بقلم - شيرين الغرابلي
نعيش فوضى تعريفات ومصطلحات على مدار أعوام ، يقودها بعض الإعلاميين غير المهنيين وبعض الصحفيين غير المحترفين ، فصائغ الأخبار الصحفية والبيانات الاعلامية لم يعد يكترث ولا يعتني باختيار المفردات اللغوية المُلائمة لتتسق وتتوافق مع حجم وتأثير الحدث -بعيدا عن التهوين أو التهويل أو التوظيف السياسي –ا لذي هو بصدد عرضه على الرأي العام .

ومُنذ مأساة حادث التحرش والتعدي بالاغتصاب والحرق وجرح الجسد وامتهان كرامة مواطنات مصريات في ميدان التحرير وفي ميادين أخرى ونحن نعيش ااستفزازا عاطفيا وشعوراً مُهيناً  فالجريمة التي حدثت عصفت بكياننا وبكرامتنا وبإنسانيتنا جميعاً كمصريين .

فما جاء بالفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي كان جريمة قتل مكتملة الأركان ، نعم قتل معنوي بسلاح امتهان الكرامة ، وليس مجرد واقعة تحرّش كما صيغت بالعناوين الإخبارية والتعليقات المصاحبة للفيديو المُشار إليه .

دعونا نعيد ضبط المصطلحات أولا ، فلا يوجد مصطلح" التحرش HARASSMENT" فى القانون المصرى فهو مصطلح وافد من الأدبيات الغربية ؛ فيٌعرّف قانون العقوبات المصري اربعة جرائم تغطى مفهوم التحرش : جريمة التعرض لانثى على وجه يخدش حياؤها فى الطريق العام ؛ وجريمة الفعل الفاضح العلنى او غير العلنى ؛ وجريمة هتك العرض بالقوة وجريمة الاغتصاب ولكل منها تعريفها ؛ وقد اصدر الرئيس المؤقت قبل أن يغادر منصبه  قانونا بتشديد العقوبات .

إذاً لا يصح أن يُقال لمغتصب بأنه مُتحرش ، ولا يصح أن يُقال لمُنتهك جسد أحداهن بأنه مُتحرش ، ولا يصح أن يُقال لمُتحرش خدش حياء أنثى بأنه مُغتصب ،هذا إذا كنا بصدد تطبيق القانون.

بالرغم من اشتراكهم جميعاً في صفة انعدام الأخلاق وكونهم مجرمين كلاً بحسب وصفه في حجم جريمته وفقاً للقانون  .
وإذا كُنّا بصدد مواجهة هذه الجرائم بل اختفاؤها من مجتمعنا الذي يمر بأدق مراحل عمره بعد ان تناوبت عليه هزّات عنيفة فاقت زلزال 1992، والحيلولة دون وقوع المزيد من ضحايا الاغتصاب وهتك العرض والتحرش في مجتمعنا

فلابد من التكاتف لإنقاذ أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم في مجتمع ، القهر والخوف والإهمال انجبوا فيه مرضى تحوّلوا إلى سفاحين ، يبحثون عن فريسة تنبؤهم بعد افتراس جسدها ونهشه وقتل أجمل ما فيها بأنهم لازالوا قادرين وليسوا عجزة .

لكن بالتأكيد ليس المتحرش أو المغتصب وحده هو من انتهك جسد بهيّة ، فله شركاء أكثر أجراماً منه .

-    تاجر المخدرات الذي ينشر بضاعته كالسرطان لينهش جسد هذه الأمة تحت مرأى ومسمع من الدولة .

-    تاجر البشر الذي يستأجر المجرمين للاعتداء على الفتيات والسيدات لأغراض سياسية ، ويقول لهم : هُن حلّ لكم لكونهم كافرات من وجهة نظره  .

-    جهاز العدالة الجنائية المنوط به تطبيق القانون وحماية المواطنيين ، الذي انصرف ولعقود طويلة عن تأمين الشعب لصالح تأمين النظام .

-    المجرم الذي يبرر للجاني فعله بقوله " هي من تريد ذلك ، لكونها ترتدي ما لا يغطي كامل جسدها " ، وهو يعلم ان الجريمة طالت حتى المنقبات والمحجبات والأطفال ، كما أنه لا يُعقل أن ترغب إحداهن في انتهاك جسدها المقدس رغماً عنها وبهذه الوحشية ، فهذا ضد الفطرة .

-    المجرم الذي لا ينتصر لأمرأة ينتهك عرضها أو يُخدش حياؤها أمامه وبدلاً من انقاذها يقوم بتصويرها أو التخلي عنها ويذهب لحال سبيله ، لا بل يعرض جسدها المنتهك على كافة شبكات التواصل الاجتماعي غير مهتم بما سوف تعانيه هذه المرأة في مجتمع يرى في المُطلقة فريسة سهلة فما بالكم بالمُغتصبة .

-    بشر النعام الذين يخجلون من تثقيف وتربية ابناؤهم جنسياً بدعوى الخجل او انهم تربوا هكذا ، فيتركون ابناؤهم فريسة مجتمع انهار اخلاقياً ليعلمهم كيف ينتهكون أو يُنتهكون .

-    الأسرة التي تقوم على تربية البنات وكأنهن عار ، او مواطنة منقوصة الاهلية ،يزرعون فيها الخوف مُنذ نعومة أظافرها إلى أن تصير فريسة في يد مُتحرش أو مُغتصب أو ربما زوج غير عادل أو لا يقل وحشية عن هذا أو ذاك ، وقد سمعنا جميعاً عن الزوج المجرم الذي اغتصب بناته الاطفال .

-    مراكز الشباب التى لا تقوم بدوّرها في الاهتمام بالنشئ .
 
مراكز الدراسات والابحاث الاجتماعية التى لا تصدر إحصائيات تدق بها ناقوس الخطر لحجم ونسبة الظواهر الاجتماعية التي تطرأ على هذا الوطن والتي لم تكن في يوم من الأيام جزءاً أصيلا من شخصيتنا المصرية .

-    منظومة الاعلام الرسمي التي تركت دورها في تقديم برامج التوعية وبرامج الاطفال والانفاق على حملات التوعية المجتمعية لتصبح بوقاً للنظام  .

-    مرفق الثقافة ودوره في الوصول الى المواطن المصري بكل السُبل والارتقاء بذوقه وحسه الجمالي .

-    المجالس القومية المتخصصة التي تحوّلت لمباني بدون برامج يلمسها ويشعر بأثرها  المواطن المصري .

-    كل مسئول في هذا الوطن اغتنم كرسي سلطة ولم يفعل شيئاً لصالح هذا الشعب ، بل ترك يد الإهمال تنال كافة مرافق الدولة  .

جميع هؤلاء اغتصبوا بهـــيّة  .