخفة وزنها، قبل أن ينتبه إليها أطباء التجميل المختصين بتكبير أثداء النساء.
وباعت شركات إنتاج حشيات السيليكون الطبي، لأغراض تكبير أثداء النساء، أكثر من 27 مليون كيلوغرام من السيليكون في ألمانيا بين العامين 2005 و2009، واضطرت شركة فرنسية قبل عام أو أكثر إلى تعويض 5000 امرأة تضررن من مضاعفات زرع هذه الكرات في صدورهن.
خيوط العناكب
يجري حاليًا إنتاج وتجميع خيوط العنكبوت في جامعة هانوفر، حيث يسهر العلماء على تربية نحو 160 عنكبوتًا من نوع خاص. وذكر ماتياس فوكر، رئيس قسم الانتاج في شركة آلمسيلك، أن تربية العناكب مشكلة كبيرة، لأنها تفترس بعضها.
لكن العلم أثبت إمكانية ذلك. وأشار إلى أنه يجري في هانوفر أخذ الخيوط من هذه العناكب يوميًا، بحسب تعبيره. وهي عناكب يبلغ طول الواحدة منها نحو 5 سم، وتنسج الشبكات مدورة بشكل اطارات الدراجات الهوائية بلون ذهبي.
يجري جمع الخيوط على رغوة موضوعة على نسيج شفاف بفضل خدعة علمية، كما شرحت كيرستن رايمرز، رئيسة قسم البلاستيك التجريبي والجراحة التقويمية. فالعنكبوت تشعر على النسيج بوجود شيء ينتزعها من مكانها، فتنتج الخيوط بواسطة فعل لا ارادي كي تثبت نفسها بواسطته.
ويمكن في كل مرة جمع نحو 200 متر من خيوط العنكبوت، بل ويمكن رفع الإنتاج إلى 500 متر، لكن العلماء لا يودون الضغط على العناكب وإثارة قلقها. ولهذا يجري منحها الماء والغذاء بعد 10 دقاق من هذه العملية المتعبة.
ترميم الأعصاب
عدا عمليات التجميل، يفكر العلماء في استخدام خيوط العنكبوت الطبيعية، الموصلة اعتياديًا للتيار الكهربائي، في ترميم أعصاب البشر المتضررة، إذ من الممكن نسج هذه الخيوط الدقيقة بين نهايتي العصب المقطوع كي تنهض بوظيفة العصب مجددًا.
ويمكن للحوادث وأخطاء العمليات الجراحية أو عمليات إزالة الأورام السرطانية أن تتسبب بقطع بعض الأعصاب المهمة في جسم الإنسان. ومعروف أن الأعصاب لا تنمو مجددًا، وهنا يأتي دور خيوط هذه الحشرة المخيفة لأكثر البشر.
وتمت تجربة الطريقة في المختبر على الفئران والأكباش بنجاح، بحسب تصريح رايمرز.
وكانت النتائج جيدة، ونجح الأطباء في نسج خيوط العنكبوت مسافة 6 سم بين نهايتي عصب مقطوع في كبش، ومن دون الحاجة إلى استخدام خلايا وأنسجة مستمدة من جسد الكبش نفسه. وهناك استعدادات جارية حاليًا للبدء بتجارب نسج الأعصاب المقطوعة في البشر.
إنتاجها مخبريًا
تجري البحوث في ألمانيا وبلجيكا وهولندا والسويد والولايات المتحدة واليابان من أجل محاكاة العناكب في إنتاج خيوط قوية ومطورة مختبريًا. وتتجه هذه التجارب لإنتاج خيوط العنكبوت الصناعية عن طريق هندسة خيوط الحرير جينيًا، ويذهب البعض إلى زرع البروتين المستمد من خيوط العنكبوت في ضروع النعاج، لكن شركة آلمسيلك صارت تنتج هذه البروتين في مستنبتات بكتيرية.
أكد ماتياس فوكر أن شركته تمكنت في العام 2010 من عزل البروتين المنتج لخيوط العنكبوت جزئيئًا من الغدة المنتجة للخبوط في العنكبوت، ثم طوروا طريقة لتقويتها وجعلها أصلب من الحديد في العام 2011. وتعول الشركة على هذه الطريقة لإنتاج خيوط العنكبوت بالأطنان، لكن هذه الطريقة ما زالت في مرحلة التطوير.
ونجح المصنع حتى الآن في إنتاج 100 كغم من “الحديد البيولوجي” يوميًا، مع وجود مخططات لرفع الإنتاج إلى طن واحد يوميًا في المستقبل القريب. وهكذا تجمعت في الأشهر الماضية كميات من الخيوط تكفي لاستهلال مرحلة الإنتاج الكبير.
حديد بيولوجي
أطلقت الشركة على خيوط العنكبوت الجديدة اسم “الحديد البيولوجي” تعبيرًا عن قوتها التي تقارن بصلابة الحديد. وبعد سنوات من العمل تم اختبار متانة الخيوط فاتضح انها تفوق متانة أسلاك الحديد الحديد بـ 25 مرة.
والأهم انها خفيفة جدا في الوزن، وعلى هذا الأساس يمكن انتاج خيط من الحديد البيولوجي يكفي طوله للدوران حول الكرة الأرضية، لكن وزنه لا يزيد عن كيلوغرام واحد.
وهناك محاولات للشركة لاستخدام بروتين خيوط العنكبوت، فضلًا عن استخدامها في حشيات الأثداء، في إنتاج مستحضرات التجميل التي تشد بشرة الوجه وتمنع نمو البكتيريا عليها. كما يمكن لطبقة رقيقة من هذا البروتين أن تمنع تصلب العضلات بعد العمليات الجراحية.
ويبدو أن مثل هذا البروتين سيقتحم المستقبل أيضًا في عالم إنتاج الملابس الرياضية الخفيفة والمتينة في آن واحد، وفي المجال العسكري لإنتاج بدلات ومعدات قتالية خفيفة ومضادة للرصاص. يمكن أن تصنع منها ملابس قوية ضد مخاطر مهنة تفكيك اللألغام والقنابل، كما يتصور الباحثون في شركة آلمسيلك إمكانية صناعة شبكات لاصطياد الطوربيدات أثناء المعارك البحرية من هذه الخيوط الجبارة.