الأقباط متحدون - وفـُوجئنا .. أنه فاز بالسعفة الذهبية .. !!
أخر تحديث ٠٧:٢٣ | الاربعاء ٩ ابريل ٢٠١٤ | برمودة ١٧٣٠ ش ١ | العدد ٣١٥٤ السنة التاسعه
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

وفـُوجئنا .. أنه فاز بالسعفة الذهبية .. !!

نبيل المقدس  

لا شك أن كل واحد فينا كان كبيرا أو صغيرا , له ذكريات جميلة مع أحد السعف , والذي به يبدأ ذكري أسبوع الآلام .. فعندما كنت تلميذا في مدرسة الإمريكان بأسيوط في المرحلة الإبتدائية .. كانت إدارة المدرسة تقيم في ليلة أحد السعف إحتفالا عظيما لهذه المناسبة في الكنيسة الملحقة بالمدرسة .. حيث كان يتم فيها مسابقة  أجمل وأحلي سعفة مضفرة نقوم بها نحن الطلبة .. والفائز كان يستلم الجائزة من المدير الأمريكاني للمدرسة  وهي عبارة عن كأس مطلي باللون الذهبي .. وعلي قدر جدية هذا المدير في العمل , لكنه كان متواضعا جدا , والغريب والعجيب كان يُدَرِسْ لنا اللغة العربية الصحيحة الفصحي بقواعد نَحْوِها وشرح أبيات أشعارها .. ولأن هذا المدير هو في الأصل كان قسيسا .. فقد كان يبدأ دائما الإحتفال بإضافة معلومة جديدة تخص هذا الحَدّثْ الجلل الذي إهتزت له مدينة أورشليم .. وكان أكثر الإضافات التي نتلقاها منه , لها صلة بالمعني الصحيح لكلمة الله المكتوبة في الكتاب المقدس .. وكانت الكلمة التي وضعها الرب علي لسانه في هذاه الليلة لشرحها هي كلمة " الجمع " التي جاءت في يوحنا 12 : 12- 13 . " 12وفي الغد سمع (الجمع) الكثير الذي جاء إلى العيد أن يسوع آت إلى أورشليم .13, فأخذوا سعوف النخل وخرجوا للقائه، وكانوا يصرخون: أوصنا مبارك الآتي باسم الرب ملك إسرائيل ".

وكان كعادته معنا يشرح النص أو الكلمة عمليا لكي تثبت في عقولنا مدي الحياة , وهذا ما يجب سعيه الآن من مفسري الكتاب المقدس أو من الوعّاظ أن يُذكروا المعني الأصلي للكلمة حيث الكثير منها تمت ترجمتها من لغتها الأصلية العبرية والآرامية بدون دقة مما ربما تفقد المفهوم والقصد الحقيقي للآية أو العبرات المدونة بكتابنا المقدس .

 إنفتح ستار المسرح وإذ نجد ديكور بسيط يُصورهُ لنا بأنه باب أورشليم وأمامه بعض الأشخاص كانوا واقفين علي المسرح بملابس نظيفة لكنها مختلفة ومتباينة , وبعد ثوان يدخل زميل لا بس علي رأسهِ مايشبه آتان أو حمار ويمشي بجانبه زميل آخر يمثل المسيح .. وورائه مجموعة من الشعب أغلبهم ذوي الملابس المهلهلة والفقيرة رافعين السعف ورائه وهم يهتفون " أوصنا .. أوصنا " لكن بطريقة مرنمة كانت مشهورة علي أيامنا .

 بعد دخول الشعب أورشليم ويسوع أمامهم وبجانبه الآتان , يدخل مدير المدرسة علي المسرح ويقف في وسطهم , ويرفع يديه علامة علي وقف تكملة المشهد , ويظل الممثلين ثابتين علي آخر حركة كانوا يقومون بها بطريقة إبداعية جميلة , جعلتنا نصمت وننظر إليهم بذهول مترقبين ما سيحدث بعد ذلك . وهنا يتكلم المدير بعد قراءة الآيتين السابقتين ويلقي سؤالا موجههُ إلينا :

  ما هو الفرق بين الناس الذين دخلوا مع يسوع مِنْ بوابة أورشليم والناس التي كانت موجودة بداخل أورشليم . ؟؟؟ ويكمل ويقول الشعب الذين دخلوا مع يسوع هم التلاميذ وأهل الجليل الذين يأتون أورشليم  لكي يأدوا فريضة عيد الفصح كل سنة .. هؤلاء هم " الجمع " ... اما الذين بالداخل ويشير إلي أحدهم " واقف وقفة العظمة والكبرياء  يتمتم شفتيه رافعا يداه إلي السماء مُصليا ويحاول أن يلفت مَنْ حوله بما يفعله , ويُعّرِفَهُ لنا بأنه فريسي الذي يحفظ ويحافظ علي تطبيق الشريعة حرفيا.. ويشير إلي آخر امامه ترابيزة وفي يديه عملات نقود مُنهمك في إحصائها ويقدمه لنا أنه أحد العشارين الذين يجمعون الضرائب لصالح الرومان .. ثم يشير إلي ثالث واضع علي صدره يافطة مكتوب عليها " أنا من سبط لاوي حاملا معه مبخرة تنبعث منه بخور يحركها يمينا وشمالا , ويقدمه بالكاهن وأنه هو الذي يتولي إدارة الفريضة داخل الهيكل .... وهكذا.

من هذا المشهد الجميل تعلمنا أن كلمة (الجموع) يُقصد بهم أنهم أصحاب يسوع الذين يعرفونه و أتوا معه من الجليل . وهذا ما تحققت منه فعلا من كلمات "متي المسكين" بالصدفة عندما كنت أقرأ  تفسيره لسفر يوحنا .. حيث يقول في صفحة 723 " وهنا كلمة (الجمع) يُقصد بها أهل الجليل .. وهم في نفس الوقت أصدقاء الرب .. فقد إحتشدوا في صورة موكب عظيم " وساروا خلف يسوع.

 نأتي إلي ما قبل نهاية هذا الإحتفال بليلة السعف .. ويدخل علينا من الباب الخلفي للكنيسة صف من الزملاء الذين قيدوا إسمائهم في المشاركة لأجمل شكل ضفيرة للسعفة بالإضافة إلي أجمل تزيين لها بالورود  .. حيث يمرون علينا ثم يصعدون علي المنبر امام لجنة يتوسطها القسيس لكي تختار السعفة التي تستحق الجائزة . وفجأة وقفت مدرسة الحساب "مس سوزان" إحدي عضوات لجنة التحكيم لكي تطلب وتستأذن من حضرة المدير أن يوقف العرض ويستدعي التلميذ الموجود آخر الصف . قام المدير بوقف العرض واستدعي الزميل الذي أشارت عليه مس سوزان .. وعندما رأيناه علي المنبر ضحكنا عليه كثيرا لأن السعفة التي كان يمسكها ودخل المسابقة بها كانت غير مضفرة .. كانت عارية من أي تجميل او حتي ورده .. أي كان يحمل سعفة هي هي كما إشتراها .

سألته مس سوزان .. قول لي يا "فتحي" وهذا إسمه .. إنت فاكر انك هتفوز بالسعفة الذهبية هذه السنة وانت لم تعرض سعفتك  بدون تزيين أو تضفير كما فعل زملاؤك ؟؟ ... قال لها .. انا متأكد أنني سوف أكسب الكأس . إنطلقت الضحكات من قاعة الكنيسة وإلي كل مَنْ كان موجود علي المنبر .. سألته : وما الدليل انك ستفوز ؟؟ رد عليها قائلا وبلباقة .. " عشان الجموع في عصر يسوع ماكانوش مُضفرين السعف ... استقبلوه فجأة وكانوا يسرعون في تجميع السعف والورود عشوائيا ويهتفون ليسوع اوصنا اوصنا مبارك الآتي بإسم الرب ."

  وقفنا جميعنا ووقفت العائلات التي أتت مع ابنائها الإحتفال لكي نصفق لهذا التلميذ الأمين في تعبيراته وملاحظاته وحُسن تفكيره .. ثم تقدم مدير المدرسة وحضن زميلنا "فتحي" صاحب أجمل سعفة لهذه السنة والعارية تماما من أي تدليس مما جعلنا نعيش هذه اللحظة وكأننا نعيش مع واقع وحقيقة الحدث , وأهداه الكأس مع ترحيب كل مَنْ كان في الإحتفال.
الرب يسوع لا يقبل فرحا مزيفا أو توبة مزيفة ... كفي أن نرفع أيادينا له صارخين أوصنا أوصنا أي خلصنا خلصنا من فضلك ,  فالرب يريدنا أن نذهب إليه حاملين نجاستنا وحقارتنا وخطايانا ونلقيها تحت رجليه ... الرب يمد ذراعيه لنا   " تعالوا إلي يا جميع المتعبين وانا اريحكم ."
 وكل سنة وأحد زعف وأنتم طيبين .


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter