رؤية
قداسة البابا، عندما حاول الإخوان ومن لف لفهم في لحظة حرجة أن يشعلوا نيران الفتنة على أرض المحروسة عبر اعتداءات مجنونة على عدد هائل من
الكنائس والمنشآت المسيحية وبيوت ومتاجر المسيحيين، وبينما اجتاحت مصر موجة غضب عارمة من جانب كل المصريين كادت تتحول في ذروتها إلى حرب شوارع للرد على جنون أعداء الوطن والبشر والخير والنماء والسلام، خرجت قداستكم بكل هدوء وحكمة وإيمان بالله والوطن وعظمة شعبنا، لتبلسم بروعة الجراح، ليس من منطلق الضعيف المستسلم البكاي الشكاي صاحب المظلومية، ولكن بإيمان بعبقرية شعبنا الذي ستصله رسالتكم الوطنية القوية الرافضة لإشعال وطن مقابل إشعال كنائس، ووصلت الرسالة وتهلل المواطن المصري ببطريرك مصري وجه صفعة هي الأقوى لنتوء سرطاني في جسد الوطن.
والمتابع الدارس لتاريخ الكنيسة المصرية وبطاركتها سيجد من قصص وحكاوي الوطنية المصرية الكثير، ولكنني أزعم أن المياه الباردة المندفعة نحو حريق الوطن التي دفع بها قداسة البابا تواضروس الثاني الكنيسة المصرية هي الأقوى، لأسباب كثيرة لعل من أهمها أن البلاد تعيش تداعيات تفاعلات سلبية لمرحلة انتقالية بعد ثورة، فضلاً عن إحساس الناس بهشاشة في المنظومة الأمنية بعد سقوط مروع لنظام خلط الشأن السياسي بالديني خلَّف عند البسطاء منا حالة من التوهان والضياع المؤلم، فكان موقف البابا ليعيد الثبات على الأرض من جديد.
ولكن الآن، ونحن نمر تاريخياً وسياسياً بمرحلة دقيقة لاستكمال تنفيذ خطة المستقبل، هناك ــ للأسف ــ من يزج بالكنيسة في معارك لصالح مرشح للنيل من مرشح منافس، وتعميم مفهوم أن الكنيسة تقود الأقباط وتحركهم كالقطيع لصالح فصيل ضد الآخر، بالإضافة لتصوير أن الكنيسة تعيش حالة صراع داخلي، وصراع مع مؤسسات وصراع وصراع .. الخ عبر استخدام إعلامي لا يقدر خطورة المرحلة من خلال تضخيمات غير صادقة لما يحدث!
إليكم هذا العنوان على سبيل المثال «ابتزاز البطريرك بورقة السفر للقدس»، وفي الواقع أن الكنيسة في حالة سبات إلى حد الجمود في التعامل مع القرار، وكأن المجمع المقدس يراه في أهميته كقانون الإيمان المسيحي، وأن من كتب العنوان هو من يبتز ويخيف كل صاحب رأي مخالف أن يعيد طرح الحوار حول القرار، مع أنه قرار سياسي يمكن، بل ينبغي إعادة الحوار حوله مع حدوث أي متغيرات على الأرض من حيث جدوى و أهمية القرار، وهل ضرورته الوطنية مازالت قائمة، وحكاية فزاعة التطبيع التي لا يراها كذلك أخوتنا الفلسطينيون أهل البلد (قادة، سياسيون، رجال دين، البسطاء أصحاب المصلحة في الاسترزاق بسياحة راغب التبرك».. والجميع هناك يقول إنكم لا تعاقبون السجان بقدر معاقبة المسجون!!
قداسة البابا، لقد وعدت فور تجليسكم على الكرسي المرقسي العظيم بإصلاح البيت من الداخل عبر التواصل مع كل صاحب رأي وفكر، وقد أعلنت ذلك مؤخراً عبر موقفكم وترحيبكم بمشاركة التيار العلماني، وعليه أنتهز الفرصة لطرح بعض علامات الاستفهام علها تكون محل اهتمام نيافتكم:
في إطار الصراع على كرسي الرئاسة، تحدث البعض في مقالاتهم وعلى صفحاتهم الفسبوكية حول أسقف معين بالاسم يؤيد المرشح «فلان»، وآخر يؤيد المرشح «علان»، وبالطبع تلك اللعبة لصالح من يريد اللعب بورقة أن الكنيسة متورطة في شحن الأقباط ودفعهم لاختيار مرشح بعينه، فيلتمس الآخر العذر لتدني شعبية مرشحة، وعلشان الصورة تطلع حلوة ومسبوكة تتصدر صورته مع نيافتكم صفحته الفسبوكية ليقول للدنيا «ها أنا مصدر ثقة وأكلمكم من داخل ذلك الكيان الروحي العظيم وبجوار رئاسته الدينية» ... وعليه، لماذا لا يصدر بيان من الكنيسة لتفنيد تلك المزاعم، وأن الكنيسة مازالت عند وعد نيافتكم خارج دوائر الممارسة السياسية، وأنه في حال ثبوت مثل تلك الأفعال سيكون للكنيسة موقفها الحاسم، وكلنا لا ننسى كيف أوقفتم الدفعة الشعورية الطبيعية لدي جماهير المحتفلين بعيد القيامة المجيد، بمواصلة الحديث ليتوقف التصفيق لبيان حيادية الكنيسة؟
لماذا إصرار الكنيسة على تجاهل قرار البابا كيرلس السادس بوقف سفر الأقباط للقدس، والتوقف والإشادة فقط بقرار قداسة البابا شنودة الثالث.. ليه مع إن الاتنين مهمين ورائعين وبنفس القدر من الأهمية، وإن كان هناك تحفظات على القرار الأخير بأنه مصحوب بعقوبات روحية على عدم الاستجابة لتوصية سياسية، ثم إن ذلك الإصرار على منح بطولة لقرار جاء بعد سبع سنين من حبرية البابا شنودة يعني موافقة الكنيسة على ذهاب الأقباط للقدس قبل اتفاقية كامب دافيد، وفي ذلك غبن وإساءة للكنيسة وللاثنين البطاركة على اعتبار قبولهما أو حتى سكوتهما على سفر الأقباط للقدس في زمن احتلال سيناء، وهو مارفضه البابا كيرلس السادس، ورغم تنبيهي لتلك الكارثة لا تصحيح للموقف، ولا حتى من جانب كل أشاوسة الكتابة، ووحدي أغني خارج السرب؟! وللكلام متمة.
medhatbe@gmail.com
نقلا عن الوفد