الأقباط متحدون - ماذا أجرمت مريم لتستحق القتل؟
أخر تحديث ٠٤:٠٩ | الاربعاء ٢٥ يونيو ٢٠١٤ | بؤونة ١٧٣٠ ش ١٨ | العدد ٣٢٣١ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

ماذا أجرمت مريم لتستحق القتل؟

بقلم منير بشاى
د. مريم ابراهيم (27 سنة) مواطنة سودانية مسالمة لم تقتل انسانا، او حتى تخدش جسده، ولكنها كطبيبة كانت تعالج المرضى وتعطيهم فرصة فى الحياة.  ولكن مريم وجدت نفسها فجأة متهمة فى جريمة تستوجب القتل بناء على نصوص شريعة دينية لا تنتمى لها.

 وعندما مثلت مريم امام القاضاء عرض عليها القاضى ثمنا لاطلاق سراحها ان تتوب عن جريمتها.  ولكن مريم فضلت ان تموت عن ان تتراجع عن موقفها.  فبالنسبة لمريم كانت ما يعتبرونه جريمة تعتبره هى وسام شرف من اجله تعيش وفى سبيله تموت.

 كثيرون يعرفون جريمة مريم وهى انها متهمة بتغيير دينها الاسلامى الى المسيحيية مع ان مريم اعلنت مرارا انها لم تعرف يوما فى حياتها دينا غير المسيحية.

 ولكن مريم التى كانت تنتظر تنفيذ حكم الاعدام كانت حاملا فى شهرها الثامن وعندما جاء وقتها لتلد اجبروها ان تلد داخل السجن وهى مقيدة بالسلاسل المثبتة الى ارضية السجن.  ورحمة منهم على الطفل الوليد قرروا تأجيل تنفيذ الحكم لمدى عامين لتعتنى بالمولود.

    قامت الدنيا ولم تقعد.  واصدر رؤساء دول بيانات ادانة ضد حكومة لا تكترث بمبادئ حرية العقيدة وحقوق الانسان التى وقّعت السودان عليها وتعهدت باحترامها. ووقع اكثر من مليون انسان عريضة مع منظمة العفو الدولية تطالب بوقف هذا الحكم الجائر.

وظننا ان القضية تم حلها عندما عرضت على محكمة اخرى يوم الاثنين 23 يونيو 2014 التى قررت تبرءة مريم وبالتالى اطلاق سراحها.  وفى الحال حزمت مريم امتعتها واستعدت هى وزوجها دانيال وابنها مارتن وابنتها مايا التى ولدتها فى السجن لتغادر البلاد وتنهى هذا الكابوس المريع وتبدأ مرحلة جديدة من حياتها فى بلد يعطيها الحرية التى حرمت منها فى وطنها الأم.

 ولكن بعد اقل من يوم وهى بعد فى مطار الخرطوم وقبل ان تدخل الطائرة التى ستقلها الى الولايات المتحدة الذى يحمل زوجها جنسيتها اذ بالاسرة والمودعين من الاقارب والاصدقاء والمحامين يفاجأون بقوة من الأمن القومى السودانى يبلغ عددهم اكثر من 40 يقتحمون المشهد ويقبضون على الاسرة بأكملها بعد ان استبعدوا المحامين.  وفى كلمات محاميها الشريف محمد ان "قوات الأمن كانت غاضبة جدا "  وبعد القبض عليهم تم ايداعهم فى مركز تابع للامن القومى دون ان يسمح لهم بالاتصال بالمحامين.

  ويبدو ان الحلقة الجديدة فى معاناة مريم واسرتها جاءت نتيجة اعتراض فصيل داخل الحكومة السودانية على الحكم لاعتقادهم انه لا يتمشى مع الشريعة الاسلامية حسب وجهة نظرهم.  وبالتالى قرروا ان يأخذوا القانون بأيديهم ويضربوا بقرار القاضى عرض الحائط.

بدأت مشكلة مريم وهى طفلة صغيرة لا تعى من الدنيا شيئا.  وكان أبوها المسلم قد طلّق امها المسيحية وتركها دون ان ينفق عليها  او حتى ان يكون له معها علاقة الاب وابنته.
 قامت الأم بتربية ابنتها على ايمانها المسيحى فى غياب تام للاب.  وكانت الأم هى التى اعتنت بها وانفقت على تعليمها ووقفت الى جانبها الى ان تخرجت من كلية الطب لتصبح طبيبة ناجحة.  والتقت مريم التى لم تعرف فى حياتها غير المسيحية بالشاب دانيال المسيحى الديانة وقررا ان يتزوجا ويكوّنا اسرة.  ولم يكن فى الحسبان ان يأتى قاضى ليحكم على هذا الزواج بانه باطل وان مريم تعيش مع دانيال كزانية وبالتالى تستحق الجلد ثم بعد الجلد تستحق الموت لأنها تركت دين والدها الرجل الذى لم  تعرفه ولم تعرف حتى اذا كان عنده اى دين لأنه لو كان عنده دين لما تركها دون ان يسأل عنها منذ ان غادر البيت وهى ما تزال طفلة.

 الدين رحمة لا قسوة، يسر لا عسر.  هكذا عرفنا عن الاديان وهو ما قيل لنا عن الدين الاسلامى.  ولكن المرء لا يسعه الا ان يتساءل بالنسبة لما حدث من ملابسات فى قضية مريم: هل هذا هو اليسر الذى نسمع عنه؟ وكيف يكون يسرا اذا كان فى النهاية ينتهى بجلد ثم بقتل امرأة كان كل ذنبها انها تمسكت بدين اعتنقته فى كل حياتها؟  وهل هناك اى مكسب يمكن ان يتحقق مقابل موتها؟ واليس الأفضل حتى وان اعتبرناها بعيدة عن الدين الحق ان تترك حية لعلها فى يوم من الايام تعود الى رشدها؟ والأطفال

الذين لا ناقة لهم ولا جمل ، ما ذنبهم ان يعيشوا بقية حياتهم يتامى ومحرومون من حنان الأم؟  ومن يستفيد من تحويل الزوج الى ارمل بعد ان يفقد شريكة حياته وأم اولاده.  ثم كيف يؤخذ اولاد الرجل منه ويعطون الى اسرة غريبة تربيهم على دين يختلف مع قناعته وهو ما يزال حيا يرزق؟

 يا سادة نحن  هنا لا نناقش الاديان ولكن نتكلم عن الانسانية.  فمريم واسرتها سواء كانوا مسلمين ام مسيحيين فهم اولا وقبل كل شىء بنى آدميين.  والمجتمع الانسانى من حقه بل من واجبه ان يحمى آدمية البشر ولذلك هى جريمة فى حق كل من ارتكبها وايضا جريمة فى حق من يصمت فى وجه الظلم الذى طال مريم واسرتها.

 كثر الكلام فى هذه الأيام عن ازدراء الاسلام.  ونحن ندين الازدراء بأى دين ولكن لعلنا ادركنا الآن من هو المزدرى الأكبر بالاسلام.  ان ما حدث لمريم خسارة كبيرة لأطراف عديدين ولكن سيظل الخاسر الاكبر فى هذه القضية هو العقيدة الاسلامية ذاتها.
Mounir.bishay@sbcglobal.net


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter