نانا جاورجيوس
الكنيسة هي فردوسنا الأرضي التي كانت ثمرة خطة خلاص إلهية عبر آلاف السنين، وشعبها هم جماعة المؤمنين للكنيسة المجاهدة والذين يمثلون مع جوقة السمائيين للكنيسة المنتصرة، سحابة الشهود المسبِّحة والمرنمة لرب المجد، فإن كان ربنا هو أبينا السماوي فالكنيسة هي أمنا على الأرض وأغلى جوهرة حقيقية نملكها وإقتنيناها بالنعمة الإلهية، فهي السراج المضيء لظلمة العالم وهي الملكة المتوجة التي أجلسها المسيح عن يمينه و فُلك نجاتنا من هذا العالم، فليس طبيعياً أن تشذ جماعة من المصلين و يغردون خارج سرب سحابة شهوده التي ينبغي لها أن تسبح لإسمه القدوس!
فأي دفاع أو تبرير لما حدث من غناء وتطبيل وتصفيق داخل كنيسة العذراء ومار مرقس – شاتنى مالابري بفرنسا- لهو نوع من الإستهانة والتفريط في قدسية الكنيسة، فلا نلوم أبداً السادة المحترمين ضيوف الكنيسة فهم مرحِّب بهم كل حين لأنهم لا يعرفون شيئاً عن طقوسها ولا الآدابيات المتبعة لقدسيتها وعذرهم معهم وكان يجب توفير المكان المناسب للإحتفال بهم بحيث لا يكون أمام المذبح، فاللوم وكل اللوم على كاهن الكنيسة وشعبها المصفق، فالكنيسة تمنح محبتها بلا تمييز لجميع الناس ولكن المحبة لا تعني التفريط في أثمن ما نملك من مقدسات، فيكفينا ما حدث من حرائق وتدمير لحق بها في الفترة الأخيرة، نفسها المحبة التي لا تتعارض ولا تخلط الأمور إن نظرنا بعين الحكمة الفاحصة لعمق الأمور لتمييزها و لنضع كل أمر في موضعه الصحيح ! فمجاملات الكنيسة ودورها الخدمي والإجتماعي وتكريمها للناس شيء جميل ومحبب و مطلوب إجتماعياً وثقافيا ولكن هذا كله يتم في المكان المخصص له بقاعات ومسرح والمباني الخدمية الملحقة بالكنيسة و ليس بإنتهاك قُدسية مذبح و بيت العليِّ.
فحادثة الغناء داخل الكنيسة وإن كانت جائت بتلقائية فهي حادثة لم تأتينا فجأة، لأنها نتيجة طبيعية لما سمحنا به نحن من قبل من دخول قيادات وسياسيين بعد ثورة 25يناير ليجلسوا مكان خورس الشمامسة و الإكليروس أمام المذبح وليعقدون مؤتمراتهم ودعاياتهم الإنتخابية وتم إستباحة الكنيسة والتهاون فيها بالهتافات والتصفيق وكانت النتيجة حكم ديني إخواني إستباح الكنيسة ليعرضوا فيها بضاعتهم السياسية ومشروع دولتهم الدينية داخل الكنائس وعندما سقوط حكمهم كانت الكنائس التي دنستها أقدامهم هي أول ما نهبوها وأحرقوها و ولعوا فيها بالمولوتوف لتكتمل إستباحتهم عن آخرها، حين أدركوا أنهم سينزلون من فوق كرسي الحكم وهم يجرون أذيال خيبتهم وسيُقتلع شيطانهم مدحوراً في مساوماته ومخططاته ضد شعبها فخرج منها ناقماً عليها فأحرقها نافثاً سموم بُغضته، فكُنا كمن أعطينا القدس للكلاب و طرحنا دُررنا الثمينة تحت أقدام الخنازير كما قال رب المجد وكانت النتيجة أن إلتفتت الكلاب فمزقتنا أشلاءاً وهي تخرج حاملة معها بضاعتها العفنة لتنتقم وتدوس مقاديسنا وتحرق بيوتنا وتقتل أبنائنا وتنهش أجساد بناتنا !.
فيا أيها الرعاة يا من إئتمنكم رب المجد على كنيسته أسألكم بحق هذه الدماء المسفوكة لأجل هذه البيعة المقدسة ولأجل دمه الذي دشن به أرواحنا ومذبح كنيسته، أي شركة للنور مع الظلمة كما تسائل الإنجيل ؟! وأي مجد جنت الكنيسة من العالم غير كل إستباحة وتدنيس وخراب وحرائق مازالت الكنيسة تنزف بسببهم ؟! فأي تنازلات وتهاون عن مجد المسيح الذي ألبسه لنا وإقتنيناه سنجني بدلاً منه مجد العالم وكل أباطيله. فـ «غيرة بيتك يارب أكلتني»« مز69»، فيا رعاة خراف المسيح، يسوع يقول لكم: « لا تجعلوا بيت أبي بيت تجارة »« يو2 ». ولا للمساومات على أباطيل العالم ولا تنازلات ولا مفاوضات ولا دعايات سياسية تجرى داخلها فالآباء و الرعاة دورهم لا يتعدى خدمة الكلمة الإلهية المقدسة التي إئتمنهم عليها السيد المسيح، لا أن نجعل الكنائس منابر لألاعيب السياسة وخبث المرتزقة منهم وعبث الثعالب الصغيرة المفسدة للكرم للنيل منها، ولا للهتافات والتطبيل و التصفيق لتنجرف الكنيسة شيئاً فشيئاً في تيارات العالم كما يريدون لها، فقدسيتها تعني قدسية الذبيحة المقدسة، أي جسد و دم عمانوئيل إلهنا، قدسية الكنيسة تعني الحضرة الإلهية كل حين لأنها مسكن العليِّ وموضع قدسيته على الأرض. فهي صورة المسيح الممجدة وجسده، و يجب أن تنعكس صورته على شعبه الذي هو ميراثه و أعضاء جسده والممجدين فيه والذين أفرزهم عن العالم وأسماهم بقطيعه الصغير ومنحهم إسمه.
قدسية الكنيسة وآدابياتها علمتنا منذ طفولتنا عدم التصفيق والهتاف ولا الكلام بصوت مرتفع ولا لكلمات خارج كلمات الوعظ و التمجيد والتسبيح لصاحب البيت. وكل من يتهاون بتفريط في كنيسته ويصفنا بالتشدد والإنغلاق والإنعزالية وعدم الإستنارة فهو من يدعم إستباحة الكنيسة وأسرارها المقدسة والنعمة الإلهية المزخرة فيها و يفرَّط فيها لحساب العالم، ولم يفهم معني الإستنارة الروحية الحقيقية التي طالبنا بها ربنا وإلهنا الذي هو أبو الأنوار والإستنارة والمُزخر فيه كل كنوز الحكمة والمعرفة، ودشن بأسراره الإلهية مذبحه وأعمدة كنيسته وأيقوناته بزيت الميرون المقدس كما دشن تماماً أرواح شعبه وقدسهم فيه، فالكنيسة هي الكرمة المقدسة الحاملة لعنقود حياتنا وأرواحنا والتي من القداسة أن نخلع نعلينا قبل دخولنا إليها لملاقاة حضن الآب وهيبته لا أن نهينه بمهاترات العالم، فالحضرة الإلهي...