بقلم : أنطوني ولسن / أستراليا
الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتعليمي في مصر وصل إلى حد التدني . أي إلى مستوى لا يليق بوطن مثل مصر .
قد يسأل ساءل ولماذا هذا المستوى الذي وصلت إليه مصر لا يليق بها ؟ التاريخ يقول عكس ما تقوله منذ سنوات وسنوات ، ما قبل محمد على باشا وما بعد الملك فاروق ولم تقم لمصر قائمة . بمعنى أن مصر طوال عمرها وهي في حالة تدني .
أنا لا أعترض على هذا القول ولكن مع الأسف كان عبد الناصر الأمل الذي سيأخذ مصر إلى المكانة اللائقة بها وبشعبها . لكنه وأنا أتأسف على ما سأقوله .. قد خان مصر والشعب المصري لأنه تراخى عن الاهتمام بمصر وشعبها وأهتم بالصفوة والضباط الأحرار الدرجة الأولى والدرجات التي تتبع الدرجة الأولى ثم بعد ذلك كان الاهتمام بالوحدة العربية وما شابه . أنا لا أفتري على الرجل لأنني كشاب في تلك الحقبة الزمنية صفق للثورة وعشق إنسان إسمه عبد الناصر .
ذهب أحد نواب الرئيس عبد الناصر إلى الصين وكان أسمه حسين الشافعي . كان رئيس الصين في ذلك الوقت هو ماوتسي تونج . رجل آمن بالشيوعية وطبقها مع بعض الاختلافات التي كانت تطبقها روسيا " الأتحاد السوفيتي " وأنا عن نفسي لست شيوعيا لا لشيء إلا أنها تتعارض مع إيماني المسيحي .
في ذلك اللقاء أخبر سيادة نائب رئيس الجمهورية الرئيس الصيني أن مصر إتخذت من الأشتراكية نموذج حياة تطبقه على الشعب والحكومة . نهض الرئيس الصيني وتوجه إلى السيد نائب رئيس الجمهورية واقترب منه ثم مدّ يده إلى " الكرافت " الغالي جدا وقال له ( فعلا تطبقون الأشتراكية في مصر وأكبر دليل هذا الكرافت الغالي الثمن ) . طبعا ماوتسي تونج كان يرتدي الزي الكاكي البسيط الذي في ذلك الوقت كان لباس الرئيس الصيني وبقية رجال ونساء الحكم والشعب يرتدون نفس الزي الكاكي . وإذا أردنا المقارنة ، فلا مجال للمقارنة التي وصلت إليها الصين والتي وصلت إليها مصر . قاسى الشعبان . أحدهما من أجل رفعة بلده الصين والأخر أغمض عينيه وفتحها فوجد كل أحلامه قد أخذها الغراب وطار ولم تقم لمصر قائمة . وتوالت المصائب حتى نصرأكتوبر 1973 تحول إلى كابوس أطاح بحلاوة النصر وأطلقت عليه " يوم النصر الحزين " .
كل من عاش في مصر سواء بالجسد أو بالقلب والروح لا ولن تنمحي من ذاكرتهم تلك الأيام السود بعد ذلك النصر . التناحر وانتشار تجار الدين وتغلغلهم في الحياة الأجتماعية والأقتصادية والتعليمية قلب كل الموازين والمعاير وأصبح المصري يساق كنعجة " مع الأسف " ينفذ ما يؤتمر به من الأخوان والجماعات الأخرى ولبسوا الجميع رجالا ونساء " الطُرح " على شكل حجاب أو نقاب أو جلباب قصير وسروال مع لحية طويلة وزبيبة كختم النسر فوق الجباه ، وانتهت مصر على أيديهم على مدى حكم السادات ومبارك ومن الطبيعي إزداد الطين بله في عام حكم سي مرسي .
الآن ونحن على أعتاب انتخابات رئاسة الجمهوري والوضع المتدني في مصر .. اقتصاديا واجتماعيا وتعليميا تُرى هل هناك أمل في مصر بأن تنهض من كبوتها وتسير في طريق الإصلاح ؟!. أعتقد الإجابة على السؤال صعبة . لأننا ضيعنا وقتا طويلا في اتخاذ القرارات الصائبة التي توجه مصر الوجهة الصحيحة نحو ما نتمناه لمصر والشعب المصري .
لا أحد يُنكر الضغوط التي تتعرض لها مصر في الداخل والخارج . ولا أحد يُنكر أن الأخوان وأتباعهم مثل الإخطبوط لهم أزرع في كل مكان في العالم وداخل مصر ومع ذلك فإن الشعب المصري بدأ يتكلم ويطالب ويواجه ولا أحد أيضا يستطيع أن يُنكر دور المرأة المصرية أينما تواجدت في الداخل أو الخارج واهتماماتها بمصر والشأن المصري وخروجها دون خوف تطالب وتطالب من أجل نهضة مصر . نحن أمام قوة مصرية أصيلة سوف تعمل من أجل مصر . لكن دعونا نناقش الثلاثة صعاب التي تواجه مصر والتي أوصلت مصر إلى هذا التدني .
أولا : الوضع الاقتصادي ...
بعد حرب اليمن و 67 و 73 ، لا شك لم تستطع مصر أن تتقدم خطوة نحو العمل من أجل اقتصاد قوي مبني على العمل والإخلاص . لكن وجدنا الأنتهازية الأخوانية تجوب البلاد وتشتري الشباب بالمال وبالوظيفة مع استخدام المرأة لتكون وسيلة إقناع للشباب للسمع والطاعة .
إنتشرت الرشوة ومن لا يدفع لا يستطيع تحقيق مصالحه . العمل الوظيفي الحكومي تحول من عمل حكومي يهدف إلى خدمة الناس إلى عمل حكومي لا يخدم سوى فصيل الأخوان بهدم سلطة الحكومة . تحجبت وتنقبت المرأة من طفلة إلى المرأة الراشدة . وتميز التابعون للأخوان من رجال بالمظهر الخارجي " كما أشرت إلى ذلك " . لم يهتم أحد بالوضع الاقتصادي المتدني . لكن الحكومة " الرئاسة " إهتمت بكل من يستطيع أن يزيد من الأنتاج العائد دخله إلى جماعة الرئاسة وليس الشعب المصري الذي وصل به الحال إلى الموت من أجل رغيف العيش . بل أن الجماعات الإسلامية بدأت تهتم بالمنضمين إليها وتشجعهم على التراخي في العمل والاهتمام بأداء الفروض الدينية على حساب أوقات العمل . فكيف لمصر أن تعتمد على الأقتصاد المبني على مصلحة الرئاسة ومن معها ، والأخوان ومن يتبعهم !.
الأقتصاد المصري يحتاج إلى دفعة قوية مع إنكار الذات . دفعة قوية للعمل الجاد الشاق وليس على الآماني والتخيلات والبلد محلك سر. دفعة قوية يرتدي فيها الزي الكاكي من أول رئيس الجمهورية المدني المنتخب حتى أخر غفير درك وعامل بسيط لتتساوى الرؤوس ويعرف الجميع أنه لا سيد ولا عبد في مصر ولا مؤمن ولا كافر بين المصريين الجميع أحرار بما يؤمنون أو بما يكفرون ، لكن الجميع يعمل من أجل مصر . فهل هذا ممكن ؟ أم أنه مستحيل ؟ أترك الأجابة لكم ...
ثانيا : الوضع الاجتماعي ...
لا يمكنني إنكار ما كانت عليه مصر قبل عبد الناصر وفي فترة عبد الناصر حتى 3 أشهر قبل الخامس من يونيو1967 .
مصر في عهد الملك فاروق وما قبله بقليل كانت تعيش عصر الإقطاع أليس كذلك !.
أصحاب الأراضي الشاسعة والقصور والسيارات والسلطة والجاه وهم قلة مقارنة بأعداد بقية الشعب المصري التي بدأت في إزدياد . لكن الطبقة المتوسطة ظلت رمانة الميزان في الحياة الأجتماعية في مصر .
الشعب المصري مثله مثل بقية الشعوب العربية تميز بالمودة والمحبة بين أبناء الوطن لا يمكن لأحد أن يميز من هو المسلم ومن هو المسيحي إلا عندما يذهب المسلم إلى المسجد ليصلي في يوم الجمعة ، ويذهب المسيحي إلى الكنيسة في يوم الأحد وقد أكد على ذلك اللورد كرومر في مقولة له . وعن نفسي قد عايشته منذ أن وعيت على الدنيا إلى الثلاثة أشهر قبل النكسة . نعم هذا ما حدث عندما كنا نستمع إلى أحد التجار في شارع الازهر وهو يؤم المصلين في الزاوية القريبة من محله ومحل شقيقي المرحوم صدقي ويعلن أن الوقت قد حان للقضاءعلى اليهود والكفار . وعندما إستفسرنا منه عن من هم الكفار ، إبتسم إبتسامة صفراء وقال أنتم يانصارى . وحدثت الكارسة ولم يستطع لا هو ولا غيره من القضاء على اليهود أو النصارى . وبقية القصة معروفة للجميع ويعيش أثارها حتى الأن فقد كادت أن تنفصم المودة والمحبة بين أبناء الشعب المصري . وانتهت أو كادت أن تنتهي تلك الملحمة التي كانت بين أبناء وطن آمن أبناؤه بأن الدين لله والوطن للجميع .
حدثت مذبحة كنيسة القدّيسيّن بالأسكندرية . خرج المسيحيون يهتفون بسقوط النظام . أنضم إليهم في ميدان التحرير مئات من شباب وشابات مصر .. تطور العدد وأصبح بالآلاف ثم بالملايين . حمى المسيحي شقيقه المسلم أثناء الصلاة ـ وفعل المسلم نفس الشيء مع شقيقه المسيحي أثناء الصلاة . بدأ الأمل يظهر في عودة ملحمة الدين لله والوطن للجميع . لكن شياطين الخراب أستطاعوا إعادة مصر مرة أخرى إلى عصور الظلام والتفرقة بين أبناءها . زادت الفجوة في أثناء حكم سي مرسي بعد أن جلس على الكرسي . لكن الشعب لم تنطفيء شعلة الإيمان بأن مصر وطن للجميع . وطن لكل من يؤمن بأن مصر هي أمه مهما إختلف لونه أو جنسه أو عقيدته .
من إستمع إلى الحوار الذي أجرته الأعلامية الأستاذة أماني الخياط مع فضيلة الشيخ أحمد كِريمة يوم الثلاثاء 29 / أبريل 2014 ، يعرف أنني كنت على حق عندما كتبت مرارا وتكرارا عن عم عبدالله الخولي وخالتي أم على زوجته وهو يطمئنها على علاقة النصراني " أنا " وإبنها محمد . لم أندهش من كلام فضيلة الشيخ أحمد كِريمة فقد فهمته وحفظته منذ خمسينات القرن الماضي وآمنت به بأن بالفعل والحق الدين لله والوطن للجميع . بدأ بصيص الأمل في أن تعود إلى مصر وجهها الحضاري ويتم تحقيق ما كنا نحلم به نحن الجيل القديم من محبة ومودة بيننا وبعض أينما كنا وتواجدنا فكلمة مصري يجب أن تعود إلى سالف معناها الذي كان بين أبناء مصر .
فهل الرئيس الجديد يؤمن بذلك أن مصر لكل المصريين المخلصين لمصر وليس للأرهابين وتجار الدين ويبدأ بالفعل وليس بالقول دعم هذه الوحدة الوطنية وعدم الاستماع إلى أي وسوسة شيطانية متخذة التفرقة قوة للحيلولة دون النهوض بالوطن مصر " أم الدنيا وأد الدنيا " ؟؟؟ أتمنى أن نكون قد تعلمنا الدرس .
ثالثا : الوضع التعليمي ...
الوضع التعليمي في مصر حدث ولا حرج وهو الفاعل الأكبر في تقهقر مصر وتخلفها بين الأمم " هذا لا يعني عدم وجود علماء في جميع مناحي التعليم لكن غالبيتهم أكملوا أو درسوا في الخارج " . ولكي ننهض بالتعليم أعتقد أنه ..
أولا : ضرورة تسنين قانون بتحديد النسل . هذا القانون سيحد من كثرة الأنجاب الذي وصل إلى الحد الغير معقول بالنسبة لرقعة الأرض في مصر والتي لا تحتمل هذا العدد المهول من الأطفال ، وبالتالي لا يجدون المكان المناسب للتعليم أو لأبسط مطالب الحياة .
ثانيا : يجب إعادة النظر في المواد الدراسية الغير معقولة والتي لا تعطي الطالب فسحة من العقل ليفكر ويبحث ويدرس ، لكنها تحشو عقله ليضطر إلى الحفظ الصم ليكرره في إيجابه على الأسئلة وبعدها يتبخر .
نحن في حاجة إلى المزيد من المعرفة والبحث العلمي لا الأنشائي واللغوي . العالم وصل إلى السماء بإختراعاته وبحثه العلمي وإكتشافاته وليس بما يحفظه .
فهل هناك مسئول شجاع يلغي المنظومة التعليمية في مصر من الألف إلى الياء لتبدأ منظومة تعليمية جديدة تعتمد على البحث والتجربة والعلوم الطبية والهندسية والفضائيات وكل ما هو فيه تقدم للإنسان في مصر وللبشرية في العالم ؟
وأضغط مرة أخرى على تحديد الإنجاب فقد أصبحنا ننافس " الأرانب " في الإنجاب.
هناك الكثير الذي يقال بالنسبة للوضع التعليمي في مصر أتركه إلى المختصين المخلصين لمصر وأباء مصر . بدلا من الأكثار من أطفال الشوارع ، دعونا نكثر من أطفال العلماء والمفكرين والمخترعين ...
أختم مقالي بعنوان المقال :
مصر ليست الأولى في الوضع المتدني ، وقد إستشهدت بالصين . لكن الحقيقة توجد دول أخرى إستطاعت أن تنهض وتتقدم مثلما حدث في الصين وروسيا الملكية والبلشفية " الأتحاد السوفيتي " وما وصلت إليه روسيا حاليا من مرتبة أصبح الغرب يخشاها . كذلك في ماليزيا والبرازيل . ولا يمكنني أن أتجاهل دولة الأمارات العربية التي أخذت مكانة عالمية بين الدول المتقدمة .
إذا نحن لسنا وحدنا في التدني ويجب أن ننهض لكي نلحق بالدول المتقدمة ويكون لمصر دور في التعليم وغيره من مناحي الحياة .