بقلم: شفيق بطرس
تذكرت الفنان المطرب شفيق جلال (شفشق) كما كانوا يطلقون عليه، وهو يمسح خاتمه الذي يلتف حول صباعه الصغير ليده اليمنى ويتحفنا بأغانيه التي كانت تخرج من قلبه وطراطيف أنفه، فكان شفشق (أخنفاً) وهو يصهلل ويقول شيخ البلد.. خَلَّف وَلَد.. إلى أن يصل للمطلوب وهو.. الليلة دي من غير عَزومَه نِتعَزَم.. يعني رايح رايح حتى لو مش هايتعزم، وتقريباً لأن شيخ البلد لما خَلَف ولد هايعمل ما لذ وطاب ويفتّ الفتة المعمرة بهُبر اللحمة وخلافه.. فكيف تفوته ليلة زي دي؟... ويكون بالطبع من غير عَزومه يتعَزَم.
وتخيلت عزومة شيخ البلد الذي يحتفل بمولوده ويتجمع جميع الأحباء حوله من أجل هدف واحد فقط وهو حبهم لشيخ البلد يوجب عليهم التواجد لمشاركته، رجعت أكثر بالذاكرة إلى أن وصلت عبر تسعة أجيال كاملة من تسعين سنة بالتمام والكمال إلى أن نصل إلى ثورة 1919 حيث خرج جميع شعب مصر ليكونوا في حضرة حب مصر، ومَن شدهم يومها رغم رصاص الإنجليز وقهر الإستعمار وبطش عساكرهم المتواجدون في كل شارع وكل حارة من شوارع وحواري القاهرة لكن خرج الجميع يدفعهم حب مصر، وشيخ البلد كان سعد زغلول وقتها، اندفع الجميع للمشاركة والتعبير عن حبهم للغالية مصر، وتغنى الجميع بلادي بلادي بلادي لكِ حُبي وفؤادي، لم يفكر المسلم أن بجانبه مسيحي ولم يفكر المسيحي أن من يمسك يده بقوة جاره المسلم، كلهم خرجوا ليعبروا عن حبهم للغالية مصر ولا شيء يفكرون فيه سوى مصر، انتقل القس إلى الأزهر والشيخ إلى الكنيسه ورفعوا شعار الحب الوطني الهلال مع الصليب في حب مصر، لم يهتم الرأسمالي بأفكار الشيوعي ولم يهتم الماركسي بفكر الغربي ولم يعكر اليساري دماغه بأن اليميني بجواره، الكل له فكره وتوجهاته وأيديولوجياته ولكن يجمعهم هم واحد وهدف واحد وحب واحد ألا وهو حب مصر الأم الغاليه والحضن الكبير الدافئ الذي يجمع الجميع في أرض واحدة وتحت سماء واحدة.
تذكرت كل هذا وصورة الدماء المصرية تختلط بعضها ببعض، دم يساري أم دماء يميني مسلماً كان أم مسيحياً كلهم مصريون وسفكوا دمائهم في حب مصر، تسعون سنة مضت وما زال منا من يتخوف من التواجد في مسيرة تدعو لحب مصر لأن من يجاوره يختلف معه في الفكر أو العقيده أو التوجه السياسي، تسعون عاماً مضت ولم نعي الدرس، تسعون عاماً مضت وما زلنا نتخوف ونقول من يَدعو إلى إضراب ستة إبريل ومن وراءهم ومن يؤازرهم ومن يعضدهم.
إسمحوا لي يا أحبائي أنا لست معكم في هذا الطرح، من ينظر للهدف ويجده هدف أسمى من أن نتخاذل ونتقاعس ونتجنبه سيكون مخطئاً تماماً، إذا كان الهدف هو أن يشعر النظام بأن في مصر النبض السياسي وأن الشعب يرفض الفساد ويرفض الديكتاتورية ويريدها حرية وديموقراطية حقة لا فساد فيها ولا سوس ينخر في عظامها، نريد أن يشعر النظام أن شباب وشعب هذه الأمة ما زال حياً لم يمت بَعد، لقد هزم الزعيم الهندي غاندي بالعصيان المدني أكبر وأعتى الأمبراطوريات في وقتها، الإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس وقتها بجحافلها وجيوشها، هزم غاندي الإنجليز بعصاه وبدون طلقة رصاص واحدة، ونحن نستكثر وقفة مع النظام ونخاف من تدعيم وتعضيد الإضراب المدني.
مع احترامي لكل الآراء والأفكار أرى يا أحبائي أن حب مصر الغالية هو الذي يدفعنا كلنا أن نغني مع (شفشق) ونقول: الليلة دي من غير عَزومه نِتعَزَم، لأن المحبوبة غالية جداً وهي (مصر).
مش كده ولا إيه...
شفيق بطرس