بقلم منير بشاى
من طرائف الصلوات ما سمعته عن احدهم انه كان يصلى طالبا من الله ان يعينه حتى يحب الناس الذين، حسب تعبيره، "دمهم يلطش". ولست أظن ان صاحب الصلاة يختلف عن الكثيرين منا. فكلنا تقابلنا فى حياتنا مع اناس لم نرتاح لهم، وربما تمنينا بعد المقابلة ان لا يجمعنا معهم سقف واحد، ناهيك ان تربطنا بهم علاقة محبة.
ولكننا نعيش الآن الايام المقدسة حيث نتذكر نوع آخر من الحب. وهو حب الهى عجيب لأنه اتسع ليشمل كل البشر ممن لا يستحقون الحب، وتعاظم بحيث جعل الله يرسل ابنه ليموت فداء عنهم على الصليب. قال الرسول بولس فى تصويره لهذا الحب "فانه بالجهد يموت احد لأجل بار.
ربما لأجل الصالح يجسر احد ايضا ان يموت. ولكن الله بين محبته لنا لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" رومية 5: 7 و 8
هذه هى المحبة الالهية (اغابى) التى تصدر من القلب خالصة من الاغراض. وهى مثالها محبة الله للبشر. فهى محبة لغرض المحبة دون ابتغاء عائد نفعى. ولكن هناك انواع اخرى من المحبة البشرية التى تستمر طالما وجد العائد.
فالمحبة الرومانسية (ايروز) تتجه نحو الجنس الآخر وتعود على المعطى بالاشباع العاطفى. وقد وضعها الله فينا لحفظ النوع واستمرار الحياة. وهى تعبير جميل وكانت وستظل ملهمة للادباء والشعراء والفنانين فى الابداعات الادبية والفنية والموسيقى الرومانسية. وهناك المحبة الأخوية (فيلو) وهى تتجه من الانسان للانسان وتقدم المحبة مقابل المحبة.
المحبة البشرية يشوبها النقص وتفتقر الى الكمال. وهى تجعلنا نحب من يحبنا ونبغض من يعادينا. وليس كذلك المحبة الالهية التى اعطانا السيد المسيح قبسا من نورها فى الموعظة على الجبل حين قال "سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك. واما انا فأقول لكم احبوا اعداءكم احسنوا الى مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم لكى تكونوا ابناء ابيكم الذى فى السموات فانه يشرق شمسه على الاشرار والصالحين ويمطر على الابرار والظالمين. لأنه ان احببتم الذين يحبونكم فاى أجر لكم. اليس العشارون يفعلون ذلك. وان سلمتم على اخوتكم فقط فاى فضل تصنعون اليس العشارون ايضا يفعلون هكذا. فكونوا انتم كاملين كما ان اباكم الذى فى السموات هو كامل" متى 5: 43- 48
وعلى عكس الاتهامات التى توجه للمسيحية فان هذه المحبة الالهية لا تعنى الخنوع والتسليم وهى.ليست تعبيرا عن الضعف والعجز ولكنها منهج مرتفع من السلوك لا يستطيعه غير الاقوياء، ومستوى سام من الاخلاق لا يصل اليه غير البالغون. وهى ايضا وسيلة لمقاومة الشر تفوق قوة السلاح. وهذا ما عبر عنه الرسول بولس فى قوله "ان كان ممكنا فحسب طاقتكم سالموا جميع الناس. لا تنتقموا لأنفسكم ايها الأحباء بل اعطوا مكانا للغضب. لأنه مكتوب لى النقمة انا اجازى يقول الرب. فان جاع عدوك فاطعمه وان عطش فاسقه لأنك ان فعلت هذا تجمع جمر نار على رأسه. لا يغلبنك الشر بل اغلب الشر بالخير". رومية 12: 18: 21
شكرا لك الهى الصالح من اجل محبتك التى تختلف عن محبة البشر. لأنه فى الوقت الذى تتجه محبة الانسان الى من كان وسيم الطلعة جذاب الشخصية خفيف الظل حلو المجلس رفيع المقام، ولكنك أنت احببتنا وقبلتنا وقربتنا اليك رغم انه لم يكن فيىنا شىء يستحق الحب.
اللهم دع نور محبتك الالهية يشع منا للآخرين. وبذلك نستطيع ان نظهر نفس تلك المحبة لهم حتى وان كانوا ضمن من كنا نعتبرهم قبلا "دمهم يلطش".