بقلم د. منار الشوربجى
شاهدت الفيديو الذى أعلن فيه، أبوبكر شيكاو، زعيم حركة «بوكو حرام» النيجيرية، ضاحكا، المسؤولية عن خطف أكثر من مائتى فتاة، وعزمه على بيعهن فى الأسواق. والرجل تساءل وسط ضحكاته لماذا كل هذه الضجة لأجل فتيات ينتظمن أصلا فى التعليم الغربى، الذى يعتبره هو حراما! اللافت أن الرجل الذى حرّم التعليم الغربى كان يتحدث بلغة هى خليط من لغة الهاوسا واللغة الإنجليزية، التى هى إحدى لغات التعليم الغربى! ولا يمكن فى الواقع أن تشاهد مثل ذلك الفيديو المقزز إلا وتشعر بالأسى والغضب معا حين ينسب ما فيه للإسلام.
و«بوكو حرام» نشأت فى نيجيريا، تلك الدولة صاحبة الحضارة العريقة والشعب العظيم، التى يقال عنها إنها بلد التناقضات. الغنى الفاحش والفقر المدقع، الثروات الهائلة كالبترول والجدب الشديد. ونيجيريا من أعلى دول أفريقيا فى الناتج القومى الإجمالى ومن أفقرها من حيث دخل الفرد. وفيها الفساد والنهب والتهريب المنظم للأموال للخارج. وفى الشمال النيجيرى المسلم، حيث اختطفت الفتيات، يزداد الفقر ويقل التعليم.
و«بوكو حرام» حركة متطرفة نشأت عام ٢٠٠٣ باسم طالبان نيجيريا، وتكونت من طلاب الجامعات والشباب بقيادة شاب يدعى محمد يوسف، هرب من الملاحقة الأمنية العنيفة لحركته إلى السعودية ثم سرعان ما غيّر، حين عودته، اسم الحركة إلى «جماعة أهل السنة للدعوة والجهاد»، وقال إنها حركة سلفية. لكن الإعلام المحلى والغربى ركز على تعبير «بوكو حرام» الذى أطلقه يوسف ويعنى بلغة الهاوسا «التعليم الغربى حرام».
ووفقا لتقارير منظمة الهيومان رايتس واتش، تحولت بوكو حرام إلى حركة أكثر شراسة وعنفا فى ٢٠٠٩ مع اتباع الحكومة النيجيرية استراتيجية أمنية بالغة القسوة لم تصاحبها أى استراتيجية سياسية. وقد ذهبت الاستراتيجية الأمنية إلى اعتقال مجموعة كبيرة من قيادات الحركة وقتلتهم، وكان على رأسهم زعيم الحركة نفسه محمد يوسف. وقد وصلت الحركة إلى مستوى غير مسبوق من العنف الموجه تحديدا للنساء بعملية اختطاف كبرى جرت وقائعها فى نوفمبر ٢٠١٣. وكانت تلك الجريمة نتيجة مباشرة، كما تقول صحيفة الجارديان البريطانية لقيام الحكومة النيجيرية باعتقال نساء حركة «بوكو حرام» وأطفالهم، خصوصا نساء القيادات منهم. وتقول الجارديان إن الحركة بعد قيامها بجريمتها أصدرت فيديو مصورا قالت فيه إن تلك العملية كانت هى ردها على ما فعلته الحكومة بنساء قياداتها. ثــــم «توالـــت حلقات الخطف المتبــــادل حتــــى اليوم» على حد تعبير الجارديان.
واللافت للانتباه منذ خطف الفتيات هو رد الفعل الدولى، خصوصا الأمريكى. فالولايات المتحدة اعتبرت نيجيريا الغنية بالبترول أولوية، ورأى جناح فى إدارة أوباما أن خطاب «بوكو حرام» قد صار أقرب للقاعدة من حيث عدائه لأمريكا، بما يستوجب ضرورة التحرك فى المغرب العربى وغرب أفريقيا عسكريا.
هذا فى الوقت الذى كان فيه رد فعل الحكومة النيجيرية بطيئا متثائبا. ومن هنا، فإن جرائم «بوكو حرام»، واستراتيجيات الحكومة النيجيرية وأداءها البائس قد يدفع ثمنها معا شعب نيجيريا كله فى شكل تدخل دولى. ففضيحة خطف الفتيات، التى هى مجرد قمة جبل الثلج، من شأنها أن تفتح الباب الذى يدخل منه التدخل الدولى بما فى ذلك حرب الطائرات بدون طيار، كما تفعل أمريكا فى اليمن.
نقلآ عن المصري اليوم