خالد منتصر
لو قابلت الرئيس عبدالفتاح السيسى يوماً ما وسألنى متى سينصلح حال مصر؟ لكانت إجابتى يوم أن تصبح كلية العلوم من كليات القمة ويعود إليها عصرها الذهبى وتزداد ميزانية أبحاثها العلمية مئات الأضعاف، وقتها سأقتنع أننا على الطريق الصحيح ولقد قلت وكتبت فى تلك النقطة عشرات المرات، ولن يصيبنى الملل ولا الكلل فى تكرار دفاعى عن كلية العلوم التى تخرّج فيها أبى رحمه الله، وفضّلها على كلية الطب -آنذاك- رغم أن مجموعه كان يؤهله لها.
لا أمل فى تقدّم هذا الوطن إذا لم يهتم أبناؤه بكليات العلوم!، فهذه الكليات هى قاطرة التنمية والتقدم والحضارة، والتعامل معها على أنها جراج ومخزن لمن فاته قطار كليات الطب والهندسة، التى يطلق عليها كليات القمة، يعتبر جريمة كاملة الأركان وذبحاً لوطن من الوريد إلى الوريد مع سبق الإصرار والترصّد، وكراهية جيل كامل لكلية العلوم والهروب من الالتحاق بها، والخوف من كتابتها فى جدول التنسيق، والرعب حين يصل إلى أى طالب ثانوية عامة خطاب يخبره بقبوله فى كلية العلوم، كل هذه المشاعر هى تصويت غير معلن على قطيعة هذا الوطن مع حضارة العالم، فالحضارة هى العلم، وكراهية العلم وكليات العلوم هى بالتبعية كراهية للحضارة.
كراهية كليات العلوم الطاغية التى اجتاحت المجتمع المصرى هى ظاهرة تستحق الرصد والتحليل، ما زلت أتذكر حديث أبى بحب وهيام وعشق عن فترة دراسته فى قسم النبات بكلية علوم القاهرة فى الخمسينات، وحكاياته عن المعمل ورحلات أستاذتهم السويدية لدراسة نباتات وأعشاب الصحراء التى كان يحكيها بمنتهى الشغف، لم تكن كلية العلوم وقتها قد حازت هذا الكم من الكراهية من الطلبة وأيضاً من الأسر المصرية، فخبر التحاق ابن بكلية العلوم يعتبر الآن خبراً صادماً للأسرة، بل خبراً حزيناً يحتاج إلى إقامة سرادق عزاء!!
لا يوجد طالب مصرى يدخل كلية العلوم بإرادته واختياره الحر، دائماً هو مجبر بعد استنفاد رغباته وعدم قبول مكتب التنسيق أمنياته المجهضة فى دخول كلية الطب أو الصيدلة أو الهندسة أو طب الأسنان.. إلخ، ماذا تنتظر من هذا الطالب الذى يكمل مشوار كلية العلوم مغصوباً محبطاً غاضباً؟
أما داخل الكلية، فهناك غربال آخر، ثقوبه ضيقة لا يسمح للطلبة بدخول أقسام الفيزياء والرياضيات إلا معذبين مضطرين، غربال رغبات الطلبة رافض لهذه العلوم التى يعتبرونها ثقيلة على القلب والعقل وتتميز بـ«الغلاسة والرخامة» وثقل الظل، فتظل هذه الأقسام المهمة، التى هى بمثابة العصا السحرية للتقدم، أقساماً مهجورة تنعى من بناها ويبكى طلابها على أطلالها، وأظن أن أساتذتها أيضاً يبكون على الحال الذى وصلت إليه.
لا بد أن يكون هناك حل لإنقاذ كليات العلوم فى مصر، ولنبدأ بتشجيع أوائل الثانوية العامة على الالتحاق بها عبر تشجيعهم بمكافآت مالية مجزية جداً حتى تستعيد هذه الكليات سمعتها الغائبة، ولا بد أيضاً أن تُرصد أكبر ميزانية فى التعليم الجامعى لهذه الكليات.
لا بد أن نتخلص من مرض كراهية العلوم حتى يُشفى الوطن ويُعافى.
نقلا عن الوطن