الأقباط متحدون - هذا الجهل المقدس!
أخر تحديث ٢٠:٠٠ | الجمعة ٤ يوليو ٢٠١٤ | بؤونة ١٧٣٠ ش ٢٧ | العدد ٣٢٤٠ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

هذا الجهل المقدس!

أحمد عبدالمعطى حجازى
أحمد عبدالمعطى حجازى

 حين نقول ونكرر ما نقول ونلح فى المطالبة بنهضة ثقافية جديدة نواجه بها تحديات الحاضر والمستقبل لا نطالب بحاجة يمكن الصبر عليها أو بخدمة نستطيع تأجيلها، وإنما نطالب بما يطالب به الغريق الذى يغالب الموج فى انتظار أن تمتد له يد فتنقذه أو تتأخر فتخور قواه وينفد ما بقى له من عزم وأمل، ويترك نفسه للموج الذى يلعب به ويستسلم لمصيره المحتوم.

 
نعم، نحن الآن نواجه أخطاراً ماحقة لم يعد أمامنا مفر من اقتحامها، فإما تجاوزناها ونجونا، وإما عجزنا فكانت النهاية. وهذا ليس مجرد كلام، وإنما هو الواقع الذى لم نعد قادرين على تجاهله أو إخفائه.
 
لقد أغمضنا أعيننا طويلاً عن هذا الواقع المتردى الذى كنا نعيشه ونعانيه وكنا نُمنع من مواجهته والحديث فيه، فظل يتفسخ ويفسد ويتفاقم فساده وينتشر.
 
نحن معرضون للجوع والإفلاس والوقوع فى الفوضى والوقوع فيما بعد الفوضى. وليس من حل إلا الثقافة التى نحيى بها إنسانيتنا وتتمثل بها حاجتنا للاجتماع، ونبنى دولتنا على الأساس الذى يحفظ لنا حقنا فى الحرية والتزامنا بالقانون، ونستعيد بالتالى قدرتنا على أن نعمل وننتج ونحقق لأنفسنا الأمن والرخاء والتقدم الروحى والمادى.
 
ومن الواضح أن ثقافتنا الراهنة لم تساعدنا على تجنب الأخطار التى نواجهها، ولم تمكنّا من تلبية مطالبنا الحيوية. ليس فقط لأنها تعانى من الضعف والتخلف والجمود، وإنما لأنها بالإضافة إلى ضعفها وتخلفها أصبحت ثقافة معادية لنا وسلاحا فاسدا نصوّبه نحو أعدائنا فترتد طلقاته إلى صدورنا. وما علينا إلا أن ننظر فى الخطب التى تزعق بها مكبرات الصوت، ومن يقفون خلفها فى المساجد والزوايا، وفى الفتاوى التى تبثها الإذاعات والقنوات الفضائية، وفى الكتب التى تباع على الأرصفة، وفى المناهج والدروس التى يتلقاها أبناؤنا فى المدارس والمعاهد الوطنية والدينية، لنرى من أين تهب هذه الرياح السامة.
 
حين أقرأ فى بعض الكتب المدرسية أن الغناء باطل، وأنه مزمار الشيطان، وأنه ينبت النفاق، وحين أقرأ فى بعض الصحف أن المكتبات العامة فى مصر اشترت أثناء وجود الجماعات الإرهابية فى السلطة كتبا تروج لأفكار هذه الجماعات، وتتحدث عن أنواع المتفجرات والقنابل، وتروى سير الإرهابيين المنتمين لتنظيم القاعدة. وحين أقرأ فى مجلة الأزهر مقالات تدعو لإحياء الخلافة، وتكفر كبار الكتاب والمفكرين. وحين أرى النموذج الذى صنعته هذه الثقافة وشكلت عقله ووجدانه، متمثلا فى هؤلاء الطلاب الجامعيين المنخرطين فى صفوف الإخوان والسلفيين، وفى مقدمتهم عدد لا أستطيع تقديره من طلاب الأزهر ــ حين أقرأ هذه الكتب وأسمع هؤلاء المتحدثين، وأرى هذه النماذج أقول ولى الحق إن الثقافة المصرية السائدة ثقافة مسمومة، لأنها ثقافة طائفية وخرافية تعادى العقل وتمزق الأمة، وتقاطع العصور الحديثة وثقافتها وحضارتها، فضلا عن حضارات العصور القديمة وثقافاتها، وترفض التقدم، وتعتبر الديمقراطية كفرا وإلحادا.
 
ونحن نرى أن هذه الثقافة المسمومة المدمرة لم يقف خطرها عند حد التشويه وتزييف الوعى والدعوة للخروج على الدولة، بل تعدى هذا الحد وأصبح عنفا دمويا وخوفا وارتباكا وفوضى يستحيل معها أن نشعر بالأمن أو نفكر أو نعمل أو ننتج. ومن هنا أصبحنا مهددين بالجوع والتمزق، وبما ينتج عن هذا ويترتب عليه من أخطار وتهديدات.
 
لقد فقدنا الخبرات والأدوات التى حصّلناها فى نهضتنا الحديثة، وكنا نستطيع بها مواجهة الأخطار التى نواجهها الآن مجردين من كل سلاح إلا هذا السلاح الفاسد الذى نقتل به أنفسنا.
 
لو أننا كنا أميين نجهل ثقافة العصر وأساليبه فى العمل والإنتاج، لكانت مشكلتنا أقل تعقيدا، لأننا كنا نستطيع فى هذه الحالة أن نطلب العلم ونتزود بالخبرة، ونمتلك الأدوات التى نوحد بها جماعتنا ونبنى دولتنا، ونقيم نظامنا، وننخرط فى العمل والإنتاج، لكننا لسنا للأسف مجرد أميين، ولسنا مجرد جهلاء، وإنما جمعنا بين الجهل الناتج عن الأمية، والعلم الفاسد، الذى يعتقد أصحابه أنه يغنيهم عن أى علم، لأنهم ينسبونه كذبا للدين، فيصبح جهلا محصنا أو جهلا مقدسا، لا تتمثل خطورته فى كونه نقيضا للعلم، ولا تقف عند هذا الحد السلبى، وإنما تتجاوزه فيصبح جهلا إيجابيا مسلحا يدعى القدرة على الوصول إلى الحقيقة المطلقة، التى لا يحق لأحد أن ينقضها أو يناقشها. وتلك هى حالنا الآن مع تلك الثقافة التى روجت لها جماعات الإسلام السياسى، ومعها المؤسسات الرسمية التى أشرت إليها من قبل.
 
نحن بهذه الثقافة محصّنون ضد العلم وضد العمل وضد التقدم وضد الحرية، وإذن فنحن مهددون بالأخطار الماحقة التى ذكرتها، والتى لا نستطيع مواجهتها إلا بنهضة ثقافية جديدة تخلصنا أولاً من جهلنا المركب، الجهل الناتج عن الأمية، والجهل الناتج عن إقحام الدين فى كل شىء، وتزودنا بالمعارف والحقائق والخبرات التى نستطيع بها أن نعيد بناء الدولة، ونرفع رايات الديمقراطية، وأن نعمل وننتج ونحقق لأنفسنا الأمن والتقدم والرخاء.
 
كيف نحقق هذه النهضة الثقافية التى لا نستطيع بدونها أن ننجو من الغرق ونصل إلى بر الأمان؟
 
أول ما يتحتم علينا أن نفعله هو أن نجعل هذه النهضة الثقافية شغلنا الشاغل ومشروعنا القومى، الذى ندخل به العصر من جديد. فالنهضة الثقافية ليست أدبا وفنا فقط، ولكنها إلى جانب ذلك قول وفعل وتفكير وتدبير. وهى إذن ليست نشاطا خاصا بمؤسسة واحدة، ولكنها نشاط تشارك فيه الدولة كلها والمجتمع كله.
 
هذا أول ما يجب علينا.. وعلينا بعد ذلك أن نقوم بمراجعة الماضى مراجعة شاملة، ومحاسبة أنفسنا بصدق وأمانة وإخلاص، والاعتراف بما وقعنا فيه من الأخطاء واعين أو غير واعين، مختارين أو مرغمين.
 
علينا أن نراجع ماضينا السياسى.. ما الذى كسبناه من نظام يوليو، وما الذى خسرناه؟ وما هى العلاقة الملتبسة بين هذا النظام وبين جماعة الإخوان؟ وأن نراجع ماضينا الثقافى.. ما هى الأسباب التى باعدت بيننا وبين رواد نهضتنا ومنعتنا من مواصلة السير فى الطريق الذى سار فيه محمد عبده وأحمد لطفى السيد وطه حسين والعقاد وعلى عبدالرازق وسلامة موسى ومنصور فهمى؟ وكيف نحيى تراث هؤلاء؟ وكيف نتابعه ونواصله ونستكمله؟
 
وما الذى كسبناه من إنشاء وزارة الثقافة؟ وما الذى خسرناه؟ وما هو الدور الذى يجب أن تؤديه هذه الوزارة فى المستقبل؟ وكيف يمكنها أن تؤديه؟
 
هذه المراجعة هى خطوتنا الأولى فى طريق النهضة الجديدة. وسوف نصل!
 
نقلا عن المصري اليوم

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع