عمرو الشوبكي
ليس عيباً أن تصوِّت لحمدين صباحى حتى لو كنت مقتنعاً بداخلك أنه سيخسر معركة انتخابات الرئاسة، فهذا يعنى أن لديك مبدأً، وأنك مقتنع بموقفك، ليس حباً فى سلطة لن تأتى ولا فى مرشح تؤيده نفاقاً لأنه سيصبح الرئيس القادم.
البعض يعتبر التصويت لحمدين صباحى عيباً أو خطيئة أو انتقاصاً من الوطنية، ولا يعرف معنى أن يُختزل البلد فى لون واحد وحزب واحد ورئيس واحد مهما كان إخلاصه ووطنيته، الاختلاف مع حمدين أمر مشروع، وعدم تأييده أمر عبَّر عنه مئات الآلاف من المصريين فى الخارج، وسيعبر عنه ملايين المصريين فى الداخل حين يصوتون فى أغلبيتهم الكبيرة لصالح المرشح المنافس.
من حق ملايين المصريين ألا يؤيدوا حمدين صباحى، ومن حق الكثيرين أن يواجهوا مشروعه الفكرى والسياسى، ولكن ليس من حقهم أن يشتموه ويكيلوا له الاتهامات، ليس بسبب أنهم يختلفون معه، ولكن لشعورهم بأنه «الحيطة المايلة» التى ليس وراءها قوات مسلحة ولا دولة يخافون منها.
أسوأ ما فى مجموعات الانتهازيين الذين اعتبروا أن حربهم المقدسة ليست فى نجاح السيسى إنما فى شتم حمدين، أنهم من النوعية التى أساءت للأخير ليس بسبب خلافهم معه ولا رفضاً لتوجهاته، إنما لأنه بعيد عن السلطة وعن الدولة وليس ابن المؤسسة الأقوى فى مصر (أى الجيش)، ونافقوا منافسه ليس عن قناعة مثل ملايين المصريين البسطاء إنما لأنه ابن الدولة القادم من خلفية عسكرية، وهو أيضاً الرئيس القادم.
لقد تعاملوا باستعلاء مع صباحى وأهانوه وشتموه ليس كراهية فى برنامجه ولا فى شخصه، إنما شعوراً منهم بأن وراءه «شوية شباب» و«ناس غلابة»، ولا يمثل سلطة الدولة، وبالتالى يجب إهانته وسبّه، لأن سنده فقط قطاع من الناس.
نفاقهم للسيسى ليس له علاقة بأن هناك ملايين من هؤلاء الغلابة يقفون وراءه عن قناعة، إنما فقط لأنه الرئيس القادم، وإذا لم يكن الرئيس القادم فإنه رجل الدولة وابن المؤسسة العسكرية، وليس لهم علاقة بأنه أيضاً ابن الشعب وابن 30 يونيو.
لا أعرف سبب تطوعك فى أن تسبَّ وتهين مرشحاً منافساً دون أى سبب موضوعى، فأنت لا تقرأ برامج المرشحين، ولا تعرف معنى الخلاف حول البرامج والرؤى السياسية، إنما تعرف فقط من هو الحاكم ومن هو الرئيس لتنافقه وتتطوع فى سبِّ منافسيه.
نعم، خسارة صباحى الراجحة ليست بسبب هؤلاء (أقول ذلك لأن التصويت غداً) إنما أساساً بسبب قوة منافسه، وشعور غالبية المصريين بأن وجودهم كمصريين مهدد، فاستدعى السيسى مشاعرهم الوطنية الأولى بـ«تحيا مصر»، ولم يستجيبوا لشعارات صباحى الثورية لأنهم رأوها ترفاً فى ظل الإرهاب وتهديدات الوجود الحالية.
ومع ذلك تطوع البعض لخدمة السلطة القادمة، واعتبروا التصويت لحمدين خيانة وطنية، والحقيقة العكس تماماً، فقمة الوطنية أن تصوِّت لمرشح أنت مقتنع به مهما كانت نتيجة الانتخابات.
مصر خطت أول طريق بناء نظام ديمقراطى بوجود مرشحين اثنين (نأمل أن يكونا أكثر بعد 4 سنوات) متفقين على القواعد الأساسية التى بنيت عليه الدولة الوطنية الحديثة، ويؤمنان بمدنيتها وبدستورها وبنظامها الجمهورى، ولا يوجد تصويت لصالح الوطن، وآخر يخصم منه، فعلى أنصار المرشحين الحقيقيين أن يفتخروا بتصويتهم، ويعتبروا أن التصويت لحمدين ليس عيباً تماماً مثل التصويت للسيسى.
نقلآ عن المصري اليوم