الاربعاء ٢١ مايو ٢٠١٤ -
٤٧:
٠٤ م +02:00 EET
بقلم / القس ايمن لويس
لا أمل لاصلاح شعوب تصر ان تعيش فى الوهم والكذب وخداع النفس . كنت اثرت هذا الموضوع منذ فترة ولست وحدى من قدم هذا الطرح بل تناوله العديد من الكتاب والمفكرين الذين لا احسب نفسى واحد منهم ، ومن هؤلاء المفكرين الدكتور سيد القمنى وهذا على سبيل المثال وليس الحصر . والموضوع سبب الجدل هو ما تلكه الافواه ويردده الاعلاميون ، ويتم تدريسه فى مجتمعنا فى كل مراحل التعليم بصخب وضجيج ، عن فضل الحضارة العربية وبالتالى الاسلامية على العالم المتحضر اليوم وانهم هم من قدموا مفاتيح وركائز هذا العلم المتقدم وهذا التطور الطفرى فى المكتشفات والاختراعات المذهلة !!! .
فعندما يتحدث كاتب كبير بحجم محمد سلماوى قائلا هذا الكلام .. "لقد سبقت المجتمعات العربية بحضارتها على مر التاريخ القارة الاروربية كلها ، ولولا التقدم الذى حققه العرب ما قام عندكم عصر النهضة ." !!!!! ؟؟؟؟؟؟ المصرى اليوم ص13 2014/4/24
تأملوا معى هذه العبارة التى ذكرها الكاتب الكبير . (وعلامات الاستعجاب والاستفهام المضافة بعد العبارة منى طبعا وليست بالمقال ) .
ينفرد العرب والشعوب الاسلامية بصياغة عبارات جوفاء رنانة بلا دليل او مصدر حقيقى والعجيب انها تصبح تابوهات مقدسة ترددها الاجيال كالببغاوات ، بنفس منطق عبارة الاعجاز العلمى فى القرآن . كنت اود ان يقدم الكاتب دليله ، متى سبقت حضارة المجتمعات العربية العالم !! ؟؟ هل يقصد الغزاوات وسفك الدماء وحصد الغنائم والاسلاب والسبايا !!؟؟ كنت اود لو يثبت الكاتب ما هى علامات ومساهمات هذه الحضارة العربية بأدلة مادية وتاريخية ؟ تقنعنا انها فعر حضارة مؤثرة وليس مجرد تفاهات سطحية تتحدث عن حضارة مزعومة ؟ وما علاقة ما تروه من رصيد حضارى بالمكتشفات الحديثة ؟ هل انتم من اخترع الة الطباعة ؟ هل لكم فضل فى ثورة الاتصالات الهائلة ؟ كيف يكون لحضارتكم فضل على الحضارة الحديثة وانتم تأثمون الاكتشافات وتكفرون العلماء وليس لديكم اى اهتمام بالبحث العلمى ورصيدكم صفر ؟ .. الخ
لست اعلم السبب الذى يجعل المجتمع العربى الاسلامى على هذه الحالة التى تجعله يلهث وراء مدح الذات ، وهذا الاحساس غير الحقيقى بالتميز والتفرد للاستعلاء لدرجة تجعلة لديه القدرة على معايرة بقية شعوب العالم بفضله !!
الحقيقة ان انسقنا لتقسيم العالم على اساس دينى وهو الاسلوب الذى ينتهجه الفكر العربى ، فهم اصحاب نظرية ان كل شئ مرجعه دينى فنجد هناك اقتصاد اسلامى وهناك اعلام اسلامى وكل الحروب هى دينية حتى قنبلة هروشيما ونكزاجى الشهيرتين هما عمل صليبى وليس سياسى .. الخ . فيكون السؤال لماذا لم يتحدث المسيحيون واليهود عن فضلهم على الحضارة وهم فى الحقيقة اصحاب علم ومساهمات سالفة او حاضرة حتى لو لم يرى الاخرون ذلك . ففى الوقت الذى لم يقدم فيه الكاتب اثباتات او ادلة سوى كلام عن فضل العرب على الحضارة الحديثة فأنا لدي العديد من البراهين التى تثبت عكس ذلك ولكن قبل ان نتبث ما نقول علينا ان نصيغ ما هو مفهوم الحضارة .. فكما افهم الحضارة هى المنتج البشرى من علوم وصناعة وثقافة وابداع وفن وسلوك اخلاقى ومتحضر ..الخ . والمشهد الوحيد الذى تدخل فيه الدين فى هذا المنتج ما تحدث عنه التوراة كان فى الديانة اليبهودية مثل تدخل الوحى فى بناء خيمة الاجتماع وهو عمل معمارى .
فى المقابل . نجد ان من يتشدقون بتاريخهم الحضارى ، ان نحينا التقدم العلمى والصناعى والتكنولوجى والفنون والموسيقى جانبا بحجة ان سببه المؤمرات من الغرب اليهودى والصليبى !!!! ، فنجد ان العرب الذى ينسب الكاتب نفسه لهم ، لكنى انا كقبطى لا اجد ذلك ، فشلوا فى اظهار ابسط مظاهر السلوك الحضارى والاخلاقى ، والذى ليس للغرب شأن او قدرة على تجريدهم منه . وهذا هو العامل الذى يؤكد اصالة الرصيد الحضارى ، فمثلا من ابسط مظاهر الحضارة احترام حقوق الانسان ، والعدالة الاجتماعية ومساحة حرية الشعوب ، وحرية المعتقد الدينى ، والتطور والنمو الديمقراطى ،والقدرة على الوحدة والتفاهم المشترك ، فالمجتمع الغربى الاوربى رغم ان مساحة اختلافاتهم الظاهرة مقارنة بالمجتمع العربى تبدوا اكبر واوسع . فليس لديهم مثلا وحدة لغة ، ولا نعرة دينية محمومه ، لكنهم نجحوا فى ان تكون بينهم وحدة اعمق من وحدة العرب معا ووحدة فى المصالح الاقتصادية والرؤي السياسية حتى تخطوا فواصل الحدود الجغرافيا فيما بينهم . فالحضارة فى مفهومها الاشمل ليست فقط الانجازات المادية الملموسة بل المضمون الاعمق فى سلوكيات الشعوب .
ان هذا التشدق الوهمى بالامجاد السالفة انما هو من اكبر المعوقات التى تعوق اى امكانية للتفكير فى المستقبل بطريقه ابداعية فلم ينشغل الغرب ابدا بالماضى بل كل تفكيرهم ينصب على الحاضر والمستقبل .. كما تحلل الغرب من قيود الدين الخاطئة التى حرر الابداع العلمى البشرى فكانت الطفرات الخيالية فى مظاهر الحياة المختلفة وهم يفتخرون بتجاوزهم الحدود الدينية الضيقة وسلطتها معترفين بخطئهم فى تفسير النصوص الدينية والجرأة بتحديث علم اللاهوت وظهر منه المتحرر والمعتدل الوسطى والمحافظ والمتشدد . فى الجانب الاخر نرى ان العرب يتشوقون بالرجوع للماضى ويروا ان سبب تخلفهم هو القفذ للحاضر والتفكير وفى المستقبل بالبعد عن الماضى !!! . ورغم انغماسهم فى الدين لدرجة تصل لحد الهوس يطالبون بالعودة للدين !!! ؟ . وطغى على الخطاب الدينى الاراء الاكثر تشددا وهى الاقرب الى قلب المسلم والاوسع انتشار .
ان الحضارات لا تحتاج من يتحدث عنها . فحضارة مصر الفرعونية تتحدث عن نفسها ، اكثر مما يتحدث عنها المصريون . فلم نسمع عن حضارة فى الجزيرة العربية منشأ الاسلام مماثلة للحضارة المصرية او السورية . اننى ارى ان الحضارة التى يتفاخر بها العرب هى الفترة التى بعد الاسلام ، لانهم يذدرون حضارتهم قبل الاسلام ويصفونها بالجاهلية ! ، ما هى الا حضارات الشعوب التى قاموا بغزوها فكانت الحضارة جزء من الاسلاب و الغنائم كما المال والنساء . والمؤسف ان الدول التى استمرت هيمنة الغزو الاسلامى عليها تم افقارها وتجريف كل مقومات الحضارة ومحاولة طمس معالم هذه الحضارات فهم اعداء التعددية والفنون والموسيقى فقد هدموا تمثال بوذا فى افغانستان ولا تمثل الثقافة الفرعونية لهم مصدر فخر بل بالعكس ويهددون بين الحين والحين بتدميرها .
وانا ارى ان طبيعة الدين وخصوصيته كان لها الاثر الاساسى فيما وصل اليه كل من الفريقين وان كان اختصوا الغرب بملكيته للمسيحية فهو تفكير خاطئ بالاساس لانه عندما ظهر الاسلام كانت المسيحية انتشرت فى العالم كله وتكونت مدارسها ومنها الشرقية الارثوزكسية والغربية الكاثوليكية . كما تخلصوا بالكامل من تبعيتهم للدين . ان الحديث عن الحضارة العربية انما هو الوهم الكبير ..