محمود خليل
يضع نورى المالكى تجربة بشار الأسد نصب عينيه، فقد رفض التنحى عن رئاسة وزراء العراق، بعد أن دعاه الكثير من الأصوات فى الداخل والخارج لاتخاذ هذه الخطوة. فالكل تيقّن الآن أن الممارسات الطائفية لا بد أن تؤدى، إن عاجلاً أو آجلاً، إلى انفجار المظاليم، كما حدث مع سُنة العراق، وعندما يندلع الحريق فإنه يلتهم فى طريقه كل شىء، وعظيم النار يأتى دائماً من مستصغر الشرر.
رفض نورى المالكى التنحى وتشكيل حكومة إنقاذ وطنى ووصف ذلك بـ«الانقلاب على الشرعية»، ولست أدرى أية شرعية تلك التى يتحدث عنها وفصائل داعش والعشائر السنية وبقايا جيش صدام أصبحت قاب قوسين أو أدنى من اجتياح بغداد؟!
يراهن «المالكى» على معادلة «بشار»، فقد نجح الأخير فى مقاومة الثورة السورية لما يقرب من ثلاث سنوات كاملة، مدعوماً فى ذلك بقوى إقليمية (حزب الله وإيران) وقوى دولية (روسيا والصين). يظن «المالكى» أن بإمكانه الصمود بنفس الطريقة التى صمد بها «بشار»، فدعم إيران وحزب الله له أمر مفروغ منه، كذلك يحظى الرجل «المغامر» بدعم روسى رسمى، وهو على عكس «بشار» أراد من الولايات المتحدة الأمريكية أن تتدخل، لكن الأخيرة بدت «متدللة» عليه بدرجة كبيرة. إذن تقارب الظروف يدفع «المالكى» إلى التفكير بنفس المنطق «البشارى»، ظناً منه أن هذا المنطق سوف ينجيه فى النهاية.
حِسبَة «المالكى» تهمل أمرين غاية فى الأهمية: أولهما أن جيشه الذى رباه الأمريكان على أعينهم وأُنفقت عليه مليارات الدولارات وتدرب على أعلى المستويات خلع جنوده وضباطه «البزات» العسكرية وتركوا أسلحتهم وأمتعتهم وفروا هاربين أمام داعش والعشائر الثائرة، وهو يتحرك الآن بلا جيش، على عكس «بشار» الذى يعتمد على جيش طائفى يدين له بالولاء
ويرتبط مع النظام السورى بشبكة مصالح يعلم أنها إلى زوال لو سقط النظام، لذلك فإنه يدافع عنه بقوة. «المالكى» يفكر فى الاستعانة بميليشيات شيعية مسلحة، وهو أمر ليس بالسهل بحال من الأحوال، فالمسألة يعوزها إعدادات وتدريبات، والأخطر من ذلك يحتاج إلى وقت، وأظن أن الوقت ضد «المالكى» على طول الخط. فعدد الكيلومترات المتبقية على بغداد يقل يوماً بعد يوم!
الأمر الثانى الذى لا يدركه «المالكى» جيداً أنه مهما طال الأمد بـ«بشار» فإنه إلى زوال، ولن تنفعه فى ذلك روسيا ولا حزب الله ولا إيران، والسر فى ذلك يعود أيضاً إلى الطائفية، نفس المرض الذى يسيطر على النسيج العقلى والعصبى لـ«المالكى»، فهو ينتمى إلى أقلية علوية لها تاريخ طويل فى اضطهاد جموع الشعب السورى ذى الأغلبية السنية. والمسألة ليست أكثر من وقت.
مشكلة الحكام العرب أنهم «مش مذاكرين تاريخهم كويس»، ولو أنهم فعلوا لأدركوا أن «الطائفية» -أياً كان شكلها أو نوعها- إذا دخلت من الباب خرج الاستقرار من الشباك، الدولة الأموية سقطت بسبب سياساتها «الطائفية»، والعباسية تحللت بسبب «الشعوبية»، والدولة العثمانية اضمحلت بسبب «العنصرية».. لا مناص من العدل حتى يتحقق الاستقرار.
نقلآ عن الوطن