نسعى معًا لتدشين دولة المواطنة، وفيها تتأكد قيم ومبادئ المساواة والعدالة ويغيب عنها التمييز والإقصاء، ونحن مدعومون بظهير دستوري يؤسس للبناء عليه في نصوص واضحة لا لبس فيها، وبعضها جرم الخروج عليها واعتبره جريمة لا تسقط بالتقادم.
وبهذا نكون قد بدأنا طريقًا صحيحًا سبقتنا إليه قبل قرون دول العالم الأول عندما انتبهت إلى حتمية الخروج من نفق العصور الوسطى المظلمة والتصالح مع التقدم سعيًا لدولة الرفاة، فكان أن فصلت وبحسم وحزم بأن بين الدين والدولة، ومن ثم بين الدين والسياسة، وأسست الحقوق وما يقابلها من واجبات على العلاقة الأصيلة التي تقوم بين المواطن والوطن، واسترد الدين موقعه الصحيح في الضمير يضبطه ويقومه، دون تمايز أو استعلاء.
ويظن البعض أننا نختلف عن الغرب بخصوصية ما، تأسيسًا على أن الإسلام دين ودولة، وهو تعبير تصدى له المستنيرين من الفقهاء والدارسين وكشفوا عدم دقته، وردوه إلى صحيحه أن الإسلام دين ودنيا، فكانوا خط دفاع صلد يحميه من تغول السياسة وصراعات أطرافها.
على أن المضي في طريق تحقيق دولة المواطنة في ضوء ملابسات وتشابكات بل وتضاغطات اللحظة يحتاج إلى توفر ارادة لا تلين لحساب وطن يستحق أن نخلصه من موروثات الماضي البعيد والقريب وربما الآني، إذ سيواجه بمقاومة عاتية من أطراف عديدة على رأسها من استقرت لهم مصالح ومراكز في ظل السائد، وفي مواجهة ثقافة شعبوية سلمت به دون أن تناقشه أو تحلله، فصارت ثوابت ترقى إلى مصاف المقدس، وانعكس هذا حتى إلى مصاف متخذي القرار.
اللحظة تفرض علينا أن لا نتعاطى مع متطلباتها من باب المواءمات السياسية، ومغازلة الأثقال السياسية بخطاب يسعى للفوز بأصواتها، على حساب قيم وأسس دولة المواطنة المرتجاة، لذلك وفي سياق الشفافية والمكاشفة الذي يحكم الكاتب نسأل عن سر غياب الحضور القبطي عن فعاليات مرشحي الرئاسة، باستثناء بعض من كلام طيب يشيد بوطنيتهم وتضحياتهم وتفضيل الصالح الوطني على أنينهم ونزيف جراحهم جراء استهدافهم من قبل الإرهابيين عقابًا لدعمهم مسار انقاذ مصر.
فلم نشهد "لقاء ما" بينهما وبين رموز قبطية، على أي مستوى، للوقوف على حجم المعاناة ومخارج الأزمات، رغم أن الملف القبطي هو أكثر الملفات التهابًا، ولا يمكن قراءة المعادلة المصرية خلوًا من الرقم القبطي، وإذا نجح الرئيس القادم في إعادة الأقباط إلى موقعهم الطبيعي في مربع المواطنة يكون قد خلص المشهد الوطني من صداع مزمن يؤرقه ويهدد استقراره، وقد يتحول إلى ورم يتهدد وجوده.
وقد يرى البعض من المنظرين أن الأقباط ليسوا فصيلًا سياسيًا ومن ثم فلا معنى للقاء المرشح الرئاسي بهم، ويقيني أن هذا حق يراد به باطل، فنحن إزاء واقع يفرض نفسه، بأن الأقباط يحملون على كاهلهم عبئًا ثقيلًا لكونهم أقباطًا، جراء خيارات وانحيازات انظمة حاكمة متعاقبة، كانت تقدمهم قربانًا على مذبح التطرف خطبًا لود ورضاء المتشددين.
وفى غياب البرامج المعلنة اكتفاء بالبديل الإعلامى الحوارى الذي نفككه ونسقط منه رؤية المرشح، والذى خلا من أطروحات على الأرض في الشأن القبطي الذي يتم التعامل مع قضاياه ومتاعبه بالترحيل، لم يقل لنا عن رؤيته وتصوراته لعلاج معاناة الأقباط وعودتهم إلى ارضية المواطنة ورد اعتبارهم الوطني، كمواطنين كاملي المواطنة بغير من أو استجداء، أو استدعاء وقت المحن والحشد القومي، ماذا عن التمييز الفعلي من تحت انف القانون والدستور، ماذا عن التشريعات التي تم احالتها إلى منظومة البيروقراطية العتيدة، ماذا عن الكنائس المغلقة بقرارات أمنية، ماذا عن التباطؤ الذي يصل إلى حد التوقف في ترميم وبناء الكنائس المخربة بفعل الإرهاب الأسود عقب فض اعتصامي رابعة والنهضة (أغسطس 2013)، ماذا عن موقفه من اليات تشكيل الذهنية العامة والمحتشدة بدعم التمييز والكراهية ضد الأقباط والتي تناولتها دراسات ميدانية علمية وموثقة، والقائمة ممتدة.
مسئولية البناء تتطلب كشف عوار الأساس وتصحيحه حتى يأتي البناء صحيحًا، ونطبب الجرح الغائر "على نظافة" لئلا يتفاقم، فهل تحمل الأيام القليلة القادمة اجابات موضوعية على اسئلة ما زالت حائرة؟ حتى لا يتحول الأقباط إلى رقم "تحت الطلب"، وبحسب تعبير أحد الشباب الغاضب فإن الأقباط لن يوقعوا لأحد على بياض.
نقلا عن البوابة نيوز