بقلم: مينا نبيل فرنسيس
منذ عدة أعوام، وأثناء حديثي مع أحد أعز وأقرب الأصدقاء لقلبي، تطرق صديقي لقضية هامة جدًا، أعتقد أنها غيرت كثيرًا من طريقة تفكيري، وطريقة تناولي لأمور حياتية هامة، فقد تحدث صديقي عن "نظرية القطيع".. ومن يومها ولم يُفارقني هذا المصطلح..
ولا أخفي عليكم سرًا أنه منذ أيامٍ ثارت بداخلي أسئلة كثيرة غاضبة، رددها ذهني وقد تملكته حالة غريبة من الاستياء والاشمئزاز والحسرة والألم، وذلك في أعقاب الأحداث المؤسفة المخزية المهينة التي تبعث على السخرية مما آلت إليه أذهاننا وعقلياتنا.. أحداث مرسى مطروح الطائفية الأخيرة، ولا أظنها الأخيرة!!
فما أحزنني ليس أنها وقعت بين مسحيين ومسلمين فحسب، ولا أنها وقعت بين عنصرين يُفترض أنهما يكونان وطنا واحدًا فحسب، ولا الضحايا الذين يرزحون تحت وطأة الألم النفسي والجسدي المرير فحسب، بل لأننا في تلك الواقعة طبقنا "نظرية القطيع" بجميع حذافيرها!!
ببساطة تدور فكرة "نظرية القطيع" حول سهولة الانقياد، وعلميًا معروفٌ أن "الخروف" هو أغبى الحيوانات، لأنه ينساق وراء راعيه بمنتهى السهولة والسلاسة والتسليم، ومن هنا تكمن خطورة تلك النظرية، في ظل تنامي ظاهرة ما يمكن أن نسميه "العقل المجتمعي".. لقد أصبحت فئة كبيرة من مجتمنا منساقة وراء أشخاصٍ عدة في مجالاتٍ حياتية كثيرة، فصار الذي يحتل منصبًا في تخصصه – إن جاز التعبير – هو "الراعي".. فصار هناك متحدث واحد ومستمعون كثيرون، فأصبح السواد الأعظم مننا محصورًا في خانة المتلقي، الذي أضفى هالة من القدسية على "الراعي".. فغيَّب تفكيره وعقله، وأصبح منقادًا وسط القطيع، وأصبح كلام الراعي كلامًا لا يمكن الحياد عنه، يُقبل دون إعمال للفكر ولا العقل الذي منحنا الله إياه، فتكسرت بداخلنا القدرة على التحليل والتفكير والابتكار والمناقشة متناسين أننا بشر، خلقنا الله بعقل نميز به ما نراه وما يُقال لنا..
فهل تحولنا لكائنات مؤقتة منصاعة تنساق وراء الآخرين.. وأرجو ألا يغضب من أحد.. فأنا لا أتهم أحدًا .. ولا أنعت أحدًا بصفةٍ معينة، لكني أتساءل متعجبًا لأني يومًا كنت أقبل جميع ما يُقال لي دون تفكير، فهل أصبحنا لا نكلف أنفسنا عناء التفكير فيما يُقال لنا.. هل فكرنا ولو للحظة أن هناك مشيئتين، مشيئة الخير التي نبعها الله، ومشيئة الشر ونبعها الشيطان، هل فكرنا أي مشيئة خلقنا الله لنتممها، وهل فكرنا في أن ما نقبله ونقتنع ونتأثر به قد يكون خارجًا عن مشيئة إله المحبة؟؟
فجميع ما يقبله ذهننا وعقلنا مما نشئنا عليه من مئات بل آلاف السنوات يجب أن يخضع لمقياس "المشيئة".. لا لمقياس "القطيع".. فليس ثمة أشخاص كاملون لديهم العلم الكامل، والفكر الكامل، والمعرفة المستنيرة الكاملة، ولسنا بمخلوقاتٍ دنية حتى نصير تابعين بلا إعمال لأعظم هبة ميزنا بها الله وهي "العقل".. هذه دعوة مني للتفكير من جديد في حقيقة ما يُسمى بالـ "العقل".. فيما نشأنا عليه من معتقدات ظننا أنها الأصح وأننا الأكمل، في الوقت الذي سبقنا العالم كله، ونحنا لازلنا قابعين في سجون التخلف الفكري، لأننا نطبق نظرية "القطيع" دون أن ندري..