بقلم: مينا نبيل فرنسيس
قرأتُ في السنوات بل الأيام الأخيرة، أخبارًا عجيبة لحوادثَ أعجب، عن أشخاص من مجتمعنا المبجل ارتكبوا جرائمَ فظة بحق أمهاتهم، فهذا يُجبر والدته على إلقاء نفسها من شرفة المنزل بالدور الرابع أو الخامس، وهذا يقوم بسكب البنزين على جسدها وإشعال النيران بها، وهذا يقوم بذبح والدته لأنها رفضت إعطائه مالاً، وهذا.. وهذا .. وهذا.. أعلم بالطبع أن تلك الجرائمَ لا تمثل نظرة مجتمعنا للأم، ولكن كثيرين يُسيئون للأم بأشكالٍ عدة، سواءً بالقول أو الفعل، أو الجحود والإجحاف.
ولهؤلاء أقول.. إن من يجرح قلب أمه ويُسيء إليها، إنما يجرح قلب الله الأبوي، ويُسيء إليه..
إن كل فتاة تولد وتولد معها تلك الغريزة العجيبة، التي تتملك على كيانها ووجدانها، فتصير أسيرة لها، غريزة الأمومة، وإذ تتزوج وتنجب، فكأن مستوى جديدًا عميقًا مدهشًا من العطاء والرحمة والحب والإنسانية يولد مع ولادة الطفل الجديد، فيأخذ وليدها نور عينيها، ودلالها، وحنانها، وطاقة أمومتها التي طالما حلمت بها، للدرجة التي معها يشعر بعض الأزواج بالغيرة من انتقال كل الحب والاهتمام للمولود الجديد!!
والسر في هذه المملكة الرائعة الأجواء.. هو البساطة، بساطة مشاعر الأم وعفويتها، ولكن في الوقت ذاته قوتها، فإن قست عليك أمك، هذا لأنها أكثر من أي بشر على وجه المسكونة يخشى عليك، فدعونا لا نكون حمقى، فنكون كمن يعرف قيمة الجوهرة اللامعة التي بين يديه، لكن بعد أن يفقدها..
وهنا تحضرني عبارة سمعتها من أحد أصدقائي أثناء تأديتنا لفترة الخدمة العسكرية، ومعروفٌ عن الجندية المصرية مدى شديتها وصرامتها وانضباطها المتناهي، فكان انتقالنا المفاجيء من الحياة المدنية للحياة العسكرية أمرًا شديد الوعورة علينا، فقال لي صديقي بالحرف الواحد، وأقسمُ أن الدموع كانت محتبسة بعينيه: "لما أنزل أجازة، أول حاجة هعملها، إني أوطي على إيد أمي ورجلها أبوسها، وأقلها سامحيني مكنتش مقدر النعمة اللي أنا فيها".. وأعتقد أن تلك الجملة لخصت كل ما أريد قوله..
ففي هذه الأثناء وفي هذه الأجواء الاحتفالية بعيد الأم، أدعو كل من أدمى قلب أمه، أو قسى عليها، أو تناسى عطاءها غير الموصوف، أن يراجع نفسه، ولا يبكي على النعمة بعد زوالها، صدقوني الأمومة أكبر بكثير من أن نتحدث عنها بأجل الكلمات.. وهذي تحياتي لكل أم في مجتمعنا الذي أصبح يُعاني اختلالاً كبيرًا في مفاهيمه ودرجة تقدره لمن أحبونا..
فيا أمي..
فيا أمي وأمَ كلِّ إنسانٍ على برِ هذا الوجود..
بحقِ ربي المعبود..
اغفري واصفحي عن أي جُرمٍ وإهانة..
أنتِ معنى الأمانة..
أنتِ حقا فنانة..
وأمومتُكِ لوحةٌ سماوية.. أثمنُ من كل إبداعٍ أو تصوير..
أنتِ النورُ والتنوير
أنتِ وطنُ الحبِ لمنْ بلا مأوى أو وطن..
عند قدميكِ يستحيلُ الحزنُ والشجن..
إلى فرحٍ غزير.. وشوقٍ كبير..
عفوًا أمي.. امتناني عجزَ عنه التعبير..
أحبُكِ أمي..