عساسى عبد الحميد
إني ما زلت أتذكر الطفل يسوع مع أمه مريم بمدينتنا "بلبيـس"، فلطالما استظلا بتلك الشجرة عند مدخل المدينة، ولطالما اصطحب الطفل أمه لنبع بئر قريب وهو ممسك بأهداب ثوبها وكان بهدوئه ونظراته يثير انتباه النسوة فتشرن إليه بأصابعهن كابن ملك خارج لتوه من حديقة القصر بينما كان هو يوزع الابتسامة والنظرات على الجميع
كانت مريم تحدث نسوة بـلبيس عن بلدتها الناصرة وعن شوقها الجارف للعودة وتحدثهن كذلك عن هيكل عظيم بالمدينة المقدسة و عن اله رحيم يحب كل الخليقة وقصصا أخرى عن ملوك و أنبياء اسرائيل .
سمعت في الآونة الأخيرة أهالي المدينة يتحدثون عن قدوم حكيم يدعى مرقس جاء من أورشليم ليبشر المصريين باله جديد وبنبي قام في اليهودية يدعى يسوع الناصري يقول عن نفسه أنه هو الطريق والحق والحياة، و أنه يغلب الشر ويقهر الموت بقوة الروح.
نعم ما زالت صورة الطفل يسوع ماثلة أمام عيني كما البارحة عندما رأيته ذات صبيحة عند نبع تلك البئر وهو يبلل يديه ورجليه بمياهه ويهب نحو أمه فتعانقه، انتابني شعور بالهيبة وأنا أمر من أمام مريم وابنها فقد كانت كمن تعانق الدنيا بكاملها وكمن تقبل نور الصباح بشفتين ملتهبتين، التفتت مريم نحوي وقالت: غدا سنرحل عن مصر يا سيرينا، نعم سنرحل وسنترك بين ربوعها قطعة من القلب وحفنة من الروح وذكرى طفلي يسوع الذي أحب هذه الربوع، فلتحل عليك بركة السماء يا سيرينا وليبارك الرب شعب مصر
في تلك الصبيحة رأيت كأن كل آلهة مصر تسجد لمريم وللطفل يسوع، فقد كان نور عينيها فريدا وكذالك كانت خطواتها على أرض مصر .... ولحد الساعة ينتابني شعور غريب بأن مريم النورانية لم تغادرنا بعد بل مازالت على أبواب سيناء تلتفت إلى الوراء و تذرف دمعة حارة وترفع يدها المباركة قي اتجاهنا جميعا .
يقولون أن تعاليم يسوع لم تعجب حماة الشريعة ولا ولاة هرقل فحسبوه عدوا لليهودية ولروما ولهذا قاموا بصلبه، هم لا يعلمون أن قلاعه ستعانق زرقة السماء أكثر فأكثر وأن معسكره سيتقوى بجنود من كل الأمم، سيحاربون معه بقوة الروح و سيحطمون صروح الأعداء بالكلمة الحية، سيجتاز جيشه سيناء ليبشر العالم كله بتعاليم يسوع، نعم يسوع الذي شرب ذات مرة من نبع بلـبـيس واستظل بتلك الشجرة مع أمه القديسة التي ستظل أنـوارهـا معنا إلى الأبد لتسطع فوق قبابنا وأبنية منازلنا ولتبارك مصر وشعب مصر.