بقلم منير بشاى
عاد موضوع تمثيل الكنيسة السياسى للاقباط للاضواء من جديد. وكان نيافة الانبا يؤنس اسقف الخدمات قد ادلى بتصريح للمهندس عزت بولس، مدير موقع الاقباط متحدون، ضمن حوار بمطار زيورخ، فى 6 يوليو 2014. حيث سأله المهندس عزت "هل الكنيسة ما زالت الممثل السياسى للاقباط؟" فكان رده "بالطبع الكنيسة هى الممثل السياسى للاقباط وستظل كذلك" ثم اضاف "ولكن نحن فى زمن يمكن لأى فرد ان يتحدث ويتكلم ولا يمكن منع أحدهم من التعبير عن رأيه".
والغريب ان ياتى هذا التصريح فى وقت كنا نظن ان الموضوع قد تم حسمه وان التوجه العام للكنيسة فى عهد قداسة البابا تواضروس هو الابتعاد بالكنيسة عن معترك السياسة. وهذا ما اعلنه قداسته اكثر من مرة.
هذا الكلام خطير أتمنى ان يكون تعبيرا فقط عن رأى نيافة الانبا يؤنس وليس رأى قيادة الكنيسة كلها. ووجه الخطورة ان نيافة الاسقف يقدمه كمبدأ عام وليس كحالة طارئة اضطرت الكنيسة معها القيام بهذا الدور فى غياب دور علمانى فعّال.
تاريخ الانبا يؤنس مع السياسة المصرية ليس بجديد. فنحن لا ننسى ما كان يقوم به فى الفترة التى كان يشغل منصب سكرتير قداسة البابا شنودة حيث كان يزور العاصمة الأمريكية متزامنا مع زيارات الرئيس المخلوع حسنى مبارك للولايات المتحدة. وكان هدفه تهدءة الأقباط بأمريكا حتى لا يقوموا بمظاهرات احتجاج ضد الحكومة المصرية على سياستها تجاه اقباط مصر.
صحيح ان الدولة كانت دائما تتعامل مع الكنيسة على انها الممثل السياسى للاقباط. ولكن علينا ان ندرك ان هذا ليس الوضع المثالى ويجب العمل على تغييره. يجب ان يكون هناك تخطيط لاعادة تأهيل قيادات علمانية تشتغل بالسياسة ويستطيع الشعب القبطى ان يستأمنهم على التعبير عن القضايا التى تؤثر على حياته. هذا ما كان يحدث فعلا فى الحقبة الليبرالية من تاريخ مصر قبل ان تطغى نعرة الدين والعروبية على الوطنية والانتماء لمصر. وكان هناك من بين الأقباط ساسة بارزين امثال سينوت حنا وبطرس غالى وويصا واصف ووليم مكرم عبيد وغيرهم كثيرون.
ناهيك ان الأقباط لم ينتخبوا أحدا ليكون ممثلهم السياسى او ليكون المتحدث الرسمى الذى يعبّر عن ما يريدون او ما لا يريدون. الجميع يعبّرون عن رأيهم عندما يتكلمون عن القضية القبطية، ولكن اى تسوية للقضية القبطية يجب ان تحظى بقبول جميع الأقباط.
ليس معنى هذا ان الأقباط فصيل مختلف عن بقية المصريين. فالشأن المصرى العام يمثله البرلمان المصرى والاقباط كمصريين يخضعون لتمثيل البرلمان المصرى. ولكن الأقباط كفئة مهمشة لها همومها واهتماماتها الخاصة، والتى قد لا تهم البرلمان المصرى، ويجب ان توجد آلية يتم عن طريقها التعبير عنها.
من الواضح ان الدولة راضية بمبدأ تمثيل الكنيسة السياسى للاقباط، وهذا ناتج عن اأسباب كثيرة منها قناعة الدولة ان الكنيسة تستطيع ان تؤثر على الجماهير القبطية بسهولة تفوق اى قيادة علمانية. ومن ناحية اخرى تعتقد الدولة انها تستطيع التعامل مع قيادات الكنيسة بطريقة اسهل من تعاملها مع القيادات العلمانية. ومع ذلك نجد الدولة تستخدم الكنيسة فى هذا الدور طالما يصب فى صالحها. ولكن اذا خرجت الكنيسة عن الدور المرسوم لها وهو تهدئة الجماهير القبطية واقناعهم بالرضوخ لسياسة الدولة، فان الدولة فى الحال تلوح للكنيسة انها ارتكبت الخطيئة التى لا تغتفر وهى خلط الدين بالسياسة وانه "لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة".
وما يرسخ المشكلة الاستعداد الطبيعى عند العديد من الشعب القبطى للاعتماد على الكنيسة فى كل شئون حياتهم الدينية والدنيوية وهى ظاهرة يمكن ان تتحول الى اشكالية تمثل عبءا على رجال الكنيسة عندما تزيد عن حدها. فعلى الكنيسة ان تشجع الشعب القبطى على الفطام السياسى بالخروج من تحت جناحيها والاعتماد على انفسهم وتكوين القيادات السياسية الخاصة بها.
الكنيسة لها رسالتها التى تشغل كل وقتها وهى تختلف فى اسلوبها عن اسلوب السياسة. فالكنيسة لها دور روحى مقدس وهو الرعاية الدينية للشعب ومساعدتهم على خلاص نفوسهم وحفظ الايمان الذى تسلمته من الرسل. هذا الدور النقى يجب ان لا يختلط مع السياسة باساليبها الملتوية ودهاليزها المظلمة. ولذلك يجب ترك السياسة لرجال السياسة "لا يجوز ان نترك نحن (الرسل) كلمة الله ونخدم موائد" أعمال 6: 2 فالسياسة تخصص قائم بذاته له رجاله الذين يعرفون كيف يتكلموا لغته ويفهموا مفرداته واصطلاحاته. كما ان دخول الكنيسة فى السياسة يدخلها بالتالى فى قضايا تختلف فيها وجهات النظر وبذلك قد تصبح الكنيسة طرفا فى جدل يمكن ان يتحول الى خصام يهدد السلام الذى ننشده داخل الكنيسة.
ليس معنى هذا ان الكنيسة لا يحق لها ان تتكلم فى السياسة على الاطلاق. فالسياسة لها جانبها الانسانى الذى يحظى باهتمام الكنيسة وهو على سبيل المثال الدفاع عن المظلومين وتأييد القضايا التى تتفق مع الأخلاق. كما ان الكنيسة لها قضاياها التى تمس سياسة الدولة مثل ما يتعلق بالاحوال الشخصية والميراث وحرية العبادة وتغيير الدين والقوانين التى تنظم بناء دور العبادة. وليس معنى هذا ان رجل الدين لا يحق له ممارسة السياسة فهو يمارسها كمواطن ولكن لا يجب ان يمارسها كمهنة او يستخدم منصبه الدينى للتاثير على الناس فيها او يروج لها من على منبر الكنيسة.
وتبقى مسألة من يمثل الاقباط سياسيا؟ ماذا يكون هذا التنظيم الذى سيتبنى مشاكل الاقباط ومن يكون ذلك القائد الذى سيصبح لهم كموسى الذى سيقودهم الى أرض الميعاد؟ من سيكون لهم مثل غاندى فى الهند او نلسون مانديلا فى جنوب افريقيا او مارتن لوثر كنج محرر زنوج أمريكا او ليخ فاونسا فى بولندا او جون جرنج فى جنوب السودان؟
لن تظهر اسماء مثل هذه فى مصر طالما يوجد استبعاد للدور العلمانى وطالما لا يوجد تشجيع للقيادات السياسية العلمانية للظهور والتلاحم مع جماهير الشعب القبطى. ولكن فى النهاية فان الشعب القبطى هو من سيختار قائده وهو قادر على التمييز بين اليهوذات الذين يلهثون وراء الفضة وبين المخلصين الذين يبذلون انفسهم وفضتهم لخدمة اخوتهم.
Mounir.bishay@sbcglobal.net