بقلم: أيمن عبد الرسول
خذ رأيي وحسبك ذاك مني على ما فيه من عوج و أمتِ
وماذا يبتغى الجلساء عندي أرادوا منطقي وأردت صمتي
ويوجد بيننا أمد قصيٌّ فأمّوا سمتهم وأممت سمتي
(أبو العلاء المعري)
واضح جدًا أنه (مفيش فايدة)، وأن كل ما نكتبه محاولة للحرث في البحر ولا (حد فاهم حاجة) وممكن نسكت ونبلع كلامنا اللي (بيعمل حساسية لكل الجهلاء من السادة القراء). للأمانة هناك (قلة مندسة) هي التي نكتب لها ومنها ومعها، هي التي تجبرنا على الكتابة بالعند في الذين يقرؤون القول فيتبعون أسوأه، هذه الحالة من العدمية الثقافية هي التي تجبر الكاتب على توضيح ما يمكن تسميته بالبديهيات، عندما يكتب عن مشروع قومي يحول مواطني شعب مصر من رعايا دولة إسلامية إلى مواطني دولة مدنية فيدخل علينا من يكتب تعليقًا يدل على جهل كاتبه، وعدم القراءة والاعتماد على وجهة نظر تخص كاتبها وحده، أقول له ولغيره من قراء النزعة العدمية إن (السمت) هو الطريق و(الأمت) هو العوَج و(الصمت) هو الأفضل عندما لا تجد ما تعلق به على ما لا تفهمه!!
ونعود إلى مشروعنا نحو عقل مصري جديد، يحترم الاختلاف داخل الوطن الواحد، يحتفي بالتنوع الخلاق، يقاوم دعوات الهدم بمنجزات البناء.. يسعى إلى علمنة المجتمع المصري بإشاعة روح المواطنة وتحديث الثقافة بالترويج لمفاهيم مصرية في العلم والعمل!!
تُبنى الأمم بسواعد مواطنيها، لا بمشروعات التنوير المفروضة عليها من الخارج، وتجدد الخطابات الدينية للمصريين بجهود وحاجات المتدينين المصريين: أقباطًا وبهائيين ومسلمين وغيرهم لا بالضغوط ولا المزايدات، تتبنى الأمم الحرة الديمقراطية تبعًا لحاجاتها لا خوفًا من دبابات فرض الديمقراطية، المشاعر الوطنية لا تباع ولا تشترى، إنما نعرف انتماءنا إلى الوطن وقت المحن!!
فهل نسعى إلى مستحيل؟
على العكس.. إن ما نسعى إليه هو أبسط حقوقنا، حكامًا ومحكومين، عمالاً وفلاحين، قراءً وكاتبين، مشاهدين وإعلاميين. إنها (تلك المطالب) الدائرة التي تحمينا من الهلاك والاستهلاك المجاني في دوائر الآخرين، دعونا نطرح الأسئلة الصعبة عن هويتنا المصرية، في الأوقات العصيبة للخروج من فخ الأسلمة الداخلية والجبرية، وخدعة المقرطة الخارجية بيد كل مصري نغير الغد لا بيد عمرو ولا الخواجة!!
ماذا نعني بالهوية المصرية؟
إن هويتنا المصرية ليست بدعة، ولا دعوة إلى التشرذم والانغلاق والانفصال عن العالم.. بل هي قدرة على التمييز بين ما يهمنا كمصريين وبين ما يخصنا كمساهمين في الإبداع الإنساني، وفي كل المجالات، نعرف أن الطريق إلى تأسيس عقل مصري جديد صعب، بل يبدو في أكثر مناطقه إعتامًا (منطقة الهويات الدينية) دربًا من المستحيل، ولكننا نراهن على جيل يحترف تحدي الصعاب، ولا يعترف بالمستحيل ولا يحمل إرثًا معاديًا للثقافة المصرية، فالسواعد التي تهدم يمكنها أن تبني، والعقول التي تفكر في التخريب يمكن أن تحمل دعاوى التجريب، ودعاة الدولة الطائفية (وهم كُثر) يمكن دمجهم في دولة مدنية علمانية، والاختبارات تكشف معادن الشعوب، ونحن شعب لم يراهن على فشل، حتى وإن فشلت أحلامه مرحليًّا، فرهان طول النفس أقوى وأجدى.. ومحاولات النجاح لم تزل مستمرة!!
إن كاتب هذه السطور، يعتز بمصريته ويتفاخر بكونه كاتبًا مصريًّا.. متمثلاً الكاتب المصري الجالس القرفصاء، يقرأ ما مضى ليعتبر والمستقبل يخطط له وينتظر، حتى يحين الوقت لينتصر للعدل والعقل والحرية، بدعوة للحرية والمساواة والمواطنة في ظل وطن واحد وهوية قومية مصرية تجمع شملنا ولا تفرق جمعنا رغم اختلاف الأفكار وتنوع مصادر المعرفة، فيا أيها المواطنون تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم، ألا نعشق إلا الوطن ونقدم رفعته على أرواحنا وليكن الموت في سبيل نصرته أسمى أمانينا والعيش في ظل تقدمه شغلنا الشاغل!!
لسنا دعاة فاشية ولا دعاة تفوق عنصري، فنحن نرفض التعصب ولكننا دعاة وطنية مصرية، للحفاظ على مستقبل أبنائنا، حماة الوطن ولملمة الكنوز التي بعثرها أسلافنا لحساب السماء بتعبير هيجل، ومرحبًا باستفهامات أصحاب حسن النوايا، وكذلك نرحب باتهامات أصحاب سوء الطوايا.. فمصرنا تستحق منا العناء من أجلها، ليست مصر أقنومًا ثابتًا ولا كيانًا سرمديًّا ولا صنمًا نسجد له. إنها هذا الوطن الذي تتحملنا أرضه وتظلنا سماؤه ونشرب من نهر عطاياها التي لا تعد ولا تحصى!!
لسنا دعاة سياسة، بل نرفض التدخل السافر للسياسة في الثقافة، ونرفض حتى فقه الدعوة، فنحن فقط نحاول تنمية شعورنا بالانتماء والولاء لهذه الأرض، ومحاولة تحريك المياه الثقافية الراكدة، فمن أولى بنا منا؟! ومن أولى بمصر من أبنائها! وهل نحن بحاجة إلى تذكير المواطن بعشق الوطن؟!
بالتأكيد لا.. فقط نحاول تحويل العشق اللازم إلى عمل نافع، فلنشحذ عقولنا للتفكير بجدية في تأسيس عقل مصري جديد يليق بمصرنا في القرن الحادي والعشرين، مستندًا إلى ميراث ثقافي عتيق علَّم العالم.. والآن عليه أن يصبح في المقدمة بعدما ساهم الاستعمار والتخلف والتبعية في تأخيرنا عن ركب المدنية مائة عام أو يزيد.
فلنحي تراث الليبرالية المصرية، ونرفض تراث العبيد، ولنحي تراث قبول الآخر، بدلاً من إقصائه ونفيه، ولنتعايش معًا على أمل أن المستقبل لنا لا علينا، نواجه أزماته بصلابة الواثقين في يقين، حيث لا يقين إلا هذه الأرض.. وهذا الطين.
مشروعنا في النهاية - والبداية أيضًا - دعوة للمشاركة الإيجابية بالتفكير الحر والبنَّاء والحوار الحيوي المنفتح بين كل التيارات الثقافية التي أفرزتها مصر، بتفاعل أبنائها مع مشكلاتهم الحيوية. ولننتبه إلى أن مصرنا في حالة مخاض.. فمصر (ولاَّدة) ولن تستقر إلا على أرضها بسواعد أبنائها وقدراتهم الخلاقة على تجاوز المحن، والمساهمة في تحويل المحن إلى منح للاختبار، والمصاعب إلى مقومات للبناء، والبناء للمستقبل غايتنا، وهو فرض عين على كل مصري ومصرية!!
هذه بعض من ملامح مشروعنا الثقافي العام الذي ندعو كل مصري ومصرية للمساهمة فيه ولو بفكرة من أجل مستقبل هذا الوطن.. الذي هو لنا.. بنا.. من أجله نحيا، وهو يبقى من أجلنا.
من أجل أن نحيا مواطنين لا رعايا. فهل من مستجيب؟!