مدحت بشاي
فى تاريخ السينما المصرية، يُذكر للمخرج الكبير عاطف سالم أنه خير من تعامل مع مواهب الأطفال؛ لأنه ببساطة نجح فى وضعهم بنجاح فى أجواء اللحظة (باتباع كل السبل النفسية والإنسانية والمهنية)، فبات أداء الطفل وكأنه من إبداعاته الخاصة، فكان أن ظفر بهذا القدر الهائل من النجاح فى رؤيته الواقعية لحال الأسرة المصرية، (الحفيد) مثالاً.
ولكن أطفال المخرجة السينمائية الشابة الرائعة ساندرا نشأوا فى ثلاثية أفلامها القصيرة الأخيرة (بتركيباتهم الاجتماعية والطبقية، من أبناء الريف والمدينة والعشوائيات)، وقدمت بهم وبأهاليهم وناسهم رؤية جديدة للمواطن المصرى على حالة الفابريكة الإنسانية الأصلية، بشكل تلقائى مباشر حميم مع متلقى عملها، فصدقنا كل الذى قالته.
فى أعمال ساندرا، كان لتقديم الواقع المصرى (وكأنك تراه وتعيشه للمرة الأولى) الأثر الأروع للتواصل مع وجدان ومشاعر المتلقى، فقد لاحقت كاميرا ساندرا اللاهثة شخوص أبطال عملها فى كل الأحوال بإيقاع عبقرى حى، وبعد 30 ساعة عمل شوارعية بطول البلاد وعرضها كانت الخيارات الذهبية لها من بين ذلك الحصاد الوفير ذكية ورائعة.. لقد ألقت صنارتها فى يم النفس البشرية فكان صيدها الثمين.
لقد كانت «ساندرا» مهمومة كمصرية باللحظة الوطنية الآنية لإبداع عمل توجز فيه للرئيس القادم فى 9 دقائق فقط أحلام الناس البسيطة بصدق واحترام لمشاعرهم وظروفهم، كما كان لفيلمها الأخير «بحلم» منظور آخر لتقديم رسالة إعلامية « بنار الفرن» طازجة (قالت ساندرا: لم نترك قرية إلا ودخلناها ولا نجعاً مهماً إلا وحاورنا ناسه فكانت تلك قفشاتهم ومقولاتهم خفيفة الظل وأحلامهم المصرية التى أجمعت فى غالبها على طلب نعمة « الستر» فقط).
وعلى الجانب الآخر كانت فضائيات مصر تتبارى لإعداد استديوهات جديدة أنيقة لتقديم برامج سهرة استثماراً للحالة الانتخابية بعناوين مختلفة تتوسطها كلمة «الرئيس».
ما علينا، لكن المفاجأة أن دول وضيوفهم، وبمجرد بدء فتح اللجان أبوابها، تشارك الجميع فى النباح بدعوى تشجيع الناس على المشاركة عبر ترويج فكرة أن اللجان فاضية (كذباً)، وبحماس يصل إلى حد تذكيرنا بمقولة الفنان الراحل فؤاد المهندس «على صرخة واحدة ماخدوش يا بابا.. ما خدوش يا بابا»، فى تباك يصل لحد النحيب على خيبة أملهم فى شعبنا اللى ساب اللجان فاضية فى مشهد إعلامى بالغ السوء، ولا يدرون أنهم يصدرون رسالة عكسية سلبية لا تفيد إلا أعداء تواصل نجاح إنجاز خارطة المستقبل..
إنه تكرار لنفس مشهد فضائيات الخيابة عقب أحداث مباراة الفريق القومى مع فريق الجزائر وبكائيات النحيب على أولادنا هناك وطلب إغاثتهم من جانب كل القوى المحبة لكرة القدم والسلام العالمى، ويذكرنا بإعلام أسامة هيكل ومذيعته رشا مجدى وهى تستغيث بأهالى بولاق أبوالعلا لإنقاذ جيش البلاد العظيم من اعتداءات أقباط مصر، فاستجاب نشامى الحى لنجدة الجيش فى إهانة لجيش مصر وتحريض الناس ضد الأقباط بدلاً من مساهمة الإعلام فى الدفاع عن قضاياهم ومشاركتهم همومهم التاريخية!!
إن جهل هؤلاء بأن من أعظم إنجازات ثورة 30 يونيو يتمثل فى تحقيق استقلال القرار الوطنى، وعليه فإن بكائيات الفضائيات ومفكرى السبوبة على شماتة الأمريكان فينا، وفرحة البعدا أهل الفرنجة لما يشوفوا اللجان فاضية- مصيبة ما بعدها مصيبة، حكاية رذيلة تشارك فى نشرها نخبة من الأغبياء!!
ولّا حكاية التأكيد كمان على ضرورة أن يكون للرئيس الظهير الشعبى الكبير.. أظن عبدالناصر صنع ظهيره الشعبى بإنجازاته رغم توليه أمر البلاد بعد محمد نجيب، صاحب الشعبية الهائلة، وكذا الأمر مع السادات المرفوض آنئذ شعبياً بعد زعيم له كاريزما طاغية، فصاغ صفحات جديدة مجيدة أتت له بظهير شعبى ووطنى هائل.
وبافتكاسة إعلامية يحدثوننا حول ضرورة أن يكون الرئيس الفائز منتصراً على منافسه بفارق كبير.. ليه يا إعلام الغباوة؟، ألا تدرون أن الفارق البسيط هو فى النهاية شهادة رائعة لعملية الانتخابات ونزاهتها بعد إشاعة أن النتيجة محسومة؟!!!.. الناس فرحانة بجيشها وشرطتها وانتخاباتها وأنتم تنعقون كالبوم فى سماء دنيا جديدة تمثل «بشرة خير» ليه؟!.. أقول إيه، براوة عليك يا «ساندرا» الأمل والحب، ومنكم لله يا إعلام ونخبة النكد والفشل.