عمار علي حسن
فى خطابه الأول عقب أدائه اليمين الدستورية تحدث الرئيس عبدالفتاح السيسى بشكل جلى عن الدور المنتظر من المؤسسات الدينية فى المستقبل عطفا على رؤية تذهب إلى أن التدين الحقيقى يجب أن يتجاوز القشور ويتمسك بالجواهر، ولا يقتصر على الطقوس والعبادات إنما يمتد إلى المعاملات لأن «الدين المعاملة»، ويساعد فى تعزيز الجوانب القيمية والأخلاقية.
وضرب السيسى مثلا على ذلك بما قاله الإمام المستنير محمد عبده من أنه حين ذهب إلى أوروبا «وجد إسلاما بغير مسلمين».
وهذا التصور يفرض ضرورة وضع حزمة من السياسات لتعزيز دور الدين فى تحقيق «التماسك الاجتماعى» و«استعادة صحيح الدين» أو «تعميق فهم الإسلامى» وليس إقصاءه أو تنحيته أو محاربته، فهذا أمر غير ممكن وسيجابه بمقاومة شرسة، وهو أصلا غير مطروح ولا مطلوب، إلا فى الدعاية السياسية المضادة التى تقوم بها جماعة الإخوان وأتباعها فى محاولتها تصوير ما جرى بعد ثورة 30 يونيو على أنه صراع بين المدافعين عن الإسلام وأعدائه، وهو محض افتراء.
وهذا التعميق يجب أن يناط بالفقهاء المعتدلين من المسلمين، الذين يلقون قبولاً لدى الناس، ويعون مستجدات العصر، ولا يفرض من الخارج، فى شكل مطالب تنطوى إلى إجبار مبطن بتعديل مناهج التعليم الدينى، مثلما حدث قبل ثورة يناير حين تدخلت الولايات المتحدة بعد حدث 11 سبتمبر 2001 من أجل تغيير مضامين الدراسات الدينية فى مصر وغيرها. فاليد الخارجية ستجعل أى محاولة إصلاحية ينظر إليها جماهيرياً بشكل كبير، وهو ما يصب فى مصلحة الجماعات الدينية المتشددة، التى استغلت هذا بالفعل فى حملة مسعورة صورت السلطة على أنها تحابى الأمريكان على حساب الإسلام.
لكن السؤال الذى يطرح نفسه فى هذا المقام هو: كيف يستعيد الأزهر الدين من جماعات الإسلام السياسى؟، وفى الوقت نفسه ما هى إمكانات وعراقيل تفعيل دور الأزهر فى ظل انتشار هذه الجماعات فى داخل مؤسساته؟ وكيف يمكن للكنيسة أن تؤدى دورها أيضا بعيدا عن مزايدات متطرفين مسيحيين؟..
ابتداء فإن الأزهر قد مر طيلة التاريخ الحديث والمعاصر بمحاولات عدة لإصلاح أوضاعه وتحديث بنيته، سواء كانت إدارية تتعلق بهيكله ووضعه المالى أو التشريعات التى تحكم حركته، أم كانت تتعلق برؤيته الدينية ومناهجه التعليمية. وقد استوعب الأزهر الكثير من الأفكار الإصلاحية التى روج لها رواده على مدار قرن من الزمان، يبدأ من منتصف القرن التاسع عشر حتى منتصف القرن العشرين، إلا أنه لم يتخذ خطوات فارقة على هذا الدرب، نظرا لطغيان «السياسى» على «الدينى» و«الفكرى» معا عقب قيام ثورة يوليو 1952، بما جعل الخط البيانى فى إصلاح الأزهر يعلو ببطء لا يقارن أبدا بالقفزات التى كانت تحدث من قبل، حين شرع أنصار الليبرالية فى طبع بصماتهم على الرؤية الدينية، بما يمكنها من أن تلقى بغمارها تدريجيا فى الواقع المعيش، وتخرج من إسار الكتب القديمة، التى أنتجها الفقهاء فى عصور ولت.
وظنى أن هذه الرؤية الإصلاحية لا يمكن لها أن تتم قبل مراجعة الدور السياسى للأزهر، بما يقود إلى إبعاده عن الدخول فى الصراعات السياسية أو لعب دور سياسى مباشر، والعودة إلى تدريس العلوم الدينية فقط، بعد أن تشتت جهده فى تدريس كل العلوم كجامعة لا تختلف كثيرا عن الجامعات الحكومية فى مصر.
على الجانب الآخر، من الضرورى أن تنشغل الكنيسة بتجديد خطابها الذى جثمت عليه السياسة فى عهد البابا شنودة إلى حد كبير، حتى تم النظر إليه باعتباره زعيما سياسيا موازيا، ونظر البعض إلى الكنيسة على أنها دولة داخل الدولة. وفى حالة الأزهر والكنيسة معا مطلوب أن يعود اهتمامها إلى توظيف الدين فى قضايا الامتلاء الروحى والسمو الأخلاقى والنفع العام.
نقلآ عن المصري اليوم