بالفيديو.. مبارك يبكي بعد ظهوره للمرة الأولى بالبدلة الزرقاء في جلسة محاكمة القرن"، رصدت عدسات عدد من الصحف ووسائل الإعلام دموع مبارك داخل القفص، نظرات العجز والهوان المختلطة بالقهر والخزي، وتبارت الصحف في نشر الفيديو للحصول على أعلى عدد لايكات وكليكات تزيد من إحصائية الجريدة أو الموقع وفق الحسابات التقنية للإنترنت.

لم ينتهي المشهد عند دموع "مبارك" بل يذهب ليكتمل بالتعليقات ما بين مؤيد ومعارض، وكعادة ما وصلت إليه جميع نقاشاتنا بأخر ثلاث سنوات، لا تخلو التعليقات من شماتة أو شتيمة وسب، أو لا تخلو من لغة عواطف ومشاعر تسيطر على الموقف والتعليق عليه.

وكلاً منا كفريقين يعتقد إنه يملك وحده الحقيقة المطلقة والحق الأعلى، بالإضافة بالطبع إلى الفريق الثالث الذي يعتمد دومًا على دس السم في العسل من خلال خلط الحقائق والأمور وإعتماد إخفاء هويته الفكرية وأيدلوجيته الحقيقية، ليتمكن من بث سمومه في سهولة ويسر على أن يتلقاها المتلقي دون عناء من الطرفين سواء في قيام الطرف الأول بمحاولة الإقناع أو الطرف الآخر في التفنيد. ولِما لا طالما تم تغليفها في ثوب وطني ذو طعم لذيذ مستساغ؟

دعونا نختلف دون مشاعر شامتة أو متعاطفة ومشفقة –وإن كنت لا أخفيكم سرًا أتعاطف مع المشهد- ، وبعيدًا عن كونه رئيس سابق لأكبر دولة بالشرق الأوسط، لكن لننظر إليه كرجل في خاتمة رحلة الحياة لم يعد يملك عليها إلا القليل من الأيام أو السنون.

دعونا نجعل الموضوعية بقدر المستطاع هي سيدة المشهد، مبارك فاسد وخرب البلد 30 سنة بل جعل الفساد في الدولة مؤسسي؟ بدايةً ألا ترى معي قارئي الكريم إنها تهمة واسعة فضفاضة حمالة أوجه؟ وهل مبارك هذا سوبر مان أو حتى سبايدر مان حتى يتمكن وحده كفرد من جعل الفساد مؤسسي في دولة بحجم مصر؟ الفاسد لا يمكنه أن ينشر الفساد هكذا وحده حتى ولو كان ذو قوة خارقة للطبيعة، فهو يحتاج لمن يساند هذا الفساد وأخر يدعمه وينميه، وثالث يتستر عليه ورابع يساعده على الانتشار وخامس يمكنه من الوصول لكافة مفاصل الدولة وسادس يهيء له الأجواء للنمو والتوغل وسابع وثامن وعاشر.. إذًا عزيزي القارئ أو بالأجدى عزيزي المواطن دعنا نخلع عنا ثوب الطهر والملائكية والمفعول به، فيا عزيزي كلنا فاسدون، يا عزيزي كلنا مخطأون.

إضافة إلى إنه أي دولة فاسدة هذه تتمكن من الصمود ثلاث سنوات عجاف حدث بها استنزاف إقتصادي وأمني، ومهلهة من جميع أطرافها اقتصاد وسياحة وبورصة وحدود وغذاء وموارد قليلة وتزايد الديون الداخلية والخارجية وإستخدام من المخزون القومي؟ عن أي فساد إذًا نتحدث؟

ويقول آخر مبارك هو من مكّن الإخوان والسلفيين، لا شك أن مبارك أرتكب بعض الأخطاء في التعامل مع الملف الأمني والقبطي وتيار الإسلام السياسي ولكن من المجحف أن نُلقي على عاتقه كل وزر تيار الإسلام السياسي، لسببين:

أولهما: 

من الأولىَ والأجدى محاسبة الرئيس الراحل السادات باعتباره من أخرجهم من جحورهم وأضفى عليهم شرعية لمحاربة الناصريين واليساريين وأطلقهم على الشعب ومنذ ذلك الحين بدأ وجه مصر يتغير وتحجبت مصر!

ثانيهما: 

لننظر للمشهد العالمي والإقليمي ونرى سرطان الإسلام السياسي وما فعله بدول عربية من حولنا وكم الضحايا التي خلفها وراءه؟! وكان لنا نفس المصير لولا الله أولاً ورجال مصر الوطنين المخلصين لتراب هذا الوطن ثانيًا.

ختامًا: عدل الله رحيم، والعدل والرحمة لا ينفصلان ولا يناقض أحدهما الآخر، فلنكن عادلين رحماء بما يليق بعمره وخدمته لهذا الوطن ومشاركته في ثلاث حروب.. اخطأ مبارك نعم، ولكن اخطأنا جميعًا ولا يستثنى منا أحد، ولندع الحكم للتاريخ كما سبق وقالها مبارك في خطابه الأخير، فالتاريخ سيقوم بسرد الحقائق دون مشاعر، سيذكر الإنجازات كما سيذكر الإخفاقات.ش