كتب : سليمان شفيق
ما هى المطالب السياسية العاجلة من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وكيف يمكن بناء تحالف وطنى واسع وإعادة ترميم العلاقة مع القوى الثورية التى تعترف بثورتى يناير ويونيو؟، هى مطالب تحددها خريطة التصويت فى ، التى ابدأ بالتركيز عليها كما شاهدتها كمقدمة لما يفترض أن يتجه إليه الرئيس من إجراءات.
من اليومين الأخيرين فى الحملة الانتخابية.. وصولا لإغلاق الصناديق والفرز، مرورا بالعملية الانتخابية، والتصويت، أسبوع كامل، تابعت العملية الانتخابية فى محافظات وسط الصعيد «الفيوم، بنى سويف، المنيا، أسيوط» ليس بعين المراقب الذى يبحث عن الانتهاكات والتجاوزات.. ولكن بعين الباحث والمحلل السياسى الذى يدرك أن تلك المناطق من أهم المناطق فى مصر لمن يريد أن يختبر مراكز القوى الحقيقية بين المشروع المدنى والمشروع الإخوانى «الإسلامى»، كذلك يمكن إدراك ماهية الكتل الاجتماعية والأطر السياسية للمشروع الوطنى والمشروع المتأسلم.
طوال الأسبوع تجولت فى تلك المحافظات مرتين، الأولى فى الدعاية والثانية فى التصويت، وتقريبا تابعت التصويت فى أغلب مناطق وقرى المنيا خاصة الجنوبية منها «أبوقرقاص، ملوى، ديرمواس» التى شهدت من قبل تحريرها مما يشبه الاحتلال الإخوانى بقبضة الجماعة الإسلامية.
بين دعاية المباركيين وصمت الإسلاميين:
بذل أنصار الحزب الوطنى المنحل جهودا حثيثة للظهور بشكل مبالغ فيه على أن حملات المشير السيسى تحت سيطرتهم «%70 من الحملات الرسمية فى تلك المحافظات كانت من قيادات الوطنى المنحل، والمنيا كان مسؤول الحملة أمين شباب الوطنى السابق».
على الجانب الآخر لم يظهر الإخوة السلفيون ولو بمسيرة أو مؤتمر مؤثر فى تلك المحافظات، وربما يعود ذاك لضعف تواجدهم من جهة، وخشيتهم من الإخوان والجماعة الإسلامية من جهة أخرى.
الأحزاب المدنية «باستثناء مؤتمر عقده السياسى مجدى ملك فى سمالوط» جميع المؤتمرات اعتمدت على ضيوف من القاهرة، ولم نشهد حضورا مؤثرا للحزبين: «المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى».
فى نفس التوقيت كان تكتيك الإخوان والجماعة هو المرور على منازل الأعضاء والأنصار والدعوة للمقاطعة، ووقف الصدامات مع الأمن، واختفاء معظم القيادات الوسيطة، والمراقبة من بعيد.
بذلت أجهزة الأمن والأجهزة السيادية جهودا عظيمة وغير مبالغ فيها فى حماية العملية الانتخابية من الدعاية وحتى الفرز.
عند التصويت كل شىء انكشف وبان!
النصف الأول من اليوم الأول خرج %40 تقريبا من المواطنين المصريين الأقباط والنساء والفقراء، وفى النصف الثانى خرجت الطبقة الوسطى، وفى اليوم الثانى نظرا لحرارة الشمس، واختفاء الفلول ورجال الأعمال ورؤوس العائلات فى القرى بشكل ملفت للنظر كادت أن تفشل العملية الانتخابية، حتى أن أحد النواب «الأقباط» كان فى إحدى الفضائيات بالقاهرة يشيد بثورة 30 يونيو، وثلاثة نواب سابقين محسوبين على القوى المدنية لم أشاهدهم فى أى من مظاهر الحشد، وهنا ماتت السياسة، وصدق أو لا تصدق %20 على الأقل من لجان تلك المحافظات لم يكن بها أصلا مندوبون لا للسيسى ولا لحمدين!! وإن كان غياب مندوبى حمدين مفهوما إلا أن غياب مندوبى السيسى جزء من المناورة الكبرى لأنصار النظام السابق.
إلا أن القوى الجديدة التى لم تكتشف بعد خرجت عن بكرة أبيها بعد الشعور بالخوف، وبدون توجيه من أحد مثل:
أولا: الفئات الوسطى: أعتقد أن ما حدث غير مسبوق فى العالم «غرف العمليات المنزلية العائلية» وكأننا فى العصر «الأمومى» الأم تحضر الشمسيات والمياه المثلجة وأغطية الرأس، وتأمر الجميع بالنزول.
لجان الأحياء العفوية الانتخابية: بعد أن تنتهى الأمهات من المهام العائلية تتواصل مع نظيراتها فى الحى، فيخرج من لم يخرج والباقى يطوف الحى على الأقدام أو بالسيارات بالأناشيد الوطنية.
ثانيا الفقراء: معظم الفقراء صوتوا بحكم الغريزة الوطنية والجزء المتبقى صوت خوفا من الغرامة فتجمعوا وذهبوا إلى اللجان بكثافة.
ثالثا المواطنون المصريون الأقباط: الجديد أن الكنيسة فى تلك المحافظات دعت المواطنين إلى المشاركة فقط ولم توجههم لمرشح بعينه، ولكنى شاهدت بأم عينى «الخادم الوطنى» يجوب قريته منزلا منزلا لإنزال المصوتين وهنا لابد أن أذكر أسماء بعينها كشهادة للتاريخ «مجدى ملك، مينا ناجى، نادى كستور، مايكل كستور، عماد عبيد، عادل ملك، جون بشرى، غادة نبيل، كريستين نجيب، جون جميل، ويوسف شفيق ووجيه شكرى، وكيرلس مجدى، وجون ميلاد، وأشرف رمسيس وآخرون» كانوا بصحبة أشقائهم المسلمين مثل أيمن عبدالعظيم يتحركون للحشد للتصويت لأى من المرشحين فى صمت ودون ضجيج علما بأنهم جميعا قيادات حزبية «أغلبهم فى المصرى الديمقراطى» إلا أنهم كانوا يتحركون كقيادات نقابية ومدنية.
رابعا: فى اليومين الأول والثانى كانت مقار معظم أحزاب «جبهة مصر بلدى» والأحزاب المدنية الأخرى مغلقة، بشهادة المراسلين الأجانب الذين بحثوا عن السياسيين ولم يجدوهم، وبشهادة المسؤولين المحليين ما يسمى بـ«الحملات الرسمية» للمرشح السيسى فى تلك الأماكن فشلت فشلا ذريعا.
الشعب هو الباقى حيا:
كان لابد أن نشرح تلك الظواهر الجديدة للرئيس الجديد لأن ما يسمى بالحملات الرسمية الفاشلة، والمنتفعين الذين اختفوا من الصعيد إما فى الفضائيات، أو فى المنتجعات بعد أن سجلوا أروع أنواع الزفة لإثبات الحضور، لم يبذلوا أى جهد لا معك ولا مع حمدين ولا ضدكما، حتى أن أحد الصحفيين من الذين يرددون أنهم من الحملة الرسمية للسيسى جاء للمنيا ونزل فى فندق فخم وكان يبحث عمن يرافقه للتجول فى المدينة، إذا كان الرجل من الحملة الرسمية، فلماذا لم تستقبله الحملة أو أى من النشطاء؟، ولماذا قدم من القاهرة أصلا؟ وآخر فى «جليطة» غير مسؤولة يحاول أن يتصل بالكنيسة لعمل توكيلات، وبالطبع أخبرته الكنيسة أن ذلك من عمل الحملات الانتخابية وليس للكنيسة «أيضا فى المنيا»، هؤلاء جميعا سوف تجدهم فى أول المطبلاتية وطالبى المقاعد البرلمانية والوزارية.
مطالب من الرئيس بعيدا عن التدليس:
أولا: تنظيم القوى الاجتماعية الجديدة فى صيغ مبتكرة «قاعدية، فئوية، نقابية»، وليست حزبية وهم «الطبقة الوسطى من المهنيين وصغار ومتوسطى رجال الأعمال» وهؤلاء يحتاجون اتحادات جديدة ومبتكرة غير الأشكال التقليدية.
ثانيا فقراء المدن، وفقراء ومتوسطو الفلاحين: إعادة النظر فى الحركة التعاونية بمجملها والاستعانة بالأستاذ حمدين صباحى وبرنامجه فى هذا الشأن وأيضا فى تحقيق العدالة الاجتماعية.
ثالثا: إعادة النظر فى التنظيمات النسائية، لأن النساء والأمهات اللاتى تحركن فى «غرف عمليات المنازل» لا يعرفن شيئا عن تنظيمات «الهوانم» مع تقديرى لهن، وأقترح اتحادا نسائيا للنسوة المعيلات.
رابعا: تحقيق المواطنة الكاملة وإلغاء القوانين التى تميز ضد المواطنين المصريين الأقباط، وإشراف رئاسى على مشاريع القوانين الجديدة «الأحوال الشخصية لغير المسلمين، وبناء دور العبادة، وإنجاز ما وعدتم به فى إعادة ترميم وبناء الكنائس التى احترقت، ودفع التكلفة الكاملة من الدولة عن ذلك، وتعويض المضارين فى ممتلكاتهم واعتبار ضحاياهم من شهداء الثورة، وبدون حرج بعيدا عن التوازنات مع «السلفيين».
خامسا: حل الأحزاب الدينية، وإعادة توفيقها لأوضاعها لأنه لا يشرفك كفارس وقائد عسكرى أن يكون من ضمن القيادات من هم يرفضون تحية العلم «بصراحة عيب ياريس».
سادسا: المصالحة الوطنية مع الشباب والحركات الثورية من الذين كانوا يشكلون قيادات مهمة من معسكر 30 يونيو، ويسبق ويمهد لذلك أن توجه التحية لحملة المنافس حمدين صباحى وأن تدعوه للشراكة الوطنية، التى دعاك هو إليها من قبل.
سابعا: ضمان نظام انتخابى يسمح على الأقل بتمثيل عادل لمن وصلوا بكم إلى القصر الرئاسى بعيدا عن سيطرة الأحزاب التى هربت من المعركة، أو الذين يرقدون فى الفضائيات، أو الذين يحتلون الصفوف الأولى فى الكاتدرائية بالأعياد، ولكن من هؤلاء الفقراء والطبقة الوسطى وهوانم الحوارى والنجوع والأقباط الوطنيين غير المعروفين فى الإعلام والمقاعد الأولى، وأعتقد على الأقل الأجهزة السيادية تعرف هؤلاء فى تلك المحافظات جيدا.
لجميع هؤلاء الأبطال وللشرطة وللقوات المسلحة ولجنود مجهولين من مسؤولين لا تذكر أسماؤهم أحنى هامتى، لأنه يا سيادة الرئيس ليس بأصوات الناخبين وحدها ينجح الرؤساء، أقول قولى هذا وأستغفر الله لى ولك ولحمدين صباحى وللسلفيين والفلول والشباب، اللهم أنى قد بلغت، اللهم فاشهد.