بقلم: محمود غازي سعدالدين
 .  وأخيرا ظهرت النتائج بتصدر قائمة أياد علاوي متقدمة على القوائم الأخرى المنافسة له , حيث حصل على 91 مقعدا تليه قائمة رئيس الوزراء ب89 مقعد ثم الائتلاف الوطني والتحالف الكردي ثم تأتي القوائم الأخرى تباعا . لسنا بمعرض عرض القوائم الفائزة وعدد المقاعد التي حصلوا عليها بقدر ما نحن سنسلط الضوء على بعض أسباب ظهور هذه النتائج وما ستؤول إليه أحداث ما بعد الانتخابات وتشكيل الحكومة الجديدة , وبصراحة أقولها أنا متوجس خيفة من ظهور هذه النتائج حيث ظهرت بوادر أزمة سياسية ( الله يعلم) متى تنتهي وكيف ؟ حيث ما أن أعلنت النتائج خرجت مظاهرات عدة في عدد من المحافظات معترضة على النتائج والأخرى مؤيدة , والغريب في ألأمر أن تلتقي رؤى فخامة وسيادة الرئيس جلال حفظه الله ورعاه , مع توجهات السيد المالكي في رفض النتائج ومطالبتهم بفرز النتائج يدويا , فما السر في تطابق هذه الرؤى ؟

وقبل وقت ليس بالبعيد وطوال عمر الحكومة السابقة كانت (الرئاسة تجر بصفحة والحكومة بصفحة مثل ما يكولون بالعامية) في العديد من القضايا الكثيرة العالقة , من شكل العلاقة بين الإقليم الكردي مع الحكومة المركزية والمناطق ما تسمى المتنازع عليها ( التي تسمى قسم منها ألان المناطق المحررة !! ) وتوزيع عائدات النفط وحرس الإقليم والميزانية والمصادقة على القوانين وقانون المسالة والعدالة ....
 
وقضايا أخرى كثيرة لا حصر لها , عملت سياسة المحاصصة والنفاق السياسي والتوافق عملها الخبيث في بقاءها , واستفحال مسالة إيجاد حلول جذرية تقوي بنية مؤسسات الدولة العراقية , وقد شاهدنا خروج رئيس الوزراء المالكي في العديد من المناسبات يصرح ويعلو صوته مبينا توتر العلاقة تلك , ثم لا يلبث أن يخفت صوته ويختفي . أسئلة كثيرة تطرح نفسها لماذا أفرزت النتائج الانتخابية فوز علاوي ألبعثي القديم , والجديد بوجهه العلماني , الذي لم يخفي مجاملته للبعثيين وضمت قائمته العديد منهم لاسيما وقد لوحظ جليا تحالفه وتودده لقائمة صالح (المطلك) ألبعثي سرا وعلنا . هل نستطيع القول أن جزءا كبيرا من الشعب العراقي بات يحن إلى النظام ألبعثي , وصوت لقائمة علاوي , وتحن لعودة البعثيين ؟ الجواب يأتي , نعم هناك شريحة لا زالت تريد إرجاع البعثيين إلى سدة الحكم بوجه علماني وقومي كردي وعروبي مشترك في نفس الأوان , همها الحفاظ على المكاسب والغنائم التي حصلوا عليها سابقا ولاحقا .

كيف حصل علاوي ألبعثي القومي على هذه المقاعد ؟ في وقت انسحبت معظم الشخصيات المرموقة وذات الخطاب الوطني نوعا ما من أمثال السيد أياد جمال الدين ومهدي الحافظ وحميد مجيد موسى وخير الدين البصري , وشخصيات أخرى انسحبت بعد تخبط رئيس القائمة في مسالة إعادة البعثيين وقضايا أفرزت جدلا واسعا بين هذه الشخصيات المنسحبة ورئيس القائمة العراقية , هذا الانسحاب من البديهي والمنطقي لابد أن ينعكس على قائمة علاوي سلبا وليس إيجابا , ونحن الآن نرى العكس . هل أن مفوضية الانتخابات بمعزل عن كل شبهة وتعمل بكل أمانة وحرفية ؟ في ظل هذا التخبط بين الكتل السياسية وميول المفوضية نحو قوائم دون الأخرى , في وقت تكثر الطعون والشكوك حول عمل المفوضية ورئيسها الحالي , ووجود مطالبات عديدة بحجب الثقة عن رئيسها وتشكيل وإعادة هيكلية المفوضية وتحت إشراف دولي وبعيد عن المحاصصة والتوجهات والميول الحزبية التي لعبت وبصراحة دورا كبيرا في انتقاء الشخصيات الحالية العاملة ضمن هيكل المفوضية الحالي .
 
كما لا يخفى هناك طعون كثيرة مقدمة في محافظات الشمال العراقي من قبل كتل مختلفة حتى منها الكردية متمثلة بقائمة( كوران) التي يترأسها السيد نوشيروان مصطفى , وقائمة الاتحاد الإسلامي القومي الكردي ( التي لا يوجد فرق بين خطابها المنافق وخطاب الحزبين الرئيسيين وقد وضعوا منذ سنوات عدة هم وفقهاؤهم تحت ريموت كنترول الحزب الواحد , وبصموا بالعشرة) تطعن في النتائج المعلنة وتلاعب المفوضية بالنتائج لصالح الحزبين الرئيسين المتقاسمين للسلطة والثروات بينهما , لاسيما بعد اكتساح ونيل قائمة كوران لعدد كبير من الأصوات في وقت قصير في الانتخابات الرئاسية والبرلمان الخاصة بمحافظات الشمال العراقي , رغم لغة التهديد والوعيد ومهاجمة مقراته واستغلال جميع المقدرات لخدمة الحزبين الرئيسيين أثناء حملات الدعاية الانتخابية في تلك الآونة.
 
لعل من أسباب إخفاق المالكي والجعفري من قبله , تعود جملة من أسباب إخفاقهم إليهم أنفسهم في إدارة دفة المؤسسات الحكومية والسيطرة على وزارات الأحزاب إذا صح التعبير , ولعل من جملة تلك الإخفاقات الشخصية التي تخبط بها شخص السيد الجعفري والائتلاف الذي ضمه هو تنحيه بعد التصويت عليه ومن ثم انتخابه مجددا بصورة ديمقراطية من قبل الائتلاف الشيعي وفوزه على نظيره نائب الرئيس عادل عبد المهدي ومن ثم المؤامرة التي حيكت ضد السيد الجعفري داخل الائتلاف نفسه بقيادة آل الحكيم ( الذين ورثوا أبا عن جد قيادة وسلطة الائتلاف) ومن ثم تنازله الهزيل في مشهد نتذكره جميعا . كما يمكن القول أن السيد المالكي تلكأ كثيرا في قضايا عدة وخاصة ما يمس الشأن الأمني والخروق الفظيعة التي حصلت إبان تسلمه رئاسة الوزراء , والتقصير الذي لازال موجودا في عدم كشف أية جهة متورطة في تلك الأحداث الإرهابية في آمرلي والخزنة والزن جيلي وسنجار وأيام الأسبوع الدامية التي شاهدتها بغداد العاصمة , علاوة على ملفات الفساد المستشري في جسد الدولة , وأعمال الخطف والسلب والتهجير والسطو على المباني الحكومية وحرقها والسطو على البنوك , هذه ليست مشاهد ارويها لأفلام الو يسترن الأمريكية للممثلين جون واين او كلينت وستود , ولكنها أحداث واقعية حصلت لم تكشف أية نتائج حقيقية ولم تعلن مسؤولية أية جهة أو حزب وطائفة عنها , سوى بعض المشاهد العمومية والخطابات العامة التي لمسناها أثناء التحقيقات التي عرضت على شاشة التلفاز لا غير واتهامات خجولة لبعض دول الجوار دون كشف الجهات المتواطئة معها ,

ولعله كان من المهم إشراك العامل الدولي متمثلا بمجلس الأمن والأمم المتحدة في التحقيق وكشف الجهات المتورطة في تلك الجرائم الفظيعة , إلا أن جهات داخلية عدة لعبت دون تحريك ذلك الملف ومن ثم السكوت عنها نهائيا . إذا كما قلنا فلغة الأرقام ليست هي المهمة في المعادلة السياسية العراقية ألان وبعد ظهور النتائج , رغم وجود الشكوك الكثيرة لدى الكثير من المتابعين للشأن العراقي حول كيفية نيل هذه الكتلة وتلك لهذا الكم من الأصوات (رغم تيقني أن الخطاب السياسي لمعظم الكتل التي شاركت في الانتخابات الأخيرة لم يرتقي إلى ذلك المستوى وأصبح مكتمل النضوج , ولم يراعي الأسس الديمقراطية التي تبنى عليها دولة حديثة ودولة مؤسسات حقيقية تراعي الشفافية وحقوق المواطن ) .

فإذا كانت لغة الأرقام وعدد المقاعد هي المعيار لدى أية كتلة وهمهم استقطاع نسبة أصوات كبيرة كما كان في العهد السابق 99% , فهذه حسابات خاطئة وقد ولت إلى غير رجعة , فالمهم في الأداء السياسي , هو الابتعاد عن المعايير الحزبية وفرض أجندات طائفية أو قومية كردية او عروبية عند تشكيل أية حكومة مقبلة , فمثلا فالتحالف الكردستاني يعيش عقما مزمنا في ترشيح مسئولين أكفاء سواء داخل الإقليم , أو ممثلين في الحكومة المركزية فالأشخاص هم نفسهم دون أي تغيير ملحوظ ( حسن كجل , كجل حسن , مع احترامنا ومن دون الاستهزاء من أية هيئة أو شكل أو بنية) , فقد صرح العديد من المسئولين الأكراد مقدما أن الرئيس جلال حفظه الله !! هو المرشح الوحيد لرئاسة الجمهورية ولا تنازل عن المنصب , وكأن المنصب حكر عليهم ( يقول البعض أن التحالف الكردستاني عنده طابو المناصب ) , ولا تنازل عن بعض الوزارات السيادية الأساسية في الحكومة المقبلة .
 
هنا لابد من القول أن السيد نوشيروان مصطفى رئيس كتلة التغيير( أو بالكردية كوران) لو أراد كسب ثقة الشعب العراقي عموما وثقة المكون الكردي أكثر فعليه أن يلعب دورا أكبر في رسم السياسة مع الحكومة المركزية وتغيير الاتجاه عما هو عليه من ركود وجمود داخل الإقليم وخارجه , ولا ضير من التحالف مع كتلة وطنية غير كردية , بغية كسب مزيد من الشعبية والقوة , والابتعاد والتقوقع داخل الخندق الكردي القومي الضيق . من غير الممكن إعادة الانتخابات وهو أمر شبه مستحيل , رغم تيقن الجميع من وجود الخروق ,

تبقى هنا ظهور الأصوات الوطنية من الكتل السياسية وتبني الخطاب الوطني الحقيقي دون فرض الإرادات والأجندات , وقد تسربت أنباء انه من الممكن أن تتحالف كتلتا العراقية ودولة القانون معا ومن المفيد جدا ضم قائمة التغيير والتحاق شخصيات وطنية أخرى بغية تشكيل تحالف وطني قوي بعيدا عن التحالفات الطائفية والقومية , ويكون شكل الدولة والحكومة المقبلة بعيدا كل البعد عن شخص الحاكم , واكتساب جميع السلطات لشكلها القانوني وليس العكس من ذلك , وهو شخصنة الرئاسة والوزارة حسب أهواء ومزاج ومصالح , ولا تتحول الحكومة المقبلة إلى حكومة أحزاب كما كانت عليه السابقة عهدا, يهيمن عليها الأقوى اقتصاديا والأكثر نفوذا , والاهم هو ما تكسبه الحكومة من التقبل الاجتماعي من الشرائح المختلفة داخل كيان الدولة , ولا تصبح حارسا أمينا لأصحاب النفوذ والسلطة والمناصب والسرقات والجرائم , ومن ثم تنعكس سلبا وتصبح دولة استعباد المواطن وإذلاله . نحن لا نريد دولة العراق الإسلامية سواء كانت سنية أم شيعية ولا دولة قومية وعشائرية , بقدر ما يريدها الشعب العراقي دولة ديمقراطية ودولة تحرر في ذكرى أيام التحرير ..

 nelson_usa67@yahoo.com