بقلم ثروت الخرباوي
عادة ما يحرص الرئيس الفلسطيني «محمود عباس أبو مازن» كلما جاء الى مصر على الالتقاء بمجموعة من السياسيين والمثقفين المصريين الذين لا يشغلون مواقع رسمية، وذلك من أجل ان يطلعهم على آخر المستجدات في الشأن الفلسطيني ويستمع منهم ويشاورهم في الأمر، وهي سُنَّة حميدة درج عليها الرجل لم ينقطع عنها أبدا، ومن تمام حظي أنني التقيت به في آخر ثلاث مرات جاء فيهم الى مصر
وكان في كل مرة حريصا على ان يتبادل معي حوارا خاصا بشأن الحركة الاسلامية بعمومها وجماعة الاخوان على وجه الخصوص، ومن حواري معه أدركت أنه مثقف من طراز رفيع، فهو يجمع بين معرفة مستبصرة بالتاريخ ودروسه، كما أنه قارئ جيد لكافة تصانيف الأدب والسياسة والدين، وفي كل مرة نلتقي فيها يحدثني عن كتاب قرأه أو يسألني عن كتاب أرشحه له، ومنذ أيام التقيته مع مجموعة من المثقفين والسياسيين والاعلاميين المصريين، وبعد ان انتهى من شرح آخر المستجدات على الساحة الفلسطينية والمباحثات التي كانت دائرة بينه وبين الكيان الاسرائيلي، تكلم من أراد ان يتكلم من الحاضرين، واقترح البعض اقتراحات ناقشها الرئيس باستفاضة، ثم كان ان جلسنا على مائدة الطعام، واذا به يسر في أذني أنه قرأ كتابا جيدا يدور حول شأن من شؤون الاخوان المتعلقة بتاريخ حسن البنا وخلافاته مع بعضهم، وقال انه من فرط اعجابه بالكتاب أحضر لي نسخة منه، واذ سألته عن اسم الكتاب ومؤلفه قال هو «شهادة المؤسس الحقيقي للاخوان ضدهم» وأن المؤلف هو الكاتب الكويتي «محمد صالح السبتي» وبعد انتهاء الطعام أعطاني الرئيس نسختي من الكتاب.
ولا أخفيكم سرا أنني انتهيت من قراءة الكتاب عقب ان عدت الى بيتي، وقد وجدت ان الكاتب استطاع الحصول على مجموعة شديدة الأهمية من مقالات كتبها أحد قادة الاخوان الكبار في زمن حسن البنا، لم يكن هذا القائد شخصية عادية، ولكنه كان شريكا لحسن البنا في اقامة هذه الجماعة، بل انه أشار في بعض مقالاته أنه هو المؤسس الحقيقي للجماعة وأنه تنازل عن الموقع الأعلى فيها لتلميذه حسن البنا، حيث كان الفرق بينهما في العمر ستة أعوام جعلت من هذا القائد أكثر خبرة ودراية وعلما، الا أنه آثر ان يكون الرجل الثاني في الجماعة.
كان هذا الشخص هو الأستاذ أحمد السكري رحمه الله وقد اختلف مع حسن البنا اختلافا كبيرا لأسباب متعددة كان أكبرها ان زوج شقيقة البنا واسمه عبد الحكيم عابدين كان قد اعتدى على حرمة بعض الأخوات وتحرش ببعضهن وحاول اقامة علاقات شرعية معهن، فقررت الجماعة بعد ان ذاع صيت هذه الوقائع تشكيل لجنة للتحقيق فيما نسب اليه، وانتهت اللجنة الى ادانة الرجل، ولكن حسن البنا لم يلق بالا لهذا التحقيق ولا لنتيجته وألقى بها في سلة مهملات الجماعة.
وبعد أيام من اهمال حسن البنا لنتيجة التحقيق وتعزيزه مكانة زوج أخته في الجماعة، نشرت جريدة صوت الأمة والتي كانت لسان حال حزب الوفد العدو القوي للاخوان والبنا قصة هذا التحقيق ونتائجه، وكانت فضيحة كبرى وقعت على رأس حسن البنا وأظهرته على صورته الحقيقية التي كان حريصا على اخفائها خلف صورة الراهب المتبتل الذي انقطع عن كل شيء في الدنيا الا دعوة الاسلام فقط، ومن بعدها أصدر حسن البنا قرارا بفصل الأستاذ السكري وكيل الجماعة والرجل الثاني فيها، فكتب السكري قصة خلافاته مع البنا في عدة مقالات نشرتها صوت الأمة في غضون عام 1947، وقد احتوت هذه المقالات على وقائع حرصت الجماعة على اخفائها عبر تاريخها، بل انها من أجلها شنت أكبر حملة تشويه ضد هذا الرجل ووصفوه في مذكراتهم بصفات أقلها وأهونها شأنا أنه شيطان كان يسعى لتخريب الدعوة وتجريح الاسلام.
وأذكر أنه قبل ان يتوفى الأستاذ السكري في أوائل التسعينيات كان قد عزم على كتابة مذكراته، وعندما علم المرشد حامد أبو النصر بهذا الأمر ارسل رسالة له عن طريق الأستاذ مختار نوح والسكري لمن لا يعلم هو خال مختار نوح القيادي الاخواني الكبير الذي تركهم منذ سنوات قليلة وكانت الرسالة عبارة عن رجاء للأستاذ السكري ألا ينشر هذه المذكرات حتى لا يصد المقبلين على الحل الاسلامي، واستجاب السكري للرجاء ولم ينشر المذكرات ومات ولم يحضر جنازته أحد من الاخوان، اللهم الا مختار نوح وشخصي المتواضع، شكرا للأستاذ السبتي ان وثق لنا هذه المقالات الخطيرة التي تعتبر بديلا عن مذكرات رجل مات ولم يتكلم.
نقلآعن أونا