الخديو إسماعيل يرسل حملة لغزو إثيوبيا
هزيمة القوات المصرية في حملة الحبشة
الجيش الإثيوبي يعلن جاهزيته للدفاع عن سد النهضة
المشير السيسي يعلن إستعداده لزيارة سلام مع إثيوبيا
كتب – نعيم يوسف
أزمة متجددة
بين الحين والآخر تطفو على السطح أزمة سد النهضة، وينتشر عبر وسائل الإعلام المختلفة تصريحات القادة الإثيوبيين العدائية ضد مصر، والتي تؤكد عزمها وتصميمها على بناء هذا السد، ولو على جثث المصريين جميعا، حيث رفضت الدولة الإثيوبية العروض التي طرحتها عليها الخارجية المصرية في أوقات سابقة من مشاركة في بناء السد – على الرغم من الظروف الإقتصادية الصعبة التي تمر بها مصر حاليا – .
تصريحات السيسي ورئيس أركان الجيش الإثيوبي
بالإضافة إلى تصريح رئيس الأركان في الجيش الإثيوبي، الذي تداولته وكالات الأنباء اليوم، أن قواته قادرة على حماية السد والدخول في حرب إذا لزم الأمر، في الوقت نفسه الذي طالعتنا فيه الصحف المصرية عن تصريحات المشير عبد الفتاح السيسي – وزير الدفاع المصري المرشح الأقرب لرئاسة الجمهورية - لجريدة الأهرام والتي قال فيها أنه على إستعداد تام لزيارة إثيوبيا وإقامة علاقات سلام تحقق مصالح الطرفين.
عودة للتاريخ والإرتباط الديني
ولكي نتفهم الموقف لابد من العودة إلى التاريخ في العلاقات المصرية – الإثيوبية، وطبيعتها، مع مراعاة إختلاف الزمن والأشخاص، والقدرات القتالية للجانبين، حيث يسود إعتقاد لدى معظم المصريين – مسيحيين ومسلمين – بتقارب في المشاعر بين الشعبين، وخاصة المشاعر الدينية حيث تحتل "الحبشة" - إثيوبيا حاليا – مكانة كبيرة لدي المسلمين نظرا لإحتضانها المسلمين في بداية انتشار الدين الإسلامي بعد هجرتهم من وجه "مشركي مكة".
كما يعزز إرتباط معظم المسيحيين الإثيوبيين بالمذهب الأرثوذكسي الذي يدين به أغلبية الأقباط المصريين، المشاعر بين البلدين، ناهيك عن العلاقات التاريخية بين الكنيستين المصرية والإثيوبية، أو الحبشية كما يفضل تسميتها الأقباط.
الواقع السياسي والحروب
ولكن الواقع السياسي أفقد هذه العلاقات والمشاعر نقاوتها، وخاصة على المستوى الحكومي، حيث تشهد العلاقات المصرية – الإثيوبية توترا كبيرا منذ قرون، وهذا وا يعتمل في صدور الساسة والمسؤولين الإثيوبيين بينما تغض الطرف عنه القايدة المصرية في الوقت الراهن، فقد أظهرت حملة الحبشة (1874 – 1877) التي قادها الخديوي إسماعيل على إثيوبيا حقيقة الصراع الكامن بين البلدين.
وقائع حملة الحبشة
وتعود أحداث هذه الحرب – أو الحملة – إلى رغبة إمبراطور إثيوبيا آنذاك "يوحنس الرابع" في إقامة موانئ للدولة الإثيوبية على شواطئ البحر الأحمر، وبدأت المناوشات بين حاكمي البلدين الطموحين في ذلك الوقت وهما "يوحنس الرابع" من جهة والخديوي "إسماعيل" من جهة أخري، بحجة أن مصر تفرض رسوما عالية على البضائع التي تصل إلى إثيوبيا ما يساهم في غلاء الأسعار، وبعد تطور الأوضاع وحشد القوات على الحدود المصرية الإثيوبية – حيث كانت السودان خاضعة للحكم المصري في ذلك الوقت – وإستمرار الغارات والإستفزازات من الجانب الإثيوبي بدأت القوات المصرية في الحرب التي انتهت بخسارتها.
كمين عدوة
كمين عدوة، هو كمين سقطت فيه القوات المصرية بقيادة منزينجر باشا بالقرب من عدوة في 7 نوفمبر 1875، حيث وصلت أنباء للإثيوبيين عن تقدم 2000 من المصريين بقيادة منزينگـر من كسلا عبر أگوردات وميريب بإقليم الدنـاقـل – إريتريا حاليا - تلك القوة سقطت في كمين بالقرب من "عدوة" أعده رجال القبائل الدنقـلاويون الذين أبادوا القوة المصرية عن بكرة أبيها بما فيها مـِنْزنْجـر.
معركة جوندت
ولم يمر أسبوع واحد على هذه المعركة حتى تقدم الجيش المصري بقيادة آرندوب مؤلفا من 3000 من المشاة المسلحين ببنادق رمنجتون و 12 مدفع جبلي وتحت قيادة العديد من الضباط الأوروبيين والأمريكان (الكونفدراليين) إلى جوندت في طريقه إلى عدوة حيث هاجمه الجيش الإثيوبي بقيادة الامبراطور يوحنس الرابع من المقدمة. قامت فرقة إثيوبية أخرى بقيادة الراس شلاقة علولة بالانفضال لمواجهة الكتيبة المصرية المتقدمة من قلعة أدي ثم التفت تحت جنح الليل من فوق الجبل حول مؤخرة الجيش المصري الرئيسي المتمركز بالوادي السحيق مما أدي إلى سقوط الجيش المصري بين طرفي كماشة - الأمر الذي أدى في صباح 15 نوفمبر إلى مذبحة للقوات المصرية لم ينج منها سوى نحو 300 جندي انسحبوا إلى مصوع تحت قيادة العميد الأمريكي دورنـهولتز ورؤوف بك.
خسائر الجيش المصري والإثيوبي
وسقط من الجيش المصري آرندوب وأراكل نوبار (ابن أخي رئيس الوزراء المصري نوبار باشا) والكونت زيشي ورستم بك، ومن الجانب الإثيوبي بلغ القتلى الإثيوبيين 500 في ذلك اليوم غنم الإثيوبيون 2200 بندقية و 16 مدفع - اثنان من تلك المدافع ما زالا يزينان الساحة الكبرى لمدينة أكـسوم العاصـمة التـاريخية للحـبشـة وعرق الأمـهـرة.
بعد مرور مائة عام
وبعد حوالي مائة عام وفي عام 1975 أقيم تحالف سفاري المضاد للمد الشيوعي والمكون من الولايات المتحدة ومصر السادات والمغرب والسعودية وكينيا وإيران الشاه، وهو ما اعتبره منجستو هايلا مريام مؤامرة مصرية موجهة ضد إثيوبيا، وقام وفي خطبة له عام 1979 حطم زجاجات مملوءة دماً على اسمي مصر والسعودية.
الحكومة الجديدة الإثيوبية
وبعد وصول حكومة "ميليس زيناوي" عام 1991 إلى الحكم، وهو قائد جبهة تحرير تجراي (TLF الانفصالية سابقاً) وهي على علاقة وثيقة بالخرطوم، شهدت علاقات إثيوبيا تحسنا ملحوظا مع كل دول الجوار العربية ماعدا إريتريا التي يحكمها إساياس أفويرقي قائد الجبهة الشعبية للتحرير التجرينية (TPLF)، والتي كانت شديدة القرب (عرقياً وسياسياً) من جبهة تحرير تجراي (TLF) خلال سني الثورة.
موقف نظام مبارك
وحتى عام 2010 كانت إثيوبيا تنوي بناء عدة سدود على النيل الأزرق، لم تهدد مصر كثيرا، وبالرغم من ذلك فقد هدد الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بضرب السد بالطيران المصري حال بناؤه، الأمر الذي جعل الجانب الإثيوبي يغير خططه، ولكن بعد ثورة يناير والإطاحة بمبارك قامت إثيوبيا بعمل تعديلات على مشروع السد ليتحول إلى خطرا حقيقيا على حياة المصريين جميعهم.
موقف نظام الإخوان
وبعد وصول جماعة الإخوان إلى الحكم توترت العلاقات أكثر فأكثر بعد الإجتماع الشهير الذي تم بثه على الهواء دون علم الحاضرين، والذي تم عرض فيه بعض الأفكار التي لا يجب أن تقال في العلن مثل دعم المتمردين الإثيوبيين، الأمر الذي أثار غضب الإثيوبيين – الغاضبين أصلا – وزاد من تعنتهم.
المساعي بعد 30 يونيو
وبعد الإطاحة بحكم الإخوان حاولت الحكومات المصرية التفاوض مع الجانب الإثيوبي وعرض المساعدة عليه في بناء السد شرط تعديل المواصفات الهندسية للسد بما يحقق مصالح الطرفين، الأمر الذي رفضته الإدارة الإثيوبية، وأعتبرته الدولة المصرية مساس بالأمن القومي المائي المصري، كما عبر عنه الرئيس عدلي منصور، وقامت الدبلوماسية بوقف بعض القروض الروسية والصينية لتمويل السد، الأمر الذي أنتقده بشدة رئيس الوزراء الإثيوبي.
موقف المشير عبد الفتاح السيسي
ومن جانبه أكد المشير السيسي، المرشح الأقرب للرئاسة ووزير الدفاع السابق أن قضية المياة بالنسبة للمصريين "مسألة حياة أو موت"، داعيا الجانب الإثيوبي لتفهم موقف المصريين، والتعاون لمصلحة الطرفين.
موقف الجيش الإثيوبي
واليوم، أعلن رئيس أركان الجيش الإثيوبي، ساموار يونس، إن قواته "تملك الآن القدرة الكافية للدفاع عن الوطن من أي جهة خارجية أوداخلية، والحفاظ على سد النهضة".
وأضاف يونس، في تصريحات بثتها وكالة الأنباء الإثيوبية الرسمية، السبت، إن قوات الجيش الإثيوبي "ستواصل بناء قدراتها العسكرية بالتدريب، وتنمية القدرات في مجال التكنولوجيا"، مؤكدا على أن "القوات الإثيوبية جاهزة للدفاع عن الوطن في مواجهة أي جهة خارجية أو داخلية متى ما اقتضت الضرورة، وليس للدخول في الحروب، لكن إذا ما حدثت مواجهة ستكون العملية قصيرة ورادعة، وقواتنا الآن لديها القدرة الكافية للدفاع عن الوطن، والحفاظ على سد النهضة".
خطر بناء السد
الجدير بالذكر أن بناء هذا السد يثير مخاوف داخل مصر حول تأثيره على حصتها من السنوية من مياه نهر النيل،والبالغة 55,5 مليار متر مكعب، وتأثيره على أمنها القومي في حالة انهيار السد.