ثروت الخرباوي
انتباه أيها السادة، كلمة فى البداية قبل أن ندخل فى موضوع المقال، عندما كان محمد مرسى يتأهب لإصدار قرار ما كانت جموع الإخوان تخرج فى مظاهرات لتأييد القرار الذى لا يعرفونه والذى لم يصدر بعد، وبعد أن يصدر القرار كانت آلاف التبريرات تخرج من كل جمهور الإخوان فى صورة غزل عذرى عفيف أو فى صورة غزل فاحش ماجن
حتى فى قطع الكهرباء كنا نسمع منهم أن هذا من باب التذكرة لأنه يذكرنا بظلمة القبر! ولكننا غير إخوان القطيع، فعندما أصدر رئيس الوزراء قرارات رفع الدعم عن الطاقة قام كثيرون ممن انتخبوا السيسى بتوجيه النقد له هو وليس للوزارة ورئيسها، لأنه ليس معنى أننى انتخبت رئيسا أن أوافق حكومته وأوافقه فى كل قراراته، بل انتخبته حتى أؤيده إذا أصاب وأواجهه وأنتقده إذا أخطأ أو حتى إذا خُيِّل إليَّ أنه أخطأ، هكذا هى الشعوب، وعقلية الشعوب يقينا غير عقلية القطيع، انتهى.
ندخل فى الموضوع، كتبت فى المقال السابق أننا يجب أن نعبد الله لأننا نحبه، فهذه هى أرقى عبادة، فالله سبحانه يقول فى القرآن الكريم (والذين آمنوا أشد حبا لله) وقال (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله) وقال أيضا (فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه) ومحبة العبد لله يجب ألا تكون لسبب أو لعلة، فأنت تحبه وكفى، فإذا أحببته وكفى أحبك، وهو يحبك بغير علة أو سبب، فأنت لن تنفعه ولن تزيد من ملكه كما أنك لا تستطيع أن تضره، أنت فى الحقيقة لا شىء، خفف الوطء أيها المغرور «فلا أظن أديم الأرض إلا من هذه الأجساد»
هل تعرف أيها الإنسان حجمك؟ أنت بالنسبة لحجم الكون صفر، تكاد تكون عدما، وعمرك بالنسبة إلى عمر الكون صفر، وكأنك لم تدب على الأرض أصلا، فلنفترض أن الله بسط لأحد خلقه فى الجسم فجعله فى حجم الكون، ولنفترض أن الله جعل هذا المخلوق يعيش من بداية خلق الكون إلى قيام الساعة، ثم وقف هذا المخلوق ينظر إلى الكون فهل سيراك ويلحظ زمنا مر عليك؟ أنت أيها الإنسان مثل «قبض الريح».
اعلم أيها المغرور الذى يظن أنه احتكر الحقيقة (إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا) اترك غرورك يا رجل واذهب إلى الله من باب الحب، ولا تذهب إليه من باب الخوف، أو من باب الطمع، صحيح أن الله فتح لك كل الأبواب كى تذهب إليه، فمن رحمته أن جعل لك الحق أن تعبده خوفا أو خشية أو رهبة أو رغبة، لأنه يحبك ويحب أن يدخلك الجنة، ولكن هناك من يعتقد أنك لكى تعبد الله فلا طريق لك إلا من خلال تلك الأبواب، أما باب الحب فهو أبعد الأبواب عن قلوبهم!.
أنت أيها الإنسان جُبلت على حب الأشياء التى ترى أنها اقتربت من الكمال وتسامت فى الجمال، فإذا علمت أن الكمال الحقيقى والجمال المطلق ليس إلا لله، وأن ما تراه من كمال أو جمال هو من كمال وجمال الله، ساعتئذ لا يمكن أن تعبد الله إلا لأنك تحبه ولأنه هو المستحق للحب، وسيصل بك الشوق له أن تتمنى أن تراه وترى جماله وبهاءه وتسبح فى نعيم نوره، فقد تمنى موسى أن يراه وكان الداعى لذلك شدة حبه له وشدة شوقه لرؤية جماله، ولتعلم يا رجل أن الدرجة العليا فى الجنة هى فى رؤية وجه الله (وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة) وهى لمن عبدوا الله حبا.
فتخيل أيها العبد أنك فى حضرة حبيبك، بين يديه، فهل ستنمق الكلام أم ستنطلق بقلبك قبل لسانك؟ هل تعرف أيها المتكلف أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أخبرنا فى حديث شريف عن شدة حب الله لتوبة عبده بمثلٍ عن أعراب يترك ناقته وعليها طعامه وشرابه، وجلس ليستريح فغشيته نومة فلما استيقظ لم يجد ناقته، فبكى وأسرف فى البكاء ثم أدركته سِنة من النوم، فلما استيقظ رأى الناقة عند قدميه، ففرح فرحة كبيرة وصاح من شدة الفرح قائلا: اللهم أنت عبدى وأنا ربك! كان هذا هو المثل الذى ضربه النبى صلى الله عليه وسلم ليبين لنا على قدر عقولنا النسبية شدة فرحة الله بعبده التائب
لم يستنكر النبى فى هذا المثل خطأ الأعرابى بل ضربه ليدل به على شدة حب الله، ومعنى هذا أن الله لا يأبه بمظهر الإنسان ولا كلامه ولكنه ينظر إلى القلوب، ونحن فى لغتنا العامية درجنا على قول «ربك رب قلوب» ومن حديث رسول الله تعلمنا أن الله لا ينظر إلى أجسادنا ولا صورنا ولكن ينظر إلى قلوبنا، فلا تهتم بألسنة الناس وآرائهم وأنت تخاطب الله، ولكن اجعل اهتمامك كله تحقيق محبتك له، فهل سيعقابك الله وأنت تحبه لأنك خاطبته بطريقة لم تنل إعجاب من يعبدونه خوفا ورهبا ورغبا؟! بالبلدى وباللسان العامى أقول لك: خليك مع الله.
نقلآ عن المصري اليوم