بقلم - سمير حبشي
عندما تتبسم الأيام وتقهقه الظروف ، ويمر الزمان كما نسمة طيبة ، ويفتح أمام الإنسان طاقة نور مفرحة ، لابد أن يكون ملتحفا برفات الماضي وأحداث الأيام والليالي، ولا تلمع نجومها وهى متناسية زفرات الضنك واليأس والقهر والظلم والدموع .وما فى القلوب من مخزون أسرار الحزن .. نعم لقد منَ الله على مصر برئيس يتوسم فيه الجميع الخير ..
وتنهدت أمهات الشهداء تنهيدة مريحة ، وتطلعت عيون الأرامل لإنجاز سريع لحقوق من فى القبور .. وخفقت قلوب اليتامى بلحن واحد مشترك يقول : محاكمة الجانى تجعل أبى حيا بيننا ، ولم يمت بدون ثمن .
يا إخوتى : واشهيداه - ففى الأفق بدأنا نسمع نغمة تخاذل من بعض قياداتنا القبطية .. مثل لننسى الماضى ، ونتطلع إلى مستقبل جديد .. يطالبوننا أن نتسامح وإن كنا نتألم ... وأن نصمت عن الصياح بحجة لا صوت يعلو فوق صوت المعركة ... وأن نفرح ولو كانت هالات الحزن تحاصرنا وتتخللنا ... و أن نضحك ولو كانت المآقي مترعة بالدموع .
( قالت أم أحد الشهداء : أن كل أملها هو العدل والقصاص المنصوص عليهما في كل الأديان السماوية ، والسكوت عن حقوق الشهداء هو إهدار لحق الشهيد .. والله حرام ربنا يوريهم زى ما فعلوا بنا ، ليعرفوا حرقة قلب الأم ، والتى تستمر ليل نهار الدموع فى عينيها لفقدان فلذة كبدها ، الجميع ينتظر من الرئيس الجديد أن يزرع العدل في ظل كيانات الدولة ، حتى تعبر مصر محنتها بأقل الخسائر، وقالت إذا لم يتحقق العدل ويحصل كل مواطن علي حقه لم ولن تهدأ البلاد) . وهذه صورة واضحة لما يعتمل فى قلوب أهالى الشهداء والمظلومين .
إن الأحزان ربما يراها البعض مجرد نَبته صغيرة في قلب الإنسان , ولكن عندما يسقيها يوما بعد يوم الظلم والتراخى فى إتيان الحقوق لذويها ، تصبح شجرة شوك وحسك علي أرض الواقع الإنسانى ، يدمى شوكها الهيكل العام للدولة ، كما يشوه آدمية الإنسان الحاكم ، وتصبح الإبتسامة الحزينه هى رد الفعل الوحيد لذكريات جميلة ، لأفعال أو كلمات كانت فى حياة الشهيد مستحيل تعود ، ولذا فعندما تري شخصا يبتســم بشكل متكــرر فأعلم أنــه مقهَــــور.
إن ضحايا الظلم والإرهاب هم شرفاء خرجوا للدفاع عن ثورتهم ، و عن مصرهم و عن زملاء لهم شاهدوهم و هم يقتلون برصاص الغدر و الغازات الفاسدة ، و تعرض غيرهم للسحل و الضرب و الاعتقال – أو أقباط مسالمون خرجوا لا يحملون فى أيديهم شئا غير الصليب لينددوا بما يحدث لكنائسهم من حرق وهدم ، ورجال الأمن تساعد على ذلك .. أو ضحايا الرصاص الغادر كما حدث لعشرات من المسيحيين ، أو ضحايا التفجيرات الإجرامية كما حدث لكنيسة القديسين .. ولولا هؤلاء الشرفاء وخروجهم ضد الغدر والإرهاب لما كان الرئيس الجديد على كرسيه الآن ..
وأقباط مصر وغيرهم من المصريين لن يرضوا أن يعيشوا زمنا غير الزمن
وحقوق شهدائهم تصير زمـنا بعيـــــــــدا صـار مـاض ودفـن ، وتباع قضاياهم بأرخـص ثـمن ، فعلى رئيسنا أن يجعلنا نحيا زمــن الـحق ، ويجــعل الــعدل عــلى الأرض يـعم ، ويمسح الحزن الذى كسا القلوب قبل الوجوه .. فالكل يعلم أن هناك عمليات إرهابية عديدة تمت .. وتم القبض علي كثيرين . وبعض المتهمين اعترفوا بجرائمهم ، ولكنهم لم يقدموا حتي الآن إلي المحاكمة ، والبعض كان لهم يد إجرامية والصغير يعرفهم قبل الكبير ، مثل الذين كانوا وراء مذبحة ماسبيرو ، ويعلم الشعب أيضا أن العدل البطيء ظلم رهيب .
يتسبب فى تفجير موجات الغضب الشعبية ، وبعد أن عرف المصريون طريق الثورة ، فهذه المرة سوف تنال هذه الموجة الحكومة ذاتها.. والنظام كله ، مادام الحاكم غير قادر علي تحقيق مطالب وأمانى الناس المقهورة .. فمهما قال الحاكم من وعود ، وغطى أجواء المدينة بالشعارات والكلمات المعسولة ، ولم تُفَعل على أرض الواقع ، تصير كالترياق الذى يغطى رغيف خبز أكله العفن ، والذى سينتشر ليأكل كل شئ حوله ، فالعدالة الناجزة أولي درجات العقاب للظالم والقاتل والإرهابى .
أعرف جيدا أننى أطالب السيسى بتفعيل القانون الذى عجز من كانوا قبله على تفعيله .. وأعرف أن ما ورثه لهو تركة مثقلة بالهموم والمخاطر والمغالاة فى المطالب ، وأعرف أننا نطالبه بالدخول فى وكر الثعابين ، ولكن هذا هو قدره ، وأمانة ألقاها الشعب المصرى على أكتافه ، والأيام القادمة هى إمتحان صعب فإما يكون أو لا يكون قادرا على إجتيازه ، وذلك بإعادة فتح الملفات التى ستكون رمانة الميزان فى تصحيح وجه مصر ، والشكل الحقيقى الذى يجب أن يتسربل به العدل فى عهده .
ملفات الكل يتحدث عنها هذه الأيام ، ونستطيع أن نقول حدثت فى عهده وأخطرها ملف الإضطهاد والتمييز الدينى .. فهل لم يعلم السيسى عما حدث فى المطرية من مهزلة غياب القانون ، وإنعقاد جلسة عرفية حكمت على عائلة مسيحية في حال غياب الدولة ، وهى وسيلة ضغط على الضحايا لقبول شروط ظالمة ، والدولة للأسف تُشجِّع عليها لعدم وجود قانون يُحترم من الجميع .. وحُكم على العائلة المسيحية بتقديم مائة ناقة ، وتقديم مليون جنية دية لمقتل شاب مسلم لا يعرف أحد من قتله ، ولكن هذه الشروط لم تروق للجنة الصلح العرفية ، فأمرت اللجنة بأن تقوم العائلة المسيحية ببيع ممتلكاتها خلال ستة أشهر، وتقديم أكفانهم لأسرة الشاب القتيل ، وتهجير العائلة القبطية ، وتقديم خمسة عجول وقطعة أرض مساحتها 200 متر، إضافة إلى تقديم أكفانهم لأهالي عائلة الصمدية.
والمصيبة أنه قد حضر الجلسة عدد من القيادات الأمنية ، وكبار شيوخ المنطقة ، ورجال الإعلام والقنوات الفضائية ، ومحكمون عرفيون ، كما حضرها اللواء يحي العراقي نائب مدير أمن القاهرة .. والحكم الذي صدر مؤخرًا، بسجن المتنصر محمد حجازي ، 5 سنوات والكل يعلم حتى السيسى نفسه إنه يُعاقب بسبب تحوله عن الإسلام
وأن القضاء يُستخدم في التمييز الديني ضد الأقباط ، والحكم الصادر بحبس معلمة الأقصر (دميانة عبيد) ، ستة أشهر بتهمة ازدراء الدين الإسلامي ، والكل فى مصر يعلم أنها قضية ملفقة ، ثم أين ( مفوضية مكافحة التمييز ) التي نصَّ عليها الدستور الجديد ، ولا ننسى أن الدستور نصَّ أيضًا على مناقشة بناء وترميم الكنائس بمجرد انعقاد أول جلسة للبرلمان الجديد ، فهل سيعيد السيسى فتح هذه الملفات، وخاصة أنها حدثت فى عهده فيقوم بدرء الظلم عن المظلوم ومعاقبة الظالم .
يا إخوتى : الحقيقة التى تعلمناها من التاريخ ، أن الجريمة لا تتلاشى مع الزمن ، وعقاب الجانى لا يسقط مع مرور الأيام ، وأن التراخى فى طلب الحقوق ، وإهالة رماد النسيان على مقابر شهدائنا والمظلومين من شعبنا ، بسبب أى ظروف مهما كانت ، هذا هو أول الطريق للحاكم الفاسد والظالم ...