الأقباط متحدون - أسباب معروفة وخفية لمجزرة الهلايل والدابودية
أخر تحديث ٠٥:٢٠ | الأحد ٢٧ ابريل ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش ١٩ | العدد ٣١٧٢ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

أسباب معروفة وخفية لمجزرة الهلايل والدابودية

مجزرة الهلايل والدابودية
مجزرة الهلايل والدابودية

بقلم:فاروق عطية
   بدون مقدمات وفي المدينة الهادئة التي يسكنها أكثر سكان مصر طيبة ووداعة, في أسوان أرض الدفئ والتاريخ حدثت أكثر الأحداث إثارة ودهشة. فجأة سمعنا عن فتنة عرقية كان ضحاياها 26 قتيلا و45 مصابا, علي خلفية معركة قبلية بين أبناء قرية دابود النوبية و أبناء قبيلة الهلالية وسط فراغ أمني مريب ساعد علي تأجيج الوضع وفي ظل تشويش إعلامي غير منضبط  صور المشكلة علي إنها“خناقة “بين جماعة الإخوان وأنصار السيسي, وأصدرت الداخلية بيانا بأن المشكلة معركة بين طلاب الإخوان والأهالي.

   بدأت أحداث الواقعة يوم  الأربعاء 2 أبريل الماضي، بمشادات كلامية بين طلاب مدرسة أسوان الثانوية الصناعية بالمنطقة لوجود عبارات مسيئة وجدت مكتوبة علي جدران المدرسة تسيئ للطرفين, تطورت لاشتباكات بالأيدى, وتدخل عدد من الأشخاص حتى انتهت المشكلة. وفي يوم الخميس 3 أبريل عاود بعض أفراد من عائلة الهلايل بكتابة عبارات سب على جدران جمعية  دابود النوبة ” محل اجتماعات عائلة النوبيين” فحاولت إحدى سيدات العائلة منعهم ونشبت المشاجرة مرة أخرى

وأطلق المتهمان ” مصطفى عبده أبو جلمبو ” و ”محمد عرفة أبو جلمبو” من عائلة الهلايل نيران أسلحتهما الآلية مما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص و إصابة ثمانية آخرين من عائلة ”دابود ”. لم تتدخل الشرطة لإنهاء المشكلة وتحديد الجناة مما حول الأمر إلي عصبية قبلية, و فى الساعة الثالثة من صباح الجمعة 4 ابريل هاجمت عائلة ”دابود” بعض منازل الهلايل وأشعلوا فيها الحرائق وأطلقوا النيران على من فيها  وتعدوا عليهم بالأسلحة البيضاء  مما أسفر عن مقتل أربعة عشر شخصاً من عائلة الهلايل، ثم توالت الاشتباكات, ففي الخامسة صباح السبت هجم الهلايل علي منزل مملوك لاحد النوبيين وأحرقوه وأسروا الرجال بداخل جمعيتهم ثم ذبحوهم وعلقوا جثثهم علي باب الجمعية وأشعلوا النار في إطارات سيارات حتي يمنعوا سيارات الإسعاف من الدخول لأخذهم. وانتهت الاشتباكات بمقتل سبعة أشخاص آخرين اثنين من عائلة الهلايل و خمسة من عائلة ”دابود”, ووصل إجمالي القتلي لـ 26 قتيل والمصابين إلى خمسة وأربعين شخصاً من الطرفين.

   تلك كانت الأحداث, وحتي نعرف الأسباب علينا أن نلقي بعضا من الضوء علي طرفي المشكلة:
1ـ النوبة أرض الذهب التى إستعصت على غزاة العرب بقيادة عمرو بن العاص وإحتفظت بخصوصيتها ولغتها ودينها رغم كل محاولات ابن العاص لإخضاعها دون جدوي. حاول مرة تلو المرة فلم ينل من ذلك غير (كسر الرقبة) وإطلاق السهام علي حدقات العيون وهي الطريقة التى فضلها النوبيون لقتل وثلم عيون جنود العرب الغزاة رغم خلو أيديهم من سلاح يضارع ما جاء به العرب ولم يكن لديهم دافع للإستيلاء على أرض ولا سبي النساء وجمع الرقيق وهي الدوافع الحقيقية للغزاة العرب بينما كان أهل النوبة يملكون دافعا واحدا وهو الإبقاء على نقاوة الجنس وعدم السماح لأحد بإستعبادهم وهو ما تحقق فلم يدخلوا في الإسلام كرها إلا في العصر المملوكي حيث تمت مجازر رهيبة لقمعهم بحجة مساعدتهم للصليبيين في غزواتهم. ويفضل النوبيون دائما الإحتفاظ بتاريخهم وذكرياتهم مروية منقولة من جد إلى جد ومن جيل إلى جيل, والنوبيين لا ينسون أرضهم التى هُجّروا منها عنوة ويحلمون بالعودة إليها دائما وهم في إنتظار حلم العودة. وكانت أسوان هي أرض النوبيين التى إحتضنت كل الثقافات وأدمن السياح الغربيين المبيت لليال متعددة في بيوت أصدقاء من النوبة دون خوف من إستغلال أو سلوكيات التحرش التى يدمنها باقي الوطن, لكن يبدو أن المس الشيطاني الذي أصاب مصر على يد المتأسلمين قد نجح هذه المرة في تغيير الكثير من السائد والمعلوم عن النوبيين فبين ليلة وضحاها تحولوا لوحوش كاسرة للدفاع عن هويتهم وأعراضهم.

2ـ تاريخيا بنو هلال قبيلة عربية هوازنية قيسية مضرية عدنانية، كانوا بدوا في وسط نجد، هاجروا من الجزيرة العربية إلى الشام ثم صعيد مصر ومنه انتقلت إلى باقي المغرب الإسلامي بعد ازعاجهم للدولة الفاطمية. هجرة بني هلال من أشهر الهجرات العربية إلى شمال أفريقيا في القرن الخامس الهجري/ الحادي عشر الميلادي وتعرف " بالهجرة الهلالية " في التراث الشعبي العربي

فيما يصفها ابن خلدون بانتقال العرب إلى أفريقيا. وتعرف كذلك " بالهجرة القيسية " نسبة إلى ان أغلب القبائل المهاجرة تندرج تحت الفرع القيسي من العرب العدنانية. انتشرت هذه القبائل القيسية في كل من الشام والعراق والجزيرة ومصر، حيث أحدثوا اضطرابات متكررة ولا سيما إبان حكم الدولتين العباسية والفاطمية، مما دفع بعض الخلفاء إلى مراقبتها ومقاومتها. وقد عمل الخلفاء العباسيون على التصدي لهذه القبائل وأسر عدد كبير من أبنائهم عقابا على تمردهم وعمليات النهب ضد المسافرين والحجاج وأهل المدينة، وبرغم ذلك لم يكغّوا عن مواصلة العنف والتطاول على الناس طوال القرن الرابع الهجري, ولعل انضمام الهلاليين والسليميين للحركة العلوية في القرن الأول ومناصرتهم في القرنين الثالث والرابع للقرامطة يعبر أحسن تعبير على نزعة العنف والتمرد لديهم.

 وهلايل الحاضر ليسو بقبيلة واحدة او ينحدرون من جد واحد او أصل واحد, وقد يكون معظمهم لا ينتمون أصلا لقبائل عربية, ولكنهم تجمعات بشرية ممتدة بين اسوان والأقصر وقنا وسوهاج، اتخذوا هوية القبيلة نتيجة لقبلنة المجتمع الصعيدى فى غياب شرعية أيديولوجية للدولة منذ أواخر ايام السادات. ليكسب الحزب الوطنى الانتخابات فى غياب شرعية فكرية اعتمد على شرعية القبائل مما مثل انتكاسة للمجتمع الصعيدي. فبدلا من انضواء المواطنين تحت لواء المواطنة أصبحوا تحت لواء العشيرة او العرق او الطائفة.

   يتمركز أبناء بني هلال في ثلاثة مناطق بمحافظة أسوان، فأكبر تجمعاتهم بشرق مدينة أسوان في مناطق “الحكروب، والناصرية وخور عواضة والسيل والشيخ هارون, وفي أجزاء متفرقة من مدينة كوم امبو وقرية العتمور، وفي مركز إدفو تتمركز “الهلايل” بحاجر أبو خليفة وحاجر إدفو ونجع هلال وبجوار عمارات الأمن، ويعمل نسبة كبيرة من الهلايل في الحرف اليدوية والتجارة و”الحنطور” وبيع منتجات الألبان والبرسيم والرعي والخردة, وبعضهم يمارس البلطجة وتجارة المخدرات والأسلحة.

  والآن نلقي بقعة من الضوء علي الأسباب المتداولة لما حدث من انغلات بين الهلايل والدابودية:
يتحدث أهل النوبة بكثير من الغضب عن ضابط كبير ينتمي لقبيلة الهلايل في أسوان شغل منصبا أمنيا رفيعا في المحافظة جعل من الهلايل قوة مسلحة بكل أنواع السلاح القادم من السودان عبر الدروب الصحراوية إضافة إلى شحنات المخدرات التى أصبحت تجاره الهلايل الحقيقية في حماية ذلك الضابط الكبير الذي عمل لصالح نظام محمد مرسي وإستمر في خدمة الجماعة وأفكارها بعد سقوطها وكان مسؤولا عن حادثة تعذيب بعض رجال الشرطة بعد فض رابعة دون أن يكون هناك ردا من الدولة ولو بالبحث عمن قام بذلك.

وتخرج نساء الهلايل في مظاهرات تأييد الشرعية بطول أسوان وعرضها مقابل مادي وفي حماية الأمن المفترض فيه أن يفرق مسيراتهم لكن يبدو أن المسؤولين في واد آخر, رغم معرفة من بيدهم الأمر حقيقة تجارة هذا الضابط في السلاح وإنتماءه للإخوان فكرا وعملا دون أن تكون للتقارير الكثيرة التى قدمت ضده أي أثر, وظل الرجل في مكانه ينتظر على ما يبدو إشعال النار في كل أسوان, أملا في دفع النوبيين المحبين للوطن أن يكفروا بوطنهم ووطنيتهم ويطالبون يدولة خاصة أو علي الأقل بحكم ذاتي. ولا يطال الاتهام ذلك الضابط فقط, فمدير أمن أسوان رفض التحرك منذ أول شرارة للقتال بدأها أبناء الهلايل ممن أطلق الضابط الكبير يدهم ليداهموا أبناء النوبة في منازلهم ساحبا قواته بعيدا عن مسرح الأحداث في إنتظار نصرا مؤزر لداعمي الإخوان في المحافظة، ويعلم الجميع أن النوبيين لم يكونوا يوما من مؤيدي الإخوان أو أي من الأحزاب الدينية. ولا يستبعد البعض لعب أصابع قطر في هذه الأحداث خاصة بعد زيارة مسؤول قطري كبير للسودان قبيل الأحداث بأسبوع.

   أما السبب الحقيقي لما تعيشه مصر من مشكلات المعارك الثأرية التي تتأجج من حين إلي آخر يكمن في تواجد القيائل العربية التي ابتليت بها مصر مع الغزو العربي, والتي أخرجت مصر عن مسارها الحضارى الطبيعى، وأجهضت تطلعها فى أن تأخذ مكانها اللائق بين الأمم المتقدمة، بكل ماغرسته فى التربة المصرية من قيم جهل وتخلف وعنف، حملتها معها من جزيرة العرب، قبل أكثر من ألف واربعمائة سنة، عندما خرجت فى موجة الفتوحات العربية الإسلامية، التى قوضت أسس الحضارة فى الشرق الأوسط كله

وليس فى مصر وحدها. والكثير من هذه القبائل التي تدعي أصول عربية هي مجرد كيانات مريضة أرادت التعالي علي أقرانها من أهل مصر الشرفاء ظانة أن بداوتها وعروبتها المزعومة أنقي وأشرف من مصريتها, جاهلة أن مصر الحضارة فخر لكل من ينتمي إليها وشرف لا يناله إلا من يستحقه. والغريب أن معظم من يتغاخرون بانتسلبهم للبداوة يتربحون من آثار أجددنا ويثرون من الاتجار بما ينهبونه من كنوزها وخيراتها. ولن ينصلح حال البلد إلا بعد القضاء علي هذه النعرة البدوية الدخيلة علي مصر الحضارة التي أذابت في بوتقتها كل من عاش فيها من أجانب سيان غزاة كانوا أم ضيوف, ومن لا يريد أن يعيش بيننا كمصري متحضر عليه أن يعود من عيث أتي وصحراء الجزيرة العربية تسع الجميع.

   أما بدو الصحاري المصرية فعلي الدولة أن تعمل علي تذويب بداوتهم بإدماجهم في مصر الحضارة بإقامة المشاريع التنموية زراعية وصناعية لهم. فمصر من 7000 عام بعد أن وحدها مينا لم تعرف في تاريخها القبلية ولا البداوة إلا منذ الغزو العربي المقيت, وقد آن الأوان للتخلص منه وعودتنا إلي الحضارة والتقدم والرقي الذي نستحقه.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter