بقلم: منير بشاى
خبرتنا مع الاسلاميين كلفتنا الكثير. الخسائر المادية التى عانتها مصر تحتاج الى عقود لتعويضها، وستتحمل اجيال كثيرة من اولادنا واحفادنا دفع فاتورة الحساب التى لم يكون لهم فيها ضلع. اما الشهداء الذين ازهقوا ارواحهم فلن تستطيع كل اموال الدنيا ان تعوض قطرة واحدة من دمائهم، وهى تصرخ الى الله طالبة القضاء من هؤلاء القتلة.
هذا مجرد لمحة لما حدث لمصر خلال الثلاثة سنوات الماضية. أما السنة التى حكم الاخوان فيها مصر فلا يمكن ان ننساها. لقد عرفنا مخططاتهم التى لم يضيعوا وقتا لمحاولة تنفيذها، واعلنوها صراحة انهم يعتزمون البقاء على انفاسنا خلال ال 500 سنة القادمة. وقامت ثورة ال 30 مليون لتطالب بسقوط حكم المرشد. ولكن لولا تدخل قواتنا المسلحة وعلى رأسها المشير عبد الفتاح السيسى لكنا ما نزال نتظاهر ونطالب بسقوط حكم المرشد الى ان تبح اصواتنا دون مجيب.
ان نتعلم دروسا من ما حدث هو ابسط ما يعمله العقلاء. ولكن ان ننسى ما حدث او نتغافله، وبذلك نصبح عرضة ان نكرر نفس مآسيه، فهو ضرب من الجنون. وهذه بعض الدروس التى يجب ان لا ننساها،احتى لا تضيع كل ما انجزناه سدى، ونصبح كمن يحرث فى الماء:
.الدرس الأول: ان الاخوان والسلفيين وجهان لعملة واحدة
بعد خلع جماعة الاخوان وخروجهم من السلطة اصبح من المؤكد ان نجد من بين جماعات الاخوان السياسى من سيحاول ان يدخل الى السلطة من الباب الخلفى. وبذلك يحاولون الرجوع مرة اخرى الى السيطرة على المشهد السياسى فى مصر وكأنك يا ابو زيد ما غزيت.
الاسلام السياسى سواء كانوا الأخوان او السلفيين او الجماعة الاسلامية او عشرات التنظيمات المتفرعة منها قد يختلفون فيما بينهم فى بعض التفصيلات ولكن الخطوط الرئيسية بينهم تكاد تكون واحدة. واذا رات هذه التنظيمات ان بقائهم اصبح مهددا فانهم سينسون خلافاتهم ويتعاونون معا من اجل تحقيق الغرض الواحد الذى يتفقون عليه.
هدفهم المشترك هو الاستيلاء على الحكم وتغيير نظامه من الدولة المدنية الى نظام الدولة الدينية. الهدف هو تاسيس دولة الخلافة بحيث يذوب مفهوم الوطن داخل مفهوم الدولة الاسلامية. فالوطن لا قيمة له عندهم، فهو كما كانوا يقولون هو حفنة من تراب عفن. وحدود الوطن لن يكون لها اهمية، لأنه ما هو الا دويلات صغيرة داخل وهم الوطن الاسلامى الكبير.
الخليفة هو الذى يحكم بأمر الله حسب ما يترائى له لأنه السلطة العليا التى لا تعارض. والشعب سيكون خاضعا لنصوص الشريعة رغم انفه. اما غير المسلمين فستمارس ضدهم كافة الضغوط لترك دينهم واعتناق الاسلام او قبول دفع الجزية عن يد وهم صاغرون.
لا يجب ان يغيب عنا ان ما فشل فيه الاخوان سيحاول السلفيون تحقيقه.
الدرس الثانى: أن الكذب والخداع عندهم ليس مجرد تكتيك ولكنه عقيدة.
من يصدق جماعات الاسلام السياسى فى شىء فهو يستحق ما يحدث له لأنه كان يجب ان يعرف ان الكذب بالنسبة لهم هو جزء لا يتجزأ من فقه عقيدتهم. ولذلك فبدون تفكير فى اى وعود يطلقونها يجب وضع الاحتمال الأكبر انها مجرد كذب وخداع. ونحن لن ننسى وعودهم قبل الانتخابات الرئاسية الأولى وخاصة وعد المائة يوم الأولى التى لم يحاولوا تحقيق شىء منها. ونحن نعرف موقفهم من العلم المصرى والنشيد الوطنى فعندما يقف واحد من السلفيين فى احتفال تنصيب الرئيس السيسى احتراما للسلام الوطنى وليحيي العلم المصرى- من يظن انه يخدع؟
يسمون هذا "التقية" اى انه أداة يتقون به الاضطهاد من ناحية ووسيلة ينفذون بها امر الله كما يتصورونه من ناحية أخرى. هذا المبدأ يبنى على ما جاء بالقرآن "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء الا ان تتقوا منهم تقاة...." سورة آل عمران 28 فهمهم لهذا النص انهم مطالبون من الله ان لا يصادقوا غير المسلمين ولكن يمكن التغاضى عن هذا المبدأ والتظاهر بانهم احباء لهم اذا احسوا ان حياتهم مهددة منهم والى ان تزول آثار التهديد. ومن أصبح الكذب عندهم مبدأ حياة لا يمكن ان تصدقهم حتى ان صدقوا.
الدرس الثالث: ان الانتخابات البرلمانية القادمة سيتوقف عليها كل شىء.
انتهينا من الدستور ومن انتخابات الرئاسة وباقى من خارطة الطريق انتخابات البرلمان. وهذا البرلمان فى منتهى الاهمية لعدة اسباب:
اولا: لأنه سيكون من اختصاصاته صياغة القوانين التى اوصى بها الدستور والتى ستكمل الدستور ويمكن ان توجهه الى اى اتجاه سواء نحو الدولة المدنية او الدولة الدينية.
ثانيا: لأن اعضاء البرلمان قد اعطوا بواسطة الدستور الجديد سلطات غير مسبوقة تقيد الى حد كبير سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء. هذا البرلمان يمكن ان يساعد السلطة التنفيذية فى الخطوات التى تتخذ فى عملية بناء مصر ويمكن ايضا ان يعرقل اى محاولة للاصلاح.
ثالثا: من المؤكد ان الاسلاميين بعد ان خسروا الجولات السابقة سيحاولوا ان يكسبوا هذه الجولة التى ستمكنهم من تعويض كل ما سبق من خسائر. انها مسألة حياة او موت بالنسبة لهم.
وعلى ذلك لا اجد فى قاموس اللغة كلمات قوية بما فيها الكفاية لأحذر المصريين جميعا والاقباط بصفة خاصة من احتمال محاولة تسريب السلفيين من الباب الخلفى لينفذوا نفس الأجندة التى حاول الاخوان تنفيذها واستطاع الشعب المصرى بقيادة القوات المسلحة احباطها.
وللاقباط اتمنى ان لا يبلعوا الطعم المسموم عندما يحاول السلفيون مغازلتهم بالتلويح بوعود وضعهم على رأس قوائمهم. هم لا يعملون هذا نتيجة طيبة قلوبهم ولكن لأن الدستور يملى عليهم هذا. ولكن نجاحك على قوائمهم معناها دخول العدد الكبير من الاسلاميين مرة اخرى الى البرلمان ومعها تبدأ عملية عرقلة كل محاولات اصلاح مصر. وتضيع كل المجهودات والتضحيات، وكل معاناتنا تذهب ادراج الرياح، ويصبح كل ما عملناه وكأنه حرث فى الماء.
Mounir.bishay@sbcglobal.net