العرب تركوا السادات عريان في كامب دافيد
حوار : مينا ملاك
السادات اختار القضية الوطنية على حساب القضية العربية. وأخيراً، تقدم بنصيحة بماذا يكون أول قرار لرئيس مصر القادم.وإلى ما قبل الحوار وصلت - مبكراً عن موعدي كعادتي في كل مواعيدي- لمكتب الدكتور مصطفى الفقي في وسط البلد، وانتظرته، لم أشعر بطول الانتظار أو قصره، فكانت الأفكار متلاطمة برأسي كموج البحر حتى أكون مستعداً للقاء أريده سياسياً أكثر منه دبلوماسياً، أريده صريحاً
وأن أدخل فيه للعمق، وكان لي ما أردت دون جهد، فقد كان الرجل بطبعه صريحاً، وهذا ما بدى لي، وجريئاً وهذا ما يعرف عنه من كل تصريحاته وحواراته، لم يجهدني بكلام دبلوماسي بل كان مباشراً وقاطعاً، بدايةً لك عزيزي القارئ أن تعرف أن الحوار جرى في يوم الذكرى السادسة والستين للنكبة، وإلى نص الحوار.
بدأت حواري بأنني ذكرته بأن اليوم هو الخامس عشر من مايو
فعلق قائلاً إحنا شاطرين أوي في التسميات، النكبة والنكسة واستطرد قائلاً أولاً دي قضية الفرص الضائعة –القضية الفلسطينية- وأردف قائلاً أظن أن آبا إيبان قال هكذا ثم عاد ليقول لو أننا فطنا في خمستاشر مايو لإمكانية قبول قرار التقسيم لتغير شكل المنطقة تماماً لكن إحنا إتلتنا وضيعنا فرص، وإللي بيتعرض عليك وبترفضه وبتيجي بعد كده تطالب بيه فيقول لك "it's dead horse
فسألته هل هناك احتمالية لتحميل عبد الناصر خطأ عدم قبول قرار التقسيم؟
فأجاب إن فيه ناس كتيرة فاهمة إن عبد الناصر كان "one track minded it's not true" أي "صاحب تفكير أحادي لكنها ليست الحقيقة" فعبد الناصر حاول أن يفتح حوارات كتيرة مع الجانب الإسرائيلي وهو كان عارفهم كويس وفاهمهم، فأوفد أحمد حمروش وحاول فتح اتصالات مع حاييم وايزمان لكن إسرائيل كانت مبيتة النية على مشروع معين لا ينفع فيه عبد الناصر ولا غيره، لديهم تصور معين غير قابل للتغيير، إذن هو لم يغلق الباب فهو لم يكن رجل حرب، ناس كتير مش عارفة الحكاية دي.
سألته لماذا لم يستغل ناصر قرار التقسيم وأقام دولة فلسطينية؟
لم يسمح له أحد بذلك لكنه هو من أقام كيان فلسطيني عشان يقدروا يعملوا دولة، والعرب كانوا قد رفضوا قرار التقسيم من عام 1948 أي من قبل ناصر بأربع سنوات ويزيد، إذن لا تقع على ناصر أي مسؤولية سياسية ولا قانونية بعدم قيام دولة فلسطينية
وأردف قائلاً عبد الناصر هو المسؤول الوحيد الذي صور الصراع العربي الإسرائيلي بصورته الحقيقية وبيَّنَ مخاطر إسرائيل كما هي حتى هذه اللحظة، دولة عنصرية استبدادية توسعية عدوانية وكل يوم نتكشف أن هذا الكلام هو الصحيح، والولايات المتحدة هي الداعم الحقيقي لها، والغرب هو الذي صنعها، وفرنسا هي التي عملت السلاح النووي، وبريطانيا هي اللي مكنتها في قرار التقسيم، كل ده إحنا واعيين له.
سألته بناءاً على هذا، هل نستطيع أن نعتبر أن ما قاله السادات، بأن أوراق اللعبة في يد أمريكا كلام مخطئ أم أنه كلام المضطر؟
فقال هو كان بيهرب بمصر لكنه أضر القضية، بالتأكيد على المستوى العربي هذه خطيئة كبرى، فالسادات لم يستثمر نتائج حرب 1973 جيداً، فقاطعته قائلاً، مع أنه كان لديه دعم عربي، فقال لكنهم تركوه عارياً، ما هو برضه العرب لم يستريحوا لأسلوبه وإتخضوا فلم يتمكنوا من التعامل معه صح، ولو كان العرب كانوا دخلوا كلهم سوياً لتغيرت الصورة فلم يكن مع السادات مثلاً مفاوض فلسطيني، والسادات نحى القضية جانباً وركز على المحور المصري فكانت نقطة ضعف شديدة.
فقلت له إن خطاب الكنيست كان فيه تركيز على القضية الفلسطينية،
فقال يمكنك اعتباره أيضاً خطاباً متشددا،ً وأضاف ما هو إنت لما بتيجي تعمل حاجة غريبة بتعمل خطاب متشدد الأول، الخطاب فقط غير كلمة العدو بالخصم.
فسألته عن تباين الموقفين الإسرائيلي والأمريكي حيال إيران،فقال هذا غير صحيح، الاثنين متفقين ولا خلاف بينهما بعكس ما يشاع، وهما من اتفقا على سوريا لتقليم أظافر إيران في المنطقة، واستطاعت أمريكا إقناع إسرائيل أن ترجئ الضربة التي كان مزمع القيام بها ضد إيران فالمنطقة ملتهبة للغاية
وقد يخسروا حلفاءهم في الخليج إذ أبدى الخليج مخاوف كثيرة مما يحدث، وما جرى في مصر في تلاتين يونيو دخل كبعد أساسي في تقييم سياستهم بالمنطقة، وهنا أضاف بتشديد على كلامه أنا لا أعتقد أن إسرائيل تريد السيسي رئيساً للبلاد، فإسرائيل لا تريد حاكم يستطيع جمع الشمل ويعيد مصر لوضعها الطبيعي.
فسألته ما تقييمك لتصريحات السيسي عن إمكانيات الجيش المصري للتدخل في أي مكان للدفاع عن العرب؟
فقال تصريحات جيدة للغاية، فقاطعته متساءلاً يعني مش مستفزة، فأجاب مستفزة لماذا؟! هي ليست موجهة لإسرائيل هي رسالة موجهة لإيران أكتر لأنها دفاعاً عن منطقة الخليج والدليل أنه تحدث عن حماس بشكل متوازن وليس إيجابي أوي، هو قال عليها أن تعيد تقييم سياساتها وأما بخصوص إسرائيل فقد قال السيسي أن مصر تحترم التزاماتها التعاقدية بالكامل إذن هو طمأن إسرائيل وغازل منطقة الخليج
وقال قاطعاً: ورأيي أنه يلعب على ملعب حمدين ما يقدرشي أن يلعب عليه، إللي هو ملعب إمكانية الجيش، فهو استخدمها بطريقة ذكية جداً.
فقلت له مسألة أن السيسي يلمح لقدرات التدخل السريع للجيش المصري والدفاع عن كل البلدان العربية تذكرني بتجربة محمد علي عندما وصل بجيشنا لأعتاب عاصمة السلطنة العثمانية وحينها وقفت له كل بلدان العالم الغربي لكسره.
فقال: في مصر حدثت تجربتين هما التجربة التوسعية لمحمد علي والتجرب القومية لعبد الناصر، والإتنين الغرب وقف ضدهما لإن مصر مش مسموح لها أن تعمل "take off" "قفزة" عالية ولا تقع خالص فما تقعشي المنطقة لكن ما تحلقشي، فإيدها تمتد براها، فعلقت قائلاً بهذه الطريقة نحن مهددين في حال وصول السيسي لسدة الحكم ،وتكرار تجربة محمد علي، فقال: محمد علي لما أصبح قوياً ضرب الدرعية بالسعودية، وناصر ضرب نجران وجيزان بالأرض السعودية، فحتى مخوفين العرب من قوة مصر، مصر لها حدود في أذهان الناس في المنطقة، تبقى دولة كويسة مشعة ثقافة، تعليم إنما عسكرياً ذات يد طولى بيهتز العالم على طول.
فسألته على ذكر السعودية البعض اعتبر تصريحات السيسي فيما يخص ملك السعودية بأنه حكيم العرب ورجل العرب، أنها تصريحات مستفزة وبها تقليل من شأنه وشأن مصر ما تعليقك؟
فقال: هي ليست إنقاص من دور مصر هو بيبص له من الناحية الدينية والروحية، الراجل مديك عشرين مليار وحايديك عشرين تانية، بالعكس رجل الشارع المصري راضي، ثم أضاف الدكتور الفقي عن ملك السعودية أنه مبسوط أوي وقال عنه أنه يقول أن السيسي ابنه وهو يقول هكذا في كل مكان.
فقلت سؤال من كلمة واحدة "وقطر"؟
فقال قطر دي لغز تاني، دولة جزء من مخطط صهيوني أمريكي في المنطقة، أختاروا لهذا المخطط أصغر دولة عربية ممكن أن تتعامل مع هذا التصور، وقالوا له إنت عايز إيه؟ فقال أنا خايف من من حولي بالمنطقة، فعملوا له أكبر قاعدة عسكرية فقال أنا دولة صغيرة صوتي ما يطلعشي، فقال له نعمل لك أكبر قناة فضائية، وجابوا له دافيد كمحي رجل إسرائيلي لتجهيز القناة ووضع أسسها، وأضاف أنا التقيت بأمير قطر السابق الأمير حمد في عام 1989 أبو تميم الأمير الحالي، وأبدى لي أنه ناصري.
سألته لماذا ناصر هو المركة المسجلة لكل من يريد أن يظهر نفسه في البلد والمنطقة؟
فقال لإن الناس في العالم العربي نسوا كل حكامهم وتذكروا عبد الناصر ليه؟ لسببين لأنه الحاكم الوحيد الذي كان نظيف اليد لم يرتزق، السبب الثاني أنه كان رجل الفقراء، سيبك من الوطنية، فهذا شيء معترف به، تأميم القناة، وبناء السد العالي، لكن فيه قضية بتمس المواطن العادي، المصريين بيثوروا دائماً عشان قضية العدالة الاجتماعية، هو ده بقى إللي بيقف مع الفقراء.
فتساءلت: يعني عبد الناصر بيقولوا إنه رجل الفقراء لكنه في النهاية رحل وترك الفقر؟
فقال لي إنت ما لحقتش، أنا إللي أتكلم في الستينات، أنا كنت في الجامعة كان مرتبي لما إتخرجت يخليني أتجوز وأفتح بيت، يعني كانت الدخول تتناسب مع المصاريف، كل الناس عايشة بدخولها الطبيعية، ما كانشي فيه تهليب ده أقصى فساد إن علي صبري يجيب تلاجة من الاتحاد السوفييتي فيمسكوها في المطار، وكان علي صبري حينها نائباً لرئيس الجمهورية، وهذا يبين أنه مش حرامي ولا أناني، ولا تنسى أن نقطة الضعف الوحيدة لمبارك هي ليست سياسية وإنما هي عدم نظافة اليد والفساد الذي أضعف النظام، مبارك كان حاكم وطني، فسألته والسادات؟ فقال: ربما كان فيه فساد لكن ليس بالحجم الذي عرفناه.
ثم سألته عن فترة عمله مع بطرس بطرس غالي؟
فقال أنا تلميذه من خمسين سنة، وأنا من أقرب الناس إليه، وأنا وهو مولودين في نفس اليوم مع اختلاف السنين، وأضاف هو من أكثر المصريين وطنية وحرصاً على هذا البلد، ويذكر له أنه وقف يوماً أمام شيراك حين كانوا يتحدثوا عن الضغوط على الأقباط في مصر، وقال غالي يعني هما المسلمين إللي عندكم مستريحين!؟ لا هو من عائلة وطنية، ده واصف بطرس غالي قال إنني أعفي الجميع من دم أبي من أجل الوحدة الوطنية.
فسألته إذن ماذا جرى ليوسف بطرس غالي!؟
يوسف بطرس غالي من أكفء عشرة اقتصاديين في العالم لكن حالفه سوء الحظ إنه جاء في عصر فيه فساد، هو ليس متهم بالفساد لكنه ساعد على الفساد، فهو ليس له ذنب في أياً من القضيتين الموجهتين له سواء قضية سيارات الجمرك أو لوحات السيارات.
أما آخر سؤال لدكتور الفقي فكان ما هي نصيحتك لو قدمتها -مستشاراً للسياسة الخارجية- للرئيس القادم؟
فقال أن يأخذ الطيارة ويطلع على إثيوبيا ومعه الرموز شيخ الأزهر والبابا تواضروس ولا يعود من هناك إلا بعد حل أزمة المياه وسد النهضة، ويدخل من نظرية "win win" كاسبون كاسبون لكل الأطراف عايزين نراجع مع بعض، ونريحكم وتريحونا، وأنا جاي لكم للتفاوض المباشر، ويبدأ بهذا الملف، ملف مياه النيل وهو أخطر ملف يواجه أي حاكم لمصر في هذه المرحلة، والإخوان عبثوا به، وأساءت إلينا الدبلوماسية الشعبية، فقد ذهبوا هناك وأخذوا يهاجمون بعضهم البعض، ويشتمون بعض، وشتموا في ناصر، فكانوا مجموعة سيئة جداً.
على هامش اللقاء " دخل ساعي المكتب وقدم له الجرائد اليومية، وكان فرحاً إذ رأى خبر عودة اللوحة المسروقة من منزله، متصدراً الصفحة الأولى، وباركت له بسلامة عودة اللوحة المسروقة.